مأزق الحكومة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 8 أكتوبر 2012 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

تواجه الحكومة المصرية مأزقا يصعب الخروج منه بأمان فى ظل سياساتها الراهنة. ذلك أنها فى مواجهة الأزمة الاقتصادية الكبيرة التى تعانى منها لأسباب باتت معلومة للكافة، قد تكون مضطرة لاتخاذ إجراءات تحمل الناس بعض الأعباء وتزيد من معاناتهم، وبطبيعة الحال فإن ذلك لن يلقى ترحيبا من القواعد الشعبية، الأمر الذى يرجح له أن يؤثر سلبا على موقف حزب الحرية والعدالة فى الانتخابات التشريعية المقبلة. وهو ما يعنى أنها باتت مخيرة بين أمرين: فإما أن تصدر القرارات التى تفقدها الشعبية لكى تنجح فى تجاوز الأزمة الاقتصادية، وإما أن تؤجل اتخاذ تلك القرارات وتجمد الأزمة عند معدلاتها الراهنة أملا فى أن يمكنها ذلك من النجاح فى الانتخابات. كأننا بإزاء موقف يخير فيه الرئيس بين مصلحة الوطن فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية وبين مصلحة الجماعة فى الحفاظ على أغلبيتها النيابية.

 

إننا نقرأ بين الحين والآخر أخبارا تنشرها الصحف عن مقترحات لرفع الدعم عن بعض أصناف البنزين، وعن زيادة فى أسعار استهلاك المياه والكهرباء، وزيادة أخرى فى أسعار المكالمات الهاتفية. ورغم أن التصريحات الرسمية تحرص فى كل مرة على أن تؤكد على أن الزيادات المقترحة لن تمس محدودى الدخل، إلا أنه من المرجح أن أية زيادات سوف تشيع مناخا مؤديا لارتفاع الأسعار سيشكل ضغوطا على مختلف فئات الشعب. وفى الوقت الذى تلوح فيه الحكومة بتلك الزيادات فإن الشارع المصرى يحفل بالوقفات الاحتجاجية التى تطالب بزيادة الأجور، الأمر الذى يتعذر الاستجابة إليه وإرضاء الجميع فى ظل أية حسابات اقتصادية رشيدة. وفى هذه الحالة فإن زيادة الأسعار ستغضب قطاعات من الناس، وعدم الاستجابة للزيادة فى الأجور ستغضب قطاعات أخرى. وإذا أضفت إلى ذلك الغارات التى لا تتوقف عن شنها بعض القوى السياسية والمثقفين المناهضين ضد الحكومة، وحملات التشهير اليومية التى تبثها وسائل الإعلام المختلفة، فسوف يتأكد لديك أن مستقبل شعبية الرئيس والحكومة فى خطر محقق.

 

إذا حاولنا تحليل الأزمة وتفكيك عناصرها فسنجد أنها نشأت أساسا من عدم مصارحة الحكومة الجماهير بحقائق الوضع الاقتصادى من البداية، والإحجام عن مطالبة المجتمع بتحمل مسئوليته إزاءها. إضافة إلى تردد الحكومة وتراجعها المبكر فى التعامل مع إضرابات واحتجاجات الفئات المختلفة المطالبة بزيادة الأجور والتثبيت فى الوظائف. وهو ما أدى إلى تحميل الميزانية عجزا قدره 12 مليار جنيه فى موازنة السنة المالية الأخيرة.

 

لست ألوم الناس، فقد طالبوا بحقوقهم وسعوا إلى رفع الظلم الواقع عليهم. وأزعم أن صمت الحكومة وضعف موقفها أمام المتظاهرين رفع من سقف توقعات المطالبين بزيادة الأجور والتثبيت فى الوظائف. إذ لم تصلهم رسالة التنبيه إلى أن ثمة أزمة خانقة، وأن من شأن الاستجابة لمطالباتهم أن تتعقد الأزمة ويزداد الخناق ويستحكم.

 

فى وقت مبكر طالبت الرئيس محمد مرسى بأن يصدمنا ولا يجاملنا، وأكثر من مرة ذكَّرت الجميع بما قاله ونستون تشرشل حين كلف برئاسة الحكومة أثناء الحرب العالمية الثانية، فقال للإنجليز: أعدكم بالدم والدموع والعرق قبل أن يتحقق النصر المنشود. وبكلامه ذاك فإنه قطع الطرق على أحلام البعض وخفض من سقف توقعاتهم، وطالبهم بأن يضحوا وأن يسهموا بنصيبهم فى المواجهة، إذا ما أرادوا أن تنتصر بلادهم وتحتفظ بكرامتها وكبريائها.

 

أزعم أن الفرصة لاتزال قائمة للخروج من المأزق. وإذا كان الأمر صعبا فهو ليس مستحيلا. إذ نحن بصدد موقف يصدق فيه قول من قال بأنك إذا أتيت متأخرا أفضل من ألا تأتى أبدا. وأدرى أن الأمر محسوم من وجهة النظر الوطنية، حيث لا مجال للمفاضلة بين مصلحة الجماعة وبين مصلحة الوطن، باعتبار أن أولوية مصلحة الوطن ليست مطروحة للاجتهاد أو المناقشة. مع ذلك فإن التوفيق بين المصلحتين لايزال ممكنا، خصوصا أن الانتخابات يفترض أن تجرى بعد أربعة أشهر تقريبا، إذا تم الانتهاء من وضع الدستور خلال شهر نوفمبر المقبل. فإذا سارعت الحكومة إلى مكاشفة الرأى العام وإعطاء الجماهير صورة حقيقية للوضع الاقتصادى. وفى نفس الوقت قدمت تصورا لما ينبغى أن تفعله أو تتخذه من إجراءات لمعالجة ذلك الوضع، فى هذه الحالة يمكن أن تكسب ثقة الناس واحترامهم، الأمر الذى يسمح باعذارها ولا يفقدها أصوات الأغلبية فى الانتخابات.

 

إن التحرك الشفاف والشجاع مطلوب بسرعة، لأن الوقت ليس فى صالح الحكومة ولا فى صالح الإخوان. والأهم من هذا وذاك أنه أيضا ليس فى صالح الوطن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved