الكويت التى لا نعرفها!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: السبت 8 أغسطس 2020 - 10:48 م بتوقيت القاهرة

مرت الأسبوع الماضى، الذكرى الثلاثون للغزو العراقى للكويت، والتى يحلو للبعض هنا فى مصر القول إننا «حررنا» هذه الدولة الخليجية، خصوصا كلما أصيبت العلاقات معها بنوع من التوتر أو التشنج أو الانفعال، نتيجة تصرفات وحوادث فردية متفرقة، لكن للأسف هذه المقولة خاطئة تماما.
لا داعى للصدمة أو الشعور بالمفاجأة.. فنحن بالفعل شاركنا فى تحالف عسكرى كبير يضم عشرات الدول بقيادة أمريكا، وتمكن هذا التحالف من استعادة الكويت وتحريرها من قبضة جنود صدام حسين، لكننا ــ حتى هذه اللحظة ــ لم نقتنع، بأن هناك تيارا فى الكويت لم يتحرر بعد من الكراهية التى وصلت إلى حد الكفر بفكرة العروبة، بعدما تعرضت بلاده للخيانة من الشقيق العربى، الذى كان يتشدق بشعارات قومية وعروبية، لكنه غافل الجميع واستباح أرضها وسيادتها، وبطش بنسائها وأطفالها ورجالها، وحولهم بين ليلة وضحاها إلى شعب لاجئ فى العديد من الدول ومن بينها مصر.
بعض أهل الكويت الذين نعرفهم الآن، ليسوا هم أنفسهم مثلما كانوا قبل الثانى من أغسطس 1990.. فقبل هذا التاريخ، كانت الكويت وأهلها سباقين فى دعم القضايا العربية، ووقفوا مع مصر فى حروبها المختلفة ضد إسرائيل، واهتمت بلادهم بنشر الثقافة العربية عبر مجلاتها وإصداراتها المختلفة التى تربى عليها أجيال، واحتضنت نشأة أول كيان فلسطينى موحد للكفاح ضد المحتل الصهيونى، وهو حركة فتح بزعامة الراحل ياسرعرفات ورفاقه من الثائرين القدامى.
هذه الفئة، لم تعد تكترث بروابط الأخوة، وتتعامل مع بعض الجنسيات العربية على أنهم أناس «درجة ثانية» خصوصا المغتربين المصريين، ويرون مثلما ترى بعض دول الخليج، أن«الصديق الأجنبى»، هو الخلاص والملاذ والحماية من أى طامع فى أرضهم وثرواتهم وخيراتهم، وأن هذا الأجنبى وحده هو القادر على الذود عن وجود دولتهم فى هذه المنطقة المضطربة، المملوءة بالمغامرين والمتاجرين بشعارات قومية ودينية.
هذه الفئة التى نراها الآن، هى الكويت التى لا نعرفها.. هى التى يُصفع فيها المصرى على وجهه.. هى التى يعتبر بعض أهلها المصريين خدما.. هى التى وضعتهم فى مخيمات بالصحراء كالجرذان الموبوءة قبل ترحيلهم إلى وطنهم.. هى التى أوقفت رحلات الطيران التجارى مع مصر بحجج واهية.. هى التى تصدر سفارتها بالقاهرة بيانا ينطوى على لغة تهديد، لمحاسبة هذا الفتى الساذج الذى صنع فيديو يتضمن الدعوة لحرق علم دولة الكويت مقابل دولارات، لإثبات رفض المصريين لإهانة الكويت وأهلها.
كثيرون يرون أن مصر يجب عليها الرد بحدة على مثل هذه التصرفات غيرالمبررة، واتخاذ إجراءات رادعة لوقف تلك الإهانات المتكررة ضد مواطنيها بالكويت. مصر لا تتعامل مع الأشقاء وغيرهم بمنطق أردوغان.. فمن قال إن مصر تشبه ذلك العثمانى الطامع فى ثروات وخيرات العرب والدخيل على هذه الأمة؟ من قال إن مصر عليها «صفع» شقيقها الأصغر كلما أخطأ؟.. هذا ليس من شيم مصر ولا من إرثها الحضارى، وأيضا ليس من طبعها كشقيقة كبرى للعرب.. فقدر مصر الصبر على الأشقاء حتى وإن أخطأوا، خصوصا لأنها تدرك جيدا معاناة الكويت من أزمة قلق وجودى منذ الغزو الصدامى، وأن الطريقة الوحيدة للتعامل مع تداعيات ذلك، هى إقناعها بأن العروبة «قدر» لا تستطيع الفكاك منه.
نعم.. ساهمت مصر فى استعادة الكويت الجسد عام 1991، لكن بعض أهل الكويت لم تتحرر روحهم بعد، وعلينا جميعا مساعدتهم وإفهامهم بأن خطأ شقيق لا يعنى أن الأشقاء الآخرين طامعون فى ثرواتهم.. فالثروات زائلة مهما تدفقت من باطن الأرض، والحماية المدفوعة مسبقا مصيرها إلى زوال.. وسيبقى فقط التاريخ والجغرافيا ووحدة المصير!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved