ضرورة التخلى عن الدور العسكرى لأمريكا فى إفريقيا

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الأحد 8 أغسطس 2021 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Foreign Policy in Focus مقالا للكاتبة إليزابيث شيمدت والكاتب ويليام مينتر، تناولا فيه إقرار مجلس النواب الأمريكى فى يونيو الماضى مشروع قانون يبدو نظريا أنه جيد، لكنه عمليا لا ينهى نهج واشنطن العسكرى الفاشل فى مكافحة الإرهاب فى إفريقيا كما أنه لا يعالج جذور التطرف... نعرض منه ما يلى:

السياسات الأمريكية الحالية فى إفريقيا جاءت بنتائج عكسية، وهناك حاجة ماسة لسياسة أمريكية جديدة ليست فى القارة السمراء فحسب ولكن فى أماكن أخرى أيضا. فى الشهر الماضى، أقر مجلس النواب الأمريكى مشروع قانون «برنامج شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء لعام 2021»، نال مشروع القانون دعما قويا من الحزبين الديمقراطى والجمهورى. وعلى الرغم من أن المقترحات الواردة فى مشروع القانون مرحب بها، إلا أن هناك العديد من النقاط المثيرة للشكوك.
بداية، اعترف الحزبان فى 29 يونيو الماضى، أثناء جلسة تمرير مشروع القانون، بفشل السياسات الأمريكية فى مكافحة الإرهاب فى شمال وغرب إفريقيا. وبموجب مشروع القانون سيتم تأسيس برنامج جديد مشترك بين الوكالات الحكومية الأمريكية بهدف تعزيز قدرات البلدان الإفريقية على مواجهة التهديدات الإرهابية فى المغرب العربى والساحل الغربى.
يقدم مشروع القانون استراتيجية جديدة تقوم على إحداث توازن بين الأنشطة الأمنية والجهود الدبلوماسية والإنمائية لمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحوكمة والتنمية التى تساهم فى زيادة الإرهاب والتطرف العنيف.
لكن علامات الشكوك واضحة فى مشروع القانون؛ حيث تم تمرير مشروع القانون دون مراجعة للسياسة أو مناقشة أو معارضة كبيرة وهو أمر نادر فى الكونجرس الحالى. كذلك لم يتم ذكر عدم الاستقرار الناجم عن الأوبئة العالمية والتغير المناخى، والتدفقات المالية غير المشروعة التى تستنزف ثروات إفريقيا. ولم تتم مناقشة ميزانية مشروع القانون. باختصار، الطريقة الشكلية التى تمت بها الموافقة على مشروع القانون بجانب الجمود البيروقراطى يشيران إلى التشدق باستراتيجية جديدة، وفى نفس الوقت التمسك بالفشل الذى لطالما هيمن على السياسات العسكرية الأمريكية.
من نقطة أخرى، هناك جانب مضىء فى مشروع القانون. فهو لا يجمع كل المتطرفين العنيفين فى فئة واحدة تتبنى تفسيرا عنيفا ومسيئا للإسلام. بعبارة أخرى، بدلا من إلقاء اللوم على المعتقدات الدينية، يقر بأن سوء الإدارة، والتهميش السياسى والاقتصادى، وغياب المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن هى دوافع التطرف.
***
على كل حال، يؤسس مشروع القانون الحالى لشراكة عسكرية عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب. يضم مشروع الشراكة 12 دولة لتعزيز قدرات مكافحة الإرهاب الإقليمية وإحباط انتشار الأيديولوجيات المتطرفة. تتضمن هذه الشراكة أيضا مكونا مدنيا يتمثل فى برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التى تعزز التعليم والحكم الرشيد، وبرامج وزارة الخارجية التى تعزز أمن المطارات، ومساعدة وزارة الخزانة للحد من غسيل الأموال، ومساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالى لتعقب العملاء غير الشرعيين.
من الناحية النظرية، يبدو أن اللاعب الرئيسى هو وزير الخارجية الأمريكى الذى بالتشاور مع وزير الدفاع ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يجب أن يؤسس برنامج شراكة لتنسيق جميع البرامج والمشاريع والأنشطة المعنية.
لكن فى الماضى منذ تأسيس برنامج الشراكة هذا، كان التركيز الأساسى على الجيش فى توفير المعدات العسكرية، والدعم اللوجستى، والتدريب على مراقبة الحدود، بالإضافة إلى استخدام قوات العمليات الخاصة الأمريكية لتدريب الشركاء الأفارقة على تقنيات مكافحة الإرهاب والقتال. علاوة على ذلك، خضع برنامج الشراكة لسلطة القيادة الأمريكية فى إفريقيا (أفريكوم)، وهى قيادة عسكرية تشرف على أنشطة الجيش والقوات الجوية والبحرية الأمريكية فى إفريقيا.
كما قلصت وزارة الدفاع وقطاع الأمن ميزانية برنامج الشراكة فيما تعلق بالتوجه المدنى الذى ترعاه وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. تاريخيا، كان عدم التوازن بين البرامج العسكرية والمدنية واضحا. حيث تم توجيه الأموال بشكل كبير لوزارات الداخلية والشرطة وقوات أمن الحدود التى غالبا ما تسىء إلى المدنيين. وفى العام الماضى، على سبيل المثال، تم تخصيص 95 فى المائة من ميزانية مكتب مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية لبرامج إنفاذ القانون. ولم يتبق سوى 5 فى المائة من الميزانية لمشاريع مدنية. وبالنسبة إلى مشروع القانون الجديد الذى نحن بصدده، هناك القليل من المؤشرات على أن الكونجرس الحالى لديه الإرادة والنفوذ للوقوف فى وجه البنتاجون وسياساته.
باختصار، إن غياب الإرادة السياسية لإعادة توزيع الموارد من البرامج العسكرية إلى البرامج المدنية ليس هو المشكلة الوحيدة. فعلى الرغم من أن مشروع القانون الحالى يدعو إلى تحسين الشفافية والمساءلة الحكومية، وتدابير مكافحة الفساد، وتقديم الخدمات الأساسية من أجل تعزيز شرعية الدولة وسلطتها، إلا أنه لا يوفر سوى القليل من الأفكار حول كيفية قيام الولايات المتحدة بتحويل هذه الأهداف إلى حقيقة واقعة.
***
تحديد دوافع التطرف فى مشروع القانون ليس بجديد. فعلى الرغم من إدراج مكافحة هذه الدوافع فى برامج المساعدات الخارجية الأمريكية لسنوات عديدة، إلا أن الفشل فى إنفاذها والميل إلى غض الطرف عن انتهاكات الحكومات الأفريقية قد قوض مصداقية السياسة الأمريكية. ومشروع القانون الحالى يحتوى على ذكر ضئيل للانتهاكات الحكومية والعسكرية ضد السكان المدنيين مما دفع الكثير منهم إلى دعم المنظمات المتطرفة. كما أنه لا يشير إلى تواطؤ المسئولين الحكوميين والعسكريين مع شبكات التطرف العنيف والتهريب، والحقيقة أن الكثيرين يستفيدون من استمرار الصراع، وغياب القانون، وضعف الحكم.
السياسة الأمريكية السابقة لا تبشر بالخير بالنسبة للمستقبل. فعندما اشتد العنف المتطرف، تم تنحية الأهداف السامية جانبا، وزادت الولايات المتحدة الإنفاق العسكرى وقللت من الاهتمام بفساد شركائها وانتهاكاتهم وانعدام المساءلة. كما أن رأى الخبراء حول العنف فى منطقة الساحل موحد ويؤكد أن استمرار التصعيد العسكرى دون تحول سياسى واقتصادى واجتماعى عميق لن يكون غير فعال فحسب، بل سيؤدى أيضا إلى نتائج عكسية.
***
فى الختام، ما الذى يثبت هذه المرة أن الولايات المتحدة جادة؟ بعد مرور نصف عام على انعقاد الكونجرس وتنصيب الإدارة الرئاسية الأمريكية الجديدة، لم يعد الحكم على مستقبل السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا مكتملا بعد. صحيح أقر مجلس النواب مشروع قانون لمكافحة الإرهاب بمظهر جديد حظى بدعم كبير من الحزبين، وهو مشروع قوى فى الخطابة وملىء بالشعارات والمشاعر. لكن هل سينجح؟ يبقى أن نرى ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعيد بناء سياسة إفريقية بشكل أفضل وفعال أم ستضاعف من سياساتها الفاشلة التى اتبعتها فى الماضى.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved