ظريف... نهاية دور الوسيط

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الخميس 8 أغسطس 2019 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب مصطفى فحص، جاء فيه ما يلى:
بعد جدل داخل البيت الأبيض بين صقور الإدارة (مايك بومبيو وجون بولتون) حول إدراج وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف على قائمة العقوبات الأمريكية؛ حيث نقلت وكالة «رويترز» فى تقرير لها نشرته فى 12 يوليو الماضى عن مصدرين أمريكيين أن واشنطن قررت عدم إدراج الوزير ظريف فى هذه المرحلة على قائمة العقوبات، بهدف الإبقاء على القنوات الدبلوماسية المباشرة وغير المباشرة مع إيران، وفقا لرغبة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، الذى اعتبر أن هذا القرار ليس مفيدا فى هذه المرحلة... عادت إدارة البيت الأبيض واتخذت قرارها فى 31 من الشهر نفسه ووضعت وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف على قائمة العقوبات الأمريكية.
وعَدَّ مسئول فى الإدارة الأمريكية أن مكتب هذا الدبلوماسى الإيرانى «يعمل ملحقا» لمكتب المرشد على خامنئى بوصفه جهازه الدعائى «للدفاع عن اضطهاد النظام للشعب الإيرانى وقمعه حرية التعبير».
عمليا يمكن تفسير كلام المسئول الأمريكى بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب قررت إغلاق النوافذ التى كان النظام الإيرانى يستخدمها للوصول إلى الداخل الأمريكى وختمها بشمع العقوبات الأحمر، وأوقفت استغلال وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الدراسات والتعاون مع مجموعات الضغط السياسى، للتأثير على صناع الرأى العام الأمريكى للتحريض على إدارة ترمب فى قضية الاتفاق النووى الإيرانى.
يذكر أن هذه الجماعات كانت أول من رفع الصوت اعتراضا على معاقبة ظريف؛ خصوصا تلك التى تنشط على أنها جماعات ضغط إيرانية غير رسمية فى الولايات المتحدة وتربطها علاقة متينة بجواد ظريف الذى عاش ثلث حياته فى الولايات المتحدة. وقد نشر موقع «العربية نت» تقريرا عن الحضور الفعال لظريف وتأثيره داخل المؤسسات السياسية الأمريكية، خصوصا عندما كان فى نيويورك ممثلا لبلاده لدى الأمم المتحدة من عام 2002 إلى 2007، وكشفت «العربية نت» عن أنه ساهم بشكل أساسى فى تأسيس أكبر لوبى إيرانى فى الولايات المتحدة، وهو «المجلس القومى للإيرانيين فى أمريكا»، والذى يعرف بـ «ناياك (NIAC)» والذى كان يتزعمه تريتا بارسى وحاليا جمال عبدى، وقد توسعت علاقات هذا المجلس داخل أمريكا من خلال علاقات ظريف ببعض نواب الكونجرس والمجاميع السياسية وغرف الفكر ومراكز صنع القرار فى أمريكا.
بعيدا عن الجدل الذى أثاره تقرير صحيفة «نيويوركر» الأمريكية بأن ظريف تلقى دعوة لزيارة البيت الأبيض ولقاء الرئيس ترمب منتصف شهر يوليو الماضى، قدمها له السيناتور الجمهورى راند بول ورفضها ظريف مبررا ذلك بأنه يحتاج إلى موافقة طهران؛ الأمر الذى أثار حفيظة بعض أعضاء إدارة البيت الأبيض وشخصيات مؤثرة فى الكونجرس والحزب الجمهورى؛ وفى مقدمتهم السيناتور ليندسى جراهام الذى علق فى تغريدة له على حسابه فى «تويتر» بأنه «إذا كان هذا صحيحا (توجيه دعوة إلى وزير الخارجية الإيرانى للاجتماع فى المكتب البيضاوى) بغض النظر عن مدى حسن النية؛ فمن شأن ذلك أن يقوض موقفنا القوى ضد إيران بشكل كبير» ــ فمن الواضح أن تيارا داخل الإدارة الأميركية يرفض التعاطى ببراغماتية مع إيران، وهو من خلال قراره إقصاء ظريف عن دوره التفاوضى مع واشنطن يقطع الطريق على نظام طهران الذى استخدم وزير خارجيته من أجل تحقيق مآربه عبر وجه مقبول دوليا عمل وسيطا بين النظام والمجتمع الدولى الذى سقط فى فخ التعاون مع ظريف تحت مسوغ دعم أتباع «طبيعة الدولة» فى وجه أتباع «طبيعة الثورة».
فعليا ستفرض الخطوة الأمريكية على صناع القرار الفعليين فى طهران الخروج من خلف الستارة وخوض مفاوضات مباشرة من دون وسيط، وهذا سيجبر وزراء خارجية غير معلنين على الجلوس مع ممثلين عن الإدارة الأمريكية؛ وفى مقدمتهم على ولايتى وزير خارجية المرشد، والجنرال قاسم سليمانى وزير خارجية «الحرس الثورى»، وهما فى موقع يصعب عليهما تقديم تنازلات منه أو التعامل بمرونة مع أى تسوية تستدعى القيام بخطوات تراجعية. كما أن استبعاده من المفاوضات يمثل خسارة الفريق الإيرانى المفاوض أوراق القوة التى كان يمتلكها ظريف فى الولايات المتحدة عبر علاقته المتينة بمراكز الضغط السياسى، المضطرة للتعامل بحذر مع الجهات الإيرانية التى ستتولى المفاوضات مع واشنطن التى نجحت فى احتواء التلاعب الإيرانى داخل أمريكا، فقرار واشنطن الانتقال إلى التعامل مع الطبيعة الأساسية للنظام ينقل جزءا من الأزمة إلى داخله ويفرض على التيار العقائدى الذى يستمد شرعيته الثورية من رفع شعار العداء للولايات المتحدة، خلع قفازاته الثورية، والتخلى عن كثير من ثوابته، مما قد يتسبب له فى إحراج أمام قواعده الراديكالية التى ستحمله مسئولية خياراته الدبلوماسية ونتائجها.
ظريف الذى وصفته واشنطن بـ«المدافع المأجور» انتهى دوره الوسيط؛ أم إنها نهاية مرحلة الوسطاء جميعا والانتقال إلى الدبلوماسية المباشرة، أو الفعل المباشر؟

الشرق الأوسط ــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved