أين الجامعة العربية من الربيع العربى؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 8 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تموج دنيا العرب حاليا بألف حدث وحدث. وهى أحداث ترسم بالفعل صورة مستقبل الأمة العربية. هناك الشعب العربى الذى يثور ويتحرك ليل نهار ويقدّم التضحيات والشهداء، بهذا يشهد العالم بإعجاب وانبهار.

أمَّا أنظمة الحكم فإنّها بين متعنٍّت مصرٍّ على بقاء أوضاع الفساد والتسلُّط السابقة وبين أنظمة أفرزتها الثورات والحراكات ولكنها ظلّت عاجزة عن تحقيق أهداف وتطلعات الجماهير التى تملأ الشوارع والسّاحات.

هناك أيضا القوى الدولية، منظّمات ودول وتكتلات، تصول وتجول طول وعرض الوطن العربى لتحل إشكالاته أو لتتآمر عليه أو لتضيف حطبا للنيران المشتعلة فى كل مكان.

لكن أين الجامعة العربية؟

أين هى مما يحدث يوميا ويتطوٍّر بسرعة هائلة؟ أين مساعيها الحميدة وتواجدها الدَّائم الذى يشعر به الجميع، وليس إطلالاتها الخجولة أو قبولها المحيَّر بالانتظار حتى تدعوها هذه الجهة أو تلك لتلعب أدوارا هامشية متباعدة؟

الواقع أن طبيعة هذه الجامعة أصبحت محيٍّرة. فمنذ إنشائها فى عام 1945 وهى غير قادرة على حسم التناقضات التى تتجاذبها: مسئوليات قومية ينصُّ ميثاقها عليها، سيطرة قطرية من هذه الدولة العربية أو تلك تتغيَّر بصعود هذا القطر أو بضعف ذاك، وتدخُّل واختراق من قبل قوى دولية هى الأخرى تتبدَّل بتبدُل الأزمنة.

هذه التجاذبات هى فى الواقع تصارع إرادات بعض منها يحاول الهيمنة على هذه المؤسسة العربية وحرفها عن مسئولياتها الأساسية التى نصَّ عليها ميثاق تأسيسها، وفصّلتها العديد من البروتوكولات والاتفاقيات التى وقٍّعت عبر مسيرتها الطويلة.

●●●

فى حاضرنا، منذ تلاطم أمواج ثورات وحراكات الربيع العربى، تتجلّى ما فعلته تلك التناقضات والصراعات بالجامعة والتى أوصلتها إلى الحالة الباهتة العاجزة غير الفاعلة التى نراها أمامنا ونأسف لها.

وللحقيقة فإن ذلك ليس بمستغرب. إنه نتيجة منطقية لهوس أنظمة الحكم فى جميع الأقطار العربية بما تعتبره سيادة وطنية مقدَّسة لا يمكن التنازل عن ذرَّة منها حتى فى سبيل المصالح العربية العليا أو سبيل خلاص الأمة. وقاد ذلك الهوس إلى رفض أو تمييع جميع مقترحات ومشاريع إصلاح الجامعة العربية سواء تلك التى قدَّمتها أمانة وقيادة الجامعة العربية نفسها أو تلك التى قدَّمتها هذه الحكومة العربية أو تلك بين الحين والآخر.

ولقد استبشرنا خيرا منذ عام 2000 عندما قرَّرت العديد من القمم العربية الدخول فى عملية إصلاح الجامعة العربية وإعادة هيكلتها وذلك من أجل إعدادها لتساهم بفاعلية فى تطوير وتجويد العمل العربى المشترك. لكن ما إن تقدمت الأمانة العامة بمشروع شامل معقول لنقل الجامعة إلى مستوى القدرة والفاعلية والمبادرة حتى انهالت الاعتراضات والتعديلات والتحفظات من هذه الجهة أو تلك. ولسنا هنا بصدد الدخول فى تفاصيل مشروع الجامعة العربية الكبير الذى بلغ حوالى مائة وتسعين صفحة أو فى تفاصيل العديد من المذكرات التى تقدّمت بها بعض الدول العربية.

لكن الواضح هو أن عملية الإصلاح قد تعثّرت وأبقت الجامعة فى عجزها التاريخى، وأن حليمة قد عادت إلى عاداتها القديمة من قول كثير وفعل وتنفيذ حقيقى قليل.

هنا يجب التنبيه إلى أن تعديل ميثاق الجامعة وإصلاح إدارتها وهياكلها وتوسيع صلاحياتها سيظلُّون غير كافين إن لم تصاحبهم إرادة سياسية عربية مشتركة تنطلق من التزامات قومية صادقة ومن تحرُّر من هيمنة القوى الاستعمارية وتوجيهاتها اليومية ومن توقُّف عن الاستخفاف بمطالب الشعوب الجديدة، وعلى رأسها الديموقراطية والعدالة.

وجود هذه الإرادة هو الذى سيسّهل عملية الإصلاح وغيابها هو الذى سيجعل من كل عملية إصلاح ترقيعا ومكياجا يخفى الترهُّل والعجز.

تلك الصورة البائسة تفسر الدور البائس الذى تلعبه الجامعة فى الساحات العربية المتلاطمة بالأحداث والحبلى بالإمكانيات الهائلة. يضاف إلى ذلك إصرار الأنظمة العربية على إبقاء الجامعة كمؤسسة ممثلة للحكومات، بما يتبع ذلك من تمثيل ضعيف هامشى للمجتمع المدنى فى الجامعة.

●●●

لعلّ أفضل توضيح لما نقول هو غياب الجامعة المحير فى الساحة العراقية، بينما يقف العراق كدولة على هاوية الدمار والموت والاختفاء من الخارطة العربية، أو الغياب المحير فى ساحة مصر.

فى مصر ما بعد تغيرات ثلاثين يونيه تأتى الوفود الدولية والإقليمية تباعا لتعرض خدماتها فى المساعدة على لم الشمل وإيجاد المخارج المرحلية على الأقل، بينما تظلُ الجامعة فى انزواء غير مفهوم وغير منطقى.

هذان مثلان فقط إذ لا شك أن هناك حاجة لتواجد الجامعة فى ليبيا واليمن وسوريا والسودان والعديد من ساحات دول مجلس التعاون والأردن، بل كل أقطار الوطن العربى، لكن تواجد الجامعة إما معدوم أو ضعيف مهمَّش.

إذا كانت هذه الأحداث التاريخية الهائلة الكبرى لا تؤدى إلى تفجير طاقات الجامعة ولا إلى لعبها دورا إبداعيا مساعدا ولا إلى رفض ترك الساحة للقوى غير العربية لتلعب أدوارها المشبوهة والخطرة.. إذا كان كل ذلك يحدث ونرى الوفود تأتى وتذهب، ونسمع التصريحات من كل أرجاء المعمورة، لكن لا نرى ولا نسمع عن وجود حقيقى فاعل بنّاء للجامعة لمنع الانهيارات والانقسامات والتصدى للدور الصهيونى ــ الأمريكى المتناغم، فإنه يحقُ لنا أن نطرح السؤال: أين الجامعة العربية من الربيع العربى؟

 

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved