عين على اليونان: ماذا بعد التصويت بلا؟

عمرو عادلى
عمرو عادلى

آخر تحديث: الأربعاء 8 يوليه 2015 - 10:45 ص بتوقيت القاهرة

صوتت غالبية اليونانيين بالرفض على حزمة التقشف الأوروبية التى عرضتها الحكومة للاستفتاء، ودعت الناخبين إلى رفضها لتحسين موقف اليونان التفاوضى مع المجموعة الأوروبية وصندوق النقد الدولى حول شروط الخروج من أزمة الديون السيادية التى تخنق الاقتصاد اليونانى منذ ٢٠٠٩ فى أعقاب الأزمة المالية العالمية فى ديسمبر ٢٠٠٨.

ولا شك فإن التغيرات التى شهدتها اليونان فى الشهور القليلة القادمة تعد منعطفا تاريخيا شديد الخطورة فى تاريخ ومستقبل منطقة اليورو، وبالتالى الاتحاد الأوروبى، إذ إن صعود حكومة أقصى اليسار إلى سدة الحكم قبل خمسة شهور على أساس برنامج يقوم على رفض المزيد من إجراءات التقشف، ثم إفلاح الحكومة فى إقناع الغالبية من الناخبين (نحو الثلثين) للتصويت بلا يفجر العديد من الأسئلة حول قدرة منطقة اليورو على إدارة التناقضات الداخلية بين أعضائها، المتفاوتين فى قدراتهم الاقتصادية، وخاصة التناقض الأبرز بين دول جنوب القارة: اليونان والبرتغال وإسبانيا، والقوى الأكبر فى منطقة اليورو: ألمانيا وفرنسا، وهو صراع ذو أبعاد خطيرة على الاقتصاد العالمى، وعلى مستقبل اليسار فى العالم وخاصة فى شمال إفريقيا، والتى تشترك مع اليونان فى كونها اقتصادات تابعة للمركز الأوروبى وواقعة على أطرافه بالمعنيين الاقتصادى والجغرافى.

***

عانت اليونان من تضخم فى ديونها الحكومية الخارجية منذ الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨، والتى أدت إلى رفع تكلفة الائتمان مصحوبة باضطراب اقتصادى وتباطؤ فى القارة الأوروبية ما جعله من المتعذر عن اليونان ــ وعدد آخر من الدول الأوروبية كأيرلندا وإسبانيا والبرتغال ورومانيا والمجر ــ الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وإن كانت الحال فى اليونان هى الأسوأ كون البلاد على شفير الإفلاس بالمعنى الحرفى ــ أى عدم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها فى مواعيدها المقررة، وأسفر هذا عن خوض الحكومات اليونانية المتعاقبة منذ ٢٠٠٩ لمفاوضات مع المجموعة الأوروبية ــ وخاصة ألمانيا أكبر اقتصاد فى أوروبا والثالث عالميا وأكبر دائن لليونان ــ ومع صندوق النقد الدولى كونه الجهة الدولية المسئولة عن الوضع المالى والنقدى للدول الأعضاء.

وقد كان المخرج وقتها واضحا ومألوفا وهو تطبيق إجراءات تقشف تقوم على تخفيض الإنفاق العام ــ من خلال خصم أجور العاملين فى الدولة وتخفيض المعاشات ــ بما يسمح بتخفيض العجز الحكومى، وتخصيص المزيد من الموارد لسداد الدين الخارجى ومنع توسعه، وقد كان من المخطط أن يؤدى التقشف إلى تحسين وضع الحكومة اليونانية المالى، ويضع الاقتصاد على مسار استعادة النمو بعد فترة من الانكماش الناتج عن التقشف، بيد أن ما وقع فعليا هو أن التقشف قد فاقم من الركود الاقتصادى، ما رفع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة ــ بلغت نحو ٤٠٪ فى فئة الشباب ــ مع تخفيضات متوالية فى الدخول الحقيقية للعاملين فى الدولة ولأصحاب الأجور الثابتة من المتقاعدين، وسرعان ما دخلت اليونان فى دائرة مفرغة حيث يؤدى التقشف إلى تعميق الركود ما يؤدى إلى المزيد من الضعف فى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية ما يقتضى المزيد من التقشف.

وأمام استمرار هذا الوضع لسنوات أطاح الناخبون اليونانيون بالنخبة السياسية التقليدية مطلع هذا العام وأتوا بحزب سيريزا ــ المحسوب على أقصى اليسار ــ فى مقعد الحكم، ودخلت الحكومة الجديدة فى مفاوضات مطولة مع المجموعة الأوروبية وصندوق النقد أفضت إلى حزمة تقشف، تتناقض والبرنامج الرئيسى الذى دخل بناء عليه الحزب الحاكم الانتخابات، والتمس رئيس الوزراء اليونانى المخرج فى طرح الحزمة للاستفتاء الشعبى مع حث اليونانيين على التصويت بلا، وهو ما نجح فى فعله.

***

ماذا يعنى التصويت بلا؟ لا تعنى نتيجة التصويت بشكل مباشر التأثير على مستقبل اليونان كجزء من منطقة اليورو أو من الاتحاد الأوروبى، بل إن حكومة تسيبراس تدرك جيدا أن تكاليف الخروج من منطقة اليورو والعودة للتعامل بالعملة الوطنية ــ الدراخمة ــ هو أمر وخيم العاقبة على بلد صغير واقتصاد هامشى كاليونان، ولكنها تدرك فى الوقت ذاته أن التصويت بلا يضع الديمقراطية كتعبير عن إرادة الشعب فى مواجهة مباشرة مع التقشف كبرنامج مشروطية مفروض من الدائنين، وتدرك جيدا أن خروج اليونان من منطقة اليورو ليس أمرا هينا لمستقبل أوروبا الاقتصادى خاصة أن أوضاع بلدان كإسبانيا والبرتغال وهما عضوان فى منطقة اليورو لا تختلف جوهريا عن اليونان، كما أن خروج اليونان من منطقة اليورو يهدد مستقبل منطقة اليورو ــ ثانى أكبر الكيانات الاقتصادية فى العالم بعد الولايات المتحدة.

وهو ما يجعل للحكومة اليونانية اليوم أملا فى استخدام نتائج التصويت والتأييد الشعبى الكبير لإعادة التفاوض حول مستقبل اليونان داخل أوروبا لا خارجها، ولكن ليس بشروط الدائنين وإنما بشروط اليونان على نحو قد يحقق ولو بشكل جزئى مطالب شباب اليونايين فى تخفيض البطالة واستعادة النمو الاقتصادى مع تحسين وضع البلاد المالى بدلا من تبنى إجراءات تقشفية واحدة تلو الأخرى بلا أفق سوى تعميق الركود والمزيد من إحراج الوضع المالى.

إن ما يجرى فى جنوب أوروبا شديد الأهمية بالنسبة لدول شمال إفريقيا خاصة مصر وتونس والمغرب، والتى ترتبط بالاتحاد الأوروبى ارتباطا وثيقا كونه أكبر شريك تجارى لها، وكونه أحد أكبر مصادر تدفق حركة السياحة والاستثمارات الأجنبية، خاصة أن بلدان شمال إفريقيا التى ترتبط بالاتحاد الأوروبى باتفاقات شراكة لا تختلف كثيرا فيما تنتجه عن بلدان جنوب أوروبا، ويضاف إلى هذا أن مستقبل اليسار فى شمال إفريقيا ــ خاصة فى بلد مثل تونس ــ سيكون مرهونا ارتهانا مباشرا وغير مباشر باليسار الجديد فى جنوب أوروبا وقدرته على تغيير شروط دمج تلك الاقتصادات فى المركز الأوروبى فى بلدان كاليونان والبرتغال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved