الى اختشوا ماتوا

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 8 سبتمبر 2019 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

إن كان من الضرورى أن يكون لكل مرحلة شعار ولكل زمن رجال، فعلينا أن نتفق أو أن نعتمد شعارنا لهذه المرحلة «الى اختشوا ماتوا». كانت جملة تتردد كثيرا ربما من قبل الأصدقاء المصريين أو حتى فى أفلام الأبيض والأسود. وحتى عندما كان أحد يستخدمها للتعبير عن موقف، كانت هى مجرد عبارة لا تعكس واقعا عاما يشمل كل سكان تلك المنطقة التى لا تعرف اليوم إلا بالمنطقة المنكوبة.. وهو تعبير فى الحقيقة مخفف لوصف واقع لا يحمل أى بريق نور بل كثيرا من العتمة..
***
ولكن بالضرورة أن يتزاوج شعار المرحلة هذا مع مثل آخر وهو «إذا بليتم فاستتروا»، وربما يكون مطلوبا أن يعمم هذا المثل على كثير من المسئولين والمعنيين وحتى الفنانيين والمثقفين وأشباههم والصحفيين ومغتصبى المهنة وآخرين كثر كثر، فالانحدار فى أى مجتمع أو مجتمعات فى الكثير من الأحيان يتحول إلى وباء معدٍ يصاب به كل البشر ولا ينجو منه إلا الأقلية التى تبدأ وتنهى أيامها مع التذكير بالواقع كما هو حتى لا تسقط فى مستنقع فقدان الحياء وبذلك وكما ورد فى الحديث الشريف «إذا لم تستح، فأصنع ما شئت».
***
لم تكن الأمثال مجرد «قفشات» سينمائية أو فلكلورية بل هى تعبير صادق عن حكمة تحلى بها السابقون رجال ونساء فيما فقدنا الحكمة اليوم وأصبح الكثيرون لا يملكون سوى تكهنات وتحليلات سطحية معتمدة فى مجملها على فوضى وسائل التواصل المنتشرة والتى حلت محل التحليلات الرصينه والمتعمقة والمبنية على المعلومة البحثية وليست المعلومة الفيس بوكية.. يتبجح البعض بجهلهم أو قلة معرفتهم ويرددون «لم نعد بحاجة لقراءة الكتب ولا الاستماع للباحثين أو المحللين «المملين».. فقط جملة على تويتر أو حتى عشر دقائق من أحد مشاهير وسائل التواصل الذين لهم متابعوهم أو «مريدوهم» كافية!!!».. هؤلاء المشاهير لهم من يقوم بالدعاية غير المدفوعة ويتصور الكثيرون أن معلوماتهم صحيحة فيقومون بوضع «لايك» ثم متابعة أو إرسال دعوة لصديق لزيادة أعداد المتابعين لشخص أقل ما يقال فيه أو عنه/ عنها أنهم مصابون بشىء من المس وأن كل معلوماتهم هى مجرد إشاعات أو من نسج خيالهم الضحل.. الأمر الذى يدفع للتساؤل عن أى درجة من الضحالة وصلنا؟؟
***
إذا ابتليتم هى فى الأصل إذا ابتليتم بالمعاصى فعليكم أن تستتروا بستر الله ولا تفضحوا أنفسكم، وفيما نرددها بسهولة أو خفة إلا أنها عميقة فى حياة كثر فيها مرتكبى الأخطاء والعيوب الذين، رغم ذلك، لا يستحون ولا يستترون.. انظر لموظف/ موظفة نسبة انتاجهم اليومية لا تزيد عن خمس دقائق ولا يستحون من التشدق بذلك أو حتى يرتشون.. ويفعلون ذلك على الملأ دون خجل لأن الذين اختشوا فعلا ماتوا واحترقوا فى تلك الحادثة الشهيرة فى العام 1889 فى ذلك الحمام الشعبى للسيدات.. وغير المختشين يزداد عددهم بشكل يومى حتى أصبح العموم والسائد هو أولئك الذين كشفوا عوراتهم للجميع وافتضحوا.. إلا أن كل ذلك لم يعد يهم عندما يسود العيب والتوحش وقلة الحياء..
***
حتى فى العمل إذا كان بعضهم قليلوا الفهم والمعرفة فى مجالات عملهم، لا يتوقفوا عن التبجح والتعالى وكأن العالم قد أصيب بفقدان للذاكرة الجماعية أو بالغباء ما يجعلهم يتصورون أن المستمع على درجة من الغباء ليصدق خرافاتهم وتحليلاتهم واستعراضاتهم المعرفية.. ولكن أكثر ما هو ملفت فى هذه الأيام هو أن من لم يختشوا تمادوا فى قلة الحياء... كان أهلنا يرددون «جليل حيا» وكان هذا الوصف كافيا لعزل الشخص فى «الفريج» أو الحى أو كل المجتمع.. أما اليوم فقليلو الحياء يتصدرون صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعى ويتقدمون المدعوين لكل الحفلات والمناسبات.. بل وصل ببعضهم من قلة حيائه أن يطلق لقب ودرجات علمية غير حقيقية ويستغلها للحصول على المناصب. وآخرون تمادوا فى تصريحاتهم التى تمس عمق الإنسان فى منطقتنا اليوم وراحوا يمارسون ذاك التعالى على مشاعر العامة من الناس التى تعرف أصدقائها وأعدائها معرفة حقيقية ولا يستطيع أحد أن يمحو كل تلك المجازر والدماء والقتل لنعلن اليوم الصفح نيابة عن كل البشر.. بعضهم إما لم يعد يختشى أم ربما متصور أن باستطاعته «استعباط» كل الناس أو الكذب عليهم أو خداعهم.
***
ربما علينا أن نعيد التذكير بأمثالنا تلك التى هى جزء من تراثنا وثقافتنا العريقة التى لن يستطع أحد أن يسرقها منا أو يغيرها لتتماشى مع أهوائهم أو مصالحهم الضيقة قصيرة المدى كما رؤيتهم.. ضحلة كثقافة لم يكتسبوها رغم كل الجامعات التى تعلموا فيها ولم يستفيدوا من تجارب السابقين وكثير من الأمم..
هم لا اختشوا ولا تستروا!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved