دولارات البشير وريالاته!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 8 سبتمبر 2019 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

ما هى الرسالة التى ستصل إلى عموم الشعب السودانى، حينما يعلمون أن رئيسهم السابق عمر البشير الذى أسقطوه بثورة شعبية، كان يخزن ملايين الدولارات واليوروهات والريالات والدراهم فى خزائن داخل بيته، تحصل عليها من ملوك ورؤساء وأمراء عرب خلال فترة حكمه؟!
البشير الذى تم خلعه من الحكم فى ١١ إبريل الماضى، تتم محاكمته الآن بتهم متنوعة من بينها «الإثراء الحرام والفساد واستغلال النفوذ». وخلال المحاكمة تبين أنه حصل على الملايين من العملات الأجنبية المختلفة من كبار المسئولين العرب، خلال فترة حكمه.
وعلى عهدة أحد المحققين فى القضية فإن البشير أقر خلال المحاكمة، بأنه تلقى ٩٠ مليون دولار من كبار المسئولين فى بعض دول الخليج، بعضها كان فى ظرف مغلق.
وحسب ما قاله العميد شرطة أحمد على فى بدء محاكمة البشير يوم ١٩ أغسطس الماضى، فإنه أقر بأن موفدين من بعض قادة الخليج سلموها للبشير على دفعات.
طبعا العديد من الأسئلة تواردت إلى عقول وأذهان الكثيرين خصوصا من أبناء الشعب السودانى، حينما شاهدوا رزم العملات الأجنبية فى بيت البشير بعد خلعه واعتقاله، منها ٧ ملايين يورو، والجنيه السودانى، إضافة إلى دولارات دول الخليج.
أهم هذه الأسئلة هى كيف يستقيم الحديث عن هذه الأموال الضخمة وأحوال الشعب السودانى الذى «عانى الأمرين» فى ظل رئاسة البشير الذى كان يقول إنه يحكم بما لا يخالف شرع الله!!
الأموال الضخمة فى منزل البشير لم تكن مفاجأة لأى شخص يدرك أحوال وطبائع الاستبداد وتفشى الفساد فى أى مكان بالعالم.
البشير لم يكن استثناء، لكن فقط الخلاف فى الدرجة والمكان والزمان وبعض التفاصيل.
المنطقى والبديهى أن تساعد بعض الدول دولا أخرى لتحقيق مصالحها العليا. ليس هذا عيبا لكن العيب هو ألا تذهب هذه الأموال إلى خزانة الدولة مباشرة وبصورة رسمية وواضحة ويفضل أن تكون معلنة، أو إذا كانت هناك أمور تجعلها فى طى الكتمان فالأفضل أن تكون أجهزة الدولة والحكومة على علم بها ومثبتة فى أوراق رسمية. أما أن تذهب إلى بيت الحاكم وجيوبه، فلا يمكن فهم ذلك إلا باعتباره رشاوى، تضع صاحبها فى منزلة العميل.
يقول محامى البشير «لدينا وثائق تبرئ المعزول من التهم وأن كل أمواله صرفت فى مصلحة الشعب السودانى».
سنفترض أن كلام المحامى صحيح وبالتالى فالسؤال هو: لماذا لم يضعها فى خزينة الدولة، ولماذا لا أحد من حكومته أو «بيت مال المسلمين» لم يكن على علم بها وأين الوثائق الرسمية الصحيحة التى تثبت صحة كلامه؟!
تهم البشير متنوعة منها تقسيم البلاد وارتكاب جرائم حرب وإفقار السودان لكن تظل مهمة الفساد فى غاية الأهمية فى ظل الظروف الصعبة التى مر بها الأشقاء فى السودان طوال السنوات الثلاثين التى حكم فيها البشير خصوصا سنواته الأخيرة.
يمكن للشعوب أن تغفر أخطاء وخطايا كثيرة لحكامها، لكنها لا تغفر تهم الفساد وسرقة المال العام واستغلال النفوذ، خصوصا إذا كانت هى تعانى من ظروف اقتصادية صعبة.
لا أعرف كيف يرى أنصار البشير هذه التهمة؟! هم يمكنهم الدفاع عنه فى تهم كثيرة، لكن فى هذه التهم فإنه يصعب الدفاع عنه بالمرة، خصوصا أن غالبيتهم من أنصار تيار الإسلام السياسى!
كيف يمكن لهؤلاء الأنصار أن يستمروا مخدوعين بأن هذا الحاكم كان يحكم باسم الإسلام ولخير هذا الدين؟!
هل أى حاكم يرفع بعض الشعارات الدينية نقدسه، ونتعامل معه، باعتباره مقدسا و«يقيم شرع الله؟!».
لمن نسى فإن البشير فى مسألة علاقاته بدول الخليج، لعب على كل الحبال. صادق قطر طويلا، وأكمل ذلك بعلاقات متميزة مع تركيا، فى ظل خلافاته مع مصر، ثم استدار ليقيم علاقات أوثق مع السعودية والإمارات، ثم حاول مع قطر مرة أخرى، ثم أرسل جنودا من بلاده إلى الخليج لدعم السعودية فى حرب اليمن.
الآن يمكننا فهم ذلك، وربطه ببعض الرزم والمبالغ المالية التى تم العثور عليها فى بيته.
الدرس المهم فى هذه القضية أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة مهما حسنت النوايا ومهما ارتفعت الشعارات البراقة التى تدغدغ قلوب وعقول البسطاء خصوصا حينما تتم باسم الدين.. والدين منها براء!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved