لماذا نهلل لتعثر الملء الثانى للسد؟!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 8 يونيو 2021 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

من الخطر الشديد على أمننا القومى، أن نروج لفكرة أن إثيوبيا فشلت فى عملية إكمال الملء الثانى لسد النهضة، بعد تعثر التعلية اللازمة لعملية الملء.
صحيح أن أى تعثر لإثيوبيا فى تنفيذ السد، هو فى مصلحتنا، طالما أن الأمر لم يتم فى إطار الاتفاق القانونى الملزم، لكن الاستغراق فى الترويج لهذا التعثر الإثيوبى المؤقت، قد ينقلب ضدنا، لاحقا، حينما تنجح إثيوبيا فى إنجازه.
ظنى أن القضية الأصلية لا تتعلق بعمليات الملء سواء كانت الأولى أو العاشرة، ولا حتى ببناء السد نفسه. قضيتنا هى اعتقاد إثيوبيا بأنها تملك النيل الأزرق، توزع مياهه على من تشاء وتمنعها عمن تشاء، وتبيعها لمن تشاء، بحيث تتحول إلى القوة المهيمنة ليس على مياه النيل فقط، ولكن على القارة الأفريقية بأسرها.
نذكر الناس جميعا بأن مصر حينما وقعت على إعلان المبادئ الثلاثى فى الخرطوم فى مارس ٢٠١٥، فإنها وافقت على بناء السد، بل وقبلت ــ حتى لو كان على مضض ــ بحجمه وسعته أى ٧٤ مليار متر مكعب وبالتالى، فلدى إثيوبيا حجة كبرى بأننا وافقنا على بناء السد. وبالتالى فالقضية بالنسبة لنا ليست السد فى حد ذاته، أو حتى حجمه وسنوات ملئه، بل فى كيفية إدارته وتشغيله بحيث لا يتحول إلى أداة للتحكم فى مصر ومستقبلها.
سواء تم ملء السد فى سنة واحدة أو فى مائة عام، فليست تلك هى النقطة الخطيرة جدا، رغم أهميتها، لأنه يمكن لإثيوبيا التعلل بأنها لن تملأ السد إلا فى مواسم الفيضان الوفيرة، وأنها تتعهد بألا تتضرر مصر ضررا جسيما خلال عمليات الملء. وحينما يكتمل ملء السد. فنظريا لن تكون إثيوبيا فى حاجة لمنع تدفق المياه بصورتها الطبيعية إلى مصر والسودان. لكن المشكلة كما صار يعلمها الجميع أن إثيوبيا بنت السد ليس لتوليد الكهرباء فقط كما أشاعت، ولكن للزراعة أيضا، ولتصدير المياه لكل دولة تزرع فى أراضيها، حينما تصدر محاصيلها للخارج، والأهم أن هدف إثيوبيا الجوهرى الذى صاروا يتبجحون به كثيرا هو أن تصير القوة المهيمنة فى القارة.
فى الأيام الماضية انشغل بعض الخبراء والمتابعين للملف للترويج للتعثر الإثيوبى. وقالوا إن أديس أبابا أقرت ضمنا بأنها لم تستطع إلا تعلية السد بمقدار ستة أمتار فقط، بدلا من ٣٠ مترا، لكى تتمكن من ملء ١٣٫٥ مليار متر مكعب فى المرحلة الثانية تضاف إلى المليارات الخمسة فى المرحلة الأولى، وبالتالى فهى ستتمكن فقط من إضافة من ٢ ــ ٣ مليارات متر مكعب فى المرحلة الثانية التى تتم حاليا. ورغم أن وزير الرى الإثيوبى قال إن عملية الملء الثانى تتم فى الإطار المخطط لها، فإنه وحتى لو صدقت هذه الاستنتاجات، بأن إثيوبيا لم تتمكن من إكمال التعلية فى موسم الفيضان الحالى، فعلينا كمصريين أن نتذكر أن الملء يمكن أن يتم الموسم المقبل أو الذى يليه.
مشكلتنا مع إثيوبيا مرة أخرى ليست فى التفاصيل ــ رغم أهميتها ــ بل فى جوهر ووظيفة السد، والسدود الأخرى التى قالت إنها تنوى بناء ١٠٠ سد صغير ومتوسط فى العام المالى المقبل، وهو أمر لو تم، فسوف يعنى عمليا تحويل النيل الأزرق إلى بحيرة إثيوبية داخلية، كما تفاخر علنا وزير الرى الإثيوبى فى ٢٢ يوليو الماضى، بعد انتهاء عملية الملء الأول.
من المهم أن ننشغل بكل تفصيلة تخص السد، لكن علينا دائما أن نفرق بين النقاط التفصيلية الطارئة والمؤقتة، وبين المسائل الجوهرية، حتى لا نجد أنفسنا غارقين فى التفاصيل، ثم نتفاجأ بأن السد اكتمل وبدأ العمل من دون التوصل لاتفاق قانونى وملزم. وحتى هذا الاتفاق يحتاج إلى اتفاق جديد وملزم يحفظ حصتنا المائية، بدلا من المتاهة التى تريد إثيوبيا وبعض دول الحوض أن تدخلنا فيها تحت مسمى «التوزيع العادل والمنصف» للحصص بين كل دول الحوض. وهو شعار براق، لكنه يخفى رغبة دفينة لدى البعض لبيع المياه إلى مصر!
أتمنى أن نتمكن من حسم الأمور بصورة نهائية فى الأيام والأسابيع المقبلة، بحيث تصل رسالة للجميع، سواء كانت إثيوبيا، أو بقية دول الحوض، بأن الاقتراب من حقوق مصر المائية سيكون ثمنه فادحا. نحتاج أن نذكر الجميع، بأننا لن نقبل منطق الإذلال والتركيع والابتزاز.
الوقت لم يمر بعد، وإن كان من ميزة وحيدة لتأخر عملية الملء الثانى، فهى أنها تعطينا فرصة أخيرة للتحرك وحسم الأمور مرة واحدة وإلى الأبد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved