الصلف الإثيوبى

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 8 أغسطس 2022 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

سألتنى مراسلة إحدى القنوات الفضائية الأجنبية قبل أيام عن التململ المصرى من التصرفات الإثيوبية، وهل يمكن أن يخرج الأمر عن نطاق السيطرة ويذهب بعيدا عن الحرص المصرى على اتباع النهج التفاوضى حتى الآن؟.. السؤال جاء على خلفية رسالة بعثت بها إثيوبيا، قبل أسبوع، إلى مجلس الأمن الدولى فى أعقاب خطاب وجهته الخارجية المصرية للأمم المتحدة ترفض فيه استمرار إثيوبيا فى ملء سد النهضة بشكل أحادى دون اتفاق مع مصر والسودان حول عمليات الملء والتشغيل.
الخطاب الذى وجهه السيد سامح شكرى، وزير الخارجية، إلى مجلس الأمن قبل انتهاء شهر يوليو الماضى، وتزامن مع استمرار إثيوبيا فى عملية الملء الثالث للسد، أعاد التأكيد على أن التصرف الإثيوبى «يُعد مخالفة صريحة لاتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015 وانتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولى واجبة التطبيق، والتى تلزم إثيوبيا، بوصفها دولة المنبع، بعدم الإضرار بحقوق دول المصب».
وفى الخطاب ذاته أكد وزير الخارجية تمسك مصر «بضرورة التوصل لاتفاق حول سد النهضة يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، إلا أن الدولة المصرية لن تتهاون مع أى مساس بحقوقها أو أمنها المائى أو أى تهديد لمقدرات الشعب المصرى الذى يمثل نهر النيل شريان الحياة الأوحد له».
وعقب الخطاب المصرى قدم سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة، تاى أتسكى سيلاسى أمدى، نص خطاب إلى مجلس الأمن، زعم الجانب الإثيوبى أنه نسخة من رسالة وجهها كبير المفاوضين الإثيوبيين بشأن سد النهضة الإثيوبى، سيشلى بيكيلى، إلى كل من وزير الرى، الدكتور محمد عبدالعاطى، ووزير الرى السودانى المكلف، ضو البيت عبدالرحمن، والرئيس السنغالى، ماكى سال بصفته الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، ومفوض السلم والأمن الإفريقى، بانكول أديوى، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى، موسى فقيه.
خطاب كبير المفاوضين الإثيوبيين، فى تقديرى يبعث برسالة مفادها «افعلوا ما يحلو لكم، ولن يمنعنا أحد مما نقوم به». وفضلا عن تلبس واضع الخطاب حالة من الصلف والغرور، احتوى النص على عبارات مليئة بالتحدى والإصرار على الخطوات أحادية الجانب من نوعية أن «إعلان المبادئ لا ينص ولا يمكن أن يعمل كأداة لإخضاع أى جانب من جوانب استخدام المياه فى إثيوبيا ــ بما فى ذلك ملء السد ــ لأى اتفاق أو موافقة».
وذهب بيكيلى إلى «أن مسألة بناء وملء السد عمليتان متزامنتان كما هو منصوص عليه بوضوح فى إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان»، زاعما أن أى طرح عكس ذلك «مجرد محاولة لتحدى إعلان المبادئ ويتعارض مع تصميم وهندسة السد»!!
رسالة بيكيلى مليئة بالمزاعم التى تلقى باللوم على مصر، وتتهمها بعدم التعاون واتخاذها «نهجا هداما»، وإلى غيرها من المزاعم الإثيوبية المعادة والمكررة التى نشر تفاصيلها «موقع الشروق» فى 4 أغسطس الحالى ويمكن الرجوع إليها.
وبعودة إلى السؤال عن موقف الشارع المصرى مما يحدث، نقول إننا جميعا نتابع يوما بيوم ما يدور على الجانب الإثيوبى، ولا ينكر أحد مدى القلق الذى نشعر به، وهو أمر مشروع وطبيعى باعتبار نهر النيل واهب الحياة لجميع المصريين، وأى مساس بنقطة مياه واحدة من حصتنا تعنى هلاكا للزرع والنسل على أرض وادى النيل، وهو ما لن نسمح به حكومة وشعبا.
لا أحد يسعى إلى التصعيد فى ملف سد النهضة، غير أن التصرفات الإثيوبية، تحتاج فى نظر الشارع المصرى موقفا أكثر خشونة، وأشد حزما، وألا تكتفى مصر بالشكوى لمجلس الأمن الذى لم يقدم شيئا ملموسا يجبر أديس أبابا على وقف تصرفاتها أحادية الجانب، وأن تنخرط فى مفاوضات جادة مع مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، بعيدا عن لعبة إضاعة الوقت، ونهج المراوغة والتسويف، لأن عواقبهما ستكون وبيلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved