فرنسا ماكرون: هل من سياسة خارجية ناشطة؟

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الجمعة 8 سبتمبر 2017 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

لأن السياسة الخارجية تبقى من المجالات المخصصة لرئيس الجمهورية ولو اختلف المراقبون حول حجم دور الرئيس فى الجمهورية الخامسة، فإن الأفكار والمقترحات ولو صنفت بشكل عام، التى حملتها تصريحات الرئيس ماكرون وخطابه أمام سفراء فرنسا، وهو تقليد سنوى لرئيس الجمهورية، تحمل توجها واضحا لسياسة خارجية ناشطة. سياسة تجاه قضايا ومجالات جغرافية سياسية شكلت دائما أولوية حيوية للسياسة الفرنسية، ولو أن السياسة الفرنسية لم توظف إمكانات فرنسا وقدراتها للتعامل بشكل ناشط أو جديد أو متجدد عندما يستدعى الأمر مع جغرافيا الأزمات المحيطة بفرنسا من أوروبا إلى إفريقيا إلى الشرق الأوسط.

المرشح «ماكرون» كان واضحا فى مقابلته مع عدد من الصحف فى 21 يونيو الماضى عندما أصر على العودة إلى ما يعرف بالتقليد الديغولى الميترانى فى السياسة الخارجية (نسبة إلى الرئيسين شارل ديغول وفرنسوا ميتران) السياسة التى تقوم على الصداقة وليس التبعية للولايات المتحدة مقارنة مع عشر سنوات كما ذكر فى سياسة استوردت من الخارج، والمقصود الولايات المتحدة، سياسة المحافظين الجدد.

هنالك وعد بإنهاء تلك القطيعة مع «السياسة الاستقلالية» التى أشار إليها. القطيعة التى بدأت فى عهد ساركوزى واستمرت ولو بشكل هادئ أو غير معارض فى عهد هولاند.

***

إعادة تحديد الأولويات فى العمل الخارجى فى المجالات الحيوية لفرنسا وبلورة سياسة خارجية ناشطة تقوم على طرح أفكار ومبادرات وصيغ تعاون جديدة وانخراط ديناميكى لدعم تنفيذ هذه الأولويات التى فى طليعتها محاربة الإرهاب الإسلاموى، مع التنبيه على الخلط بين الإسلاموى والإسلامى لتلافى مخاطر التعميم والاختزال التى تفيد التطرف على أنواعه والانضمام إلى السياق الواقعى الجديد الذى انطلق فى الغرب وقوامه أن التخلص من الرئيس السورى لم يعد أولوية، وبالتالى القبول بدور له فى العملية الانتقالية والتأكيد على أهمية بلورة مقاربة شاملة لتجفيف منابع الإرهاب من العراق مرورا بسوريا إلى منطقة الساحل الإفريقى.

من المثير للاهتمام أيضا التحذير الذى أطلقه ماكرون من مخاطر استمرار الاستقطاب والمواجهة فى الشرق الأوسط والتأكيد على ضرورة الانخراط لاحتواء حدة المواجهة وبلورة علاقات مستقرة بين القوى الإقليمية، وفى السياق ذاته توجيه رسالة واضحة إلى الرئيس الأمريكى حول أن الاتفاق النووى مع إيران لا بديل له. خلاصة الأمر أن أولوية محاربة الإرهاب تستدعى مقاربة استراتيجية تقوم على تلافى المواجهات المباشرة وبالواسطة بين القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط والدفع باتجاه بلورة تفاهمات فيما بينها.

عنوان آخر حمله خطاب الرئيس مفاده التأكيد على الرابط الدقيق بين التنمية والاستقرار والأمن فى إفريقيا لكافة الأطراف المعنية الإفريقية والغريبة وغيرها، مع التأكيد على خصوصية العلاقات مع المغرب العربى وفى الإطار المتوسطى.

ماكرون أيضا يعود للتركيز على أهمية إنعاش دور القاطرة الثنائية الفرنسية الألمانية فى عملية البناء أو تحديدا إعادة البناء الأوروبى؛ فالمشروع الأوروبى بقدر ما هنالك التزام به بقدر ما هنالك الحاجة إلى تجديده وتوفير رؤية جديدة له تطمئن المواطن وتكون أوروبا كسياج لأبنائها دولا ومواطنين.

الرئيس الفرنسى أيضا ركز على أهمية الدبلوماسية المتعددة الأطراف سواء عبر الأمم المتحدة أو عبر بلورة اتفاقيات دولية لنشاطات لمواجهة التحديات العالمية المشتركة.

***

وفى الشرق الأوسط من جديد، يعيد ماكرون التأكيد على أهمية إحياء عملية التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، مؤكدا على مرجعية وهدف حل الدولتين التى تقومان جنبا إلى جنب فى زمن تراجع هذا الهدف وإضعافه، كما يظهر مع إرهاصات السياسة الأمريكية فى هذا المجال.

وتقدم السياسة الفرنسية مقترحا عمليا وواقعيا وشاملا كشرط ضرورى لإطلاق علبة تسوية الأزمة السورية، قوام هذا المقترح تشكيل مجموعة اتصال تضم القوى الدولية والإقليمية المعنية والمؤثرة فى المسألة السورية كمدخل وإطار للتوصل لتفاهمات بين هذه القوى المتنازعة فى سوريا وحول سوريا ومقاربة تعبر فى تقديرى عن قراءة جد واقعية لمعالجة الأزمة المأساوية فى سوريا.

ويولى الرئيس الفرنسى لبنان أهمية خاصة من خلال الدعوة إلى ثلاثة مؤتمرات لمعالجة مختلف أوجه الوضع اللبنانى وتقديم الدعم للبنان للتعامل بنجاح مع التحديات التى يواجهها أولى هذه المؤتمرات بالمشاركة مع إيطاليا لتوطيد الدعم للمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية وكانت إيطاليا قد عقدت المؤتمر الأول فى هذا الخصوص، وثانى هذه المؤتمرات لجمع المستثمرين لتوفير الدعم الإنمائى والاقتصادى للبنان، وثالثها مؤتمر يعالج مشكلة النازحين السوريين مع ما تشكله هذه المسألة فيما لو استمرت من نتائج خطيرة على لبنان.
أفكار ومقترحات عديدة وفى اتجاهات متعددة تحملها خطابات وتصريحات الرئيس الفرنسى. يبقى التحدى بالطبع قدرة السياسة الخارجية الفرنسية على توظيف الإمكانات الوطنية الفرنسية وشبكة العلاقات الدولية لفرنسا فى خدمة هذه الأهداف التى هى فى نهاية الأمر تخدم قضايا الأمن والسلام والاستقرار على الصعيديْن الإقليمى والدولى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved