ما بين قط حمص وطيور الخليج

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 8 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كانت تسبح فى النيل بمحافظة قنا... وشبيهاتها غطاها البترول والمازوت، فسبغاها بلون أسود كالح، قبل سنوات، فى الخليج العربى، الذى يقال له أيضا الخليج الفارسى... واختلاف التسمية يحمل قطعا ما يحمله من دلالات تاريخية ارتبطت بالصراع السنى الشيعى والجغرافيا السياسية للمنطقة، لأن حصة إيران من سواحله حوالى الثلث، فى حين يسكن العرب معظم ضفافه سواء الغربية أو الجنوبية، وفى الشمال توجد العراق... رغم أن الموقع على الخريطة مهم للغاية فى تفسير ما يحدث حاليا وما سيحدث، لكن المسألة التى أود الإشارة إليها هنا هى ثلاث صور لطيور وحيوان أليف طالعتنا على مراحل عبر وسائل الإعلام لتشكل معالم الطريق العربى إلى حد كبير. الصورة الأخيرة هى لطائر مجهول ضبط فى جنوب مصر، ومثبت عليه جهاز «غامض» كالذى يستخدم عادة فى تتبع الطيور المهاجرة لدراسة أحوالها، وقد تم الاشتباه فيه والتحفظ عليه، فيما يعرف بقضية «البطة الجاسوسة» التى أثارت عاصفة من السخرية على الانترنت، فقد اتضح أنه برىء من التهمة الموجهة إليه وأننا غير قادرين على التمييز بين فرخ البط واللقلق، وتم اطلاق سراح الطائر من جهاز حماية البيئة ليستكمل مسيرته إلى جنوب أفريقيا، بعد التأكد من سلامته... توالت التعليقات حول أن البطة نظام حكم وليست مجرد خبر عابر، وأنها طائر النهضة لكن يعمل متخفيا، فى إشارات لجنون الارتياب الذى وصلنا إليه ومستوى الأداء العام لأجهزتنا المختلفة. هذا هو ملخص حالنا، تشكك وتخبط وجهل والله أعلم.

●●●

أما الصورة الثانية فهى لتلك الطيور، وغالبا كان من بينها بط أيضا، التى عانت فى صمت إبان حرب الخليج الثانية، من جراء التسرب النفطى الذى بدأ فى النصف الثانى من يناير 1991، عندما قام الجيش العراقى بعد الغزو بسكب النفط الكويتى فى الخليج بمعدل 6000 برميل فى اليوم (950 ألف متر مكعب)، ما شكل بقعة نفطية غطت معظم سواحل الكويت و المملكة العربية السعودية و البحرين و قطر، و تسبب فى تلوث 560 كم من شواطئ الخليج. استمرت النيران حتى نوفمبر من العام نفسه و استعانت دول المنطقة ببيوت الخبرة الأجنبية للتخلص من الآثار البيئية للحريق، ولكن لا زالنا نعانى من تداعياته السياسية... صورة الطيور والنفط يتخلل ريشها وقد ضعفت قدرتها على الطيران، كما بثتها قناة «السى إن إن» والتى تزعمت المشهد بقوة خلال هذه الفترة، ستظل محفورة فى ذاكرة المنطقة بأسرها، وهى تستدعى فورا ثالوث (العراق ــ البترول ــ الحرب)، وتستدعى أيضا كل ما قيل ويقال عن الضربات العسكرية المحدودة التى تذاع على الهواء مباشرة، بمشاركة عربية... تستدعى خفوت الدور الإقليمى المصرى منذ ذلك الحين، مقابل اتفاق على جدولة الديون وخلافه... وتستدعى كلمات قالها بن لادن للملك فهد فى مقابلة خاصة: لا داعى للاستعانة بالقوات الأمريكية للتصدى إلى صدام حسين، والسماح لهم بالتمركز فى السعودية، لسنا بحاجة إليهم، فلدينا 30 ألف مجاهد مسلحين ومحتشدين، بإمكانهم طرد العراقيين!، كما ذكر طارق على فى كتابه «بوش فى بابل، إعادة استعمار العراق». تستدعى أيضا عبارات السيناتور جون كيرى وقتها حول «شرعية» غزو الولايات المتحدة للعراق فى حال عدم تراجع صدام حسين وإصراره على عدم احترام قرار الأمم المتحدة، ما يمثل تهديدا للمجتمع الدولى، مضيفا أن التدخل الأمريكى يظل فى إطار القانون الدولى، سواء وافق مجلس الأمن أم لم يوافق. ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشد حاجتنا لأحداث لا تكرر نفسها و لو على سبيل التغيير.

●●●

الصورة الثالثة، من الطبيعى أن تأتى من سوريا... قط صغير من حمص، انتشر على صفحات الانترنت العام الماضى، تحديدا فى شهر أغسطس. أصبح خلال أيام قليلة أشهر قط فى المنطقة بعد إصابته بطلقات رصاص فى حى باب التركمان، وهو هارب مذعور، ثم تناقلت المواقع الإلكترونية صوره بعد أن قام الثوار وجمعيات رعاية الحيوان بتضميد جراحه... نجا قط حمص، ولم ينج الشعب، إذ استمرت المذابح فى جميع أنحاء البلاد ودمرت تدميرا، وأصبح هناك سبعة ملايين نازح سورى بسبب الحرب الأهلية، وفقا لممثل الأمم المتحدة لشئون اللاجئين. أكثر من مئة جمعية لحقوق الحيوان بادرت بعد نشر الصور بالاتصال بالمواطن الحمصى الذى وضعها على الانترنت أول مرة.. استيقظت الضمائر النائمة... واستمرت المنطقة عبث، فى عبث.. فى عبث.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved