إنما هم كفرة فجرة

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 8 أغسطس 2012 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

قبل سنوات ظهروا فى قريتنا بالإسماعيلية: جلباب قصير وصندل، ولحية برية بلا تهذيب، وأفكار جديدة، أولها هدم شواهد القبور فى جبانة القرية، لكنهم اختفوا بعد أن تلقوا تهديدا من شباب القرية بالإبلاغ عنهم لأمن الدولة.

 

قبل شهور قابلت بعضهم على أبواب التحرير، برايات الجهاد السوداء، وعندما سألتهم عن رسالتهم هنا، سخر كبيرهم من الأسئلة، فهو ليس هنا ليرد على «الجهلاء وقليلى الإيمان».

 

من أسابيع كنت أتحدث مع مصطفى سنجر مراسل الشروق فى شمال سيناء، فوجدته واثقا من عملية عسكرية مزلزلة وشيكة، «للمجاهدين». البراهين ظهرت بعد سقوط جلادهم مبارك، مسيرات الرايات السوداء فى يوليو 2011 بالتزامن مع جمعة قندهار، الوعيد العلنى للقيادات الجهادية على يوتيوب وفى المساجد.

 

ما حدث زلزال لم نهضم بعد كل دلالاته، لكننى أعرف جيدا الطريق الذى رمانا إليه.

 

كانت فكرة الجامعة الإسلامية سلمية منذ إطلاقها نهاية القرن التاسع عشر على يد الأفغانى وغيره، حتى ظهور جماعة الإخوان ثم جناحها العسكرى عام 1940، فتغير كل شىء. لم يكن التنظيم الخاص يتدرب على قتال العدو الخارجى فقط كما أشاعوا، بل كان تلويحا بالقوة لكل من يرفض الفكر الإخوانى، والدليل سيأتى بعد ذلك فى عدة اغتيالات وأحداث دامية، لكن الأخطر كان «الإيحاء» الإخوانى باستخدام القوة تحت شعارات دينية.

 

جريمة تنظيم الإخوان كانت الربط بين المقدس والعابر، خلط الدين بالسياسة، وركوب السياسة باسم الدين. هذا اليقين الغبى أننى وحدى على صواب لأننى أمثل الدين الصحيح. يحظى الملتحى بلقب «شيخ» بين جيرانه وفى وسائل الإعلام، ويحمل على كاهله مهمة الدعوة للدين، وحمايته من الكفرة الليبراليين، والدفاع عن الذات الإلهية فى مسودة الدستور، والقفز على شاب يقف مع خطيبته فى الشارع جهارا نهارا.

 

هذا المناخ الدينى فى التعامل مع الدنيا هو الأصل فى كل المذابح والكوارث التى تمر بها مصر فى العقود الأخيرة، ولا فرق عندى بين أفكار البنا وصالح سرية وعمر عبدالرحمن وبن لادن والأسس التى تقوم عليها الوهابية، فالكل يسهم فى إشاعة قاموس دينى على حساب قيم أخرى لا تقل قداسة: المواطنة والإنسانية والمؤاخاة العابرة للأديان والأعراق.

 

رد مسئول صفحة المجلس العسكرى على جريمة رفح بأن «هؤلاء لا دين لهم ولا ملة وانما هم كفرة فجرة.. الجهلاء ذوو العقول الخربة التى تعيش فى عصور الجاهلية».

 

من شنوا الغارة الغادرة اعتبروا أولادنا كفارا لا حرمة لدمائهم، وها هو الرد باسم الجيش من نفس القاموس، يتحدث بلغة اليقين الغبى عن «كفرة فجرة» نفذوا الهجوم.

 

إذن نبقى فى هذا النفق المظلم لبعض الوقت.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved