مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: السبت 8 أكتوبر 2016 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

وافق مجلس النواب يوم 5 أكتوبر، على مشروع القانون الذى قدمته الحكومة ومنحته عنوان «قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين»، وإن لم يعتمد بالتصويت النهائى عليه لعدم توفر النصاب القانونى لحضور النواب، حيث أن هذا القانون اعتبر من القوانين المكملة للدستور، ويحتاج إلى تصويت ثلثى أعضاء مجلس النواب بالموافقة عليه حتى يعتمد. السؤال يثور عن السبب فى اعتبار هذا القانون مكملا للدستور. هذه مسألة أخرى ليست على علاقة مباشرة بموضوع هذا المقال وإن كانت تطرح موضوع الاعتبارات السياسية التى تحيط بعملية التشريع. لذلك سنعود إليه فى نهاية المقال.

يُستسمح القارئ فى التشديد من جديد على أن القانون لا علاقة له مطلقا بالهجرة المسماة «بالهجرة غير الشرعية»، بل إن هذا المصطلح لا يرد إلا فى عنوان القانون ثم فى المادة الأولى حيث تعرف «اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين» التى تنشئها المادة 28 من القانون. للقارئ المهتم أن يرجع إلى نص القانون كما نشرته مواقع الصحافة فى نفس يوم الخامس من أكتوبر. المادة الثانية تنص على أنه «لا تترتب أية مسئولية جنائية أو مدنية على المهاجر المهرب عن جرائم تهريب المهاجرين المنصوص عليها فى هذا القانون» «ولا يعتد برضاء المهاجر المهرب أو برضاء المسئول عنه أو متوليه فى جرائم تهريب المهاجرين المنصوص عليها فى هذا القانون». الأمر لا يحتاج إلى تعليق. كيف لك إذن أن تكافح شيئا لا هو جريمة ولا هو مذكور أصلا فى مواد الموضوع فى القانون؟! الجريمة فى القانون تهريب المهاجرين، ولا جريمة غيرها وهى تعرف بأنها «تدبير انتقال شخص أو أشخاص بطريقة غير مشروعة من دولة إلى أخرى من أجل الحصول بصورة مباشرة أو غير مباشرة على منفعة مادية أو معنوية، أو لأى غرض آخر». الجريمة هى تدبير الانتقال، وليس الانتقال نفسه، وهى تدبير مقابل منفعة للمدبِر، منفعة هى غرمٌ على المهاجر.

***

حسنا فعل الفنيون عندما صاغوا القانون، أو عندما تناولوا الجانب الفنى فيه، بعدم التصدى للهجرة المسماة «بغير الشرعية» التى أدخلت عنوة على عنوان كل من القانون واللجنة المنوط بها تنسيق إنفاذه. أغلب الظن أنهم يعلمون أن ذلك النمط من أنماط الهجرة يتخذ أشكالا متعددة ليست وقفا على تهريب المهاجرين، ولا هى مقصورة على تهريبهم عن طريق البحر. المسافر الذى يدخل إلى إقليم بلد من البلدان بشكل قانونى تماما، بتأشيرة دخول أو بدونها، إن كان مواطنو بلاده معفيين منها، ثم يتجاوز فترة التأشيرة أو الإقامة المصرح بها ولا يغادر بلد المقصد هو فى وضع هجرة غير نظامية، أو بالتعبير الذى يستخدمه القانون «هجرة غير شرعية». الفرد الذى يدخل إقليم بلد بشكل قانونى تماما لغرض السياحة ثم يمارس عملا بدون تصريح عمل هو فى وضع هجرة غير نظامية أو «غير شرعية» كما يطلق عليها القانون والقائمون عليه وتردد الصحافة من ورائهم. الفرد الذى يعبر الحدود بين بلدين بدون جواز سفر أو تأشيرة أو مساعدة من مهرِب، كالمواطن المصرى الذى يمر من خلال «السلك»، إن وجد السلك، من إقليم مصر إلى إقليم ليبيا هو مهاجر فى وضع غير نظامى، أو «غير شرعى» فى رأى القانون. هل يتصدى القانون لأى من أشكال الهجرة هذه حتى يسمى «قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية»، إن تجاوزنا لوهلة عن مصطلح «غير الشرعية» الذى يوحى بأن جريمة ارتكبت؟ إن كانت المسألة مسألة مغادرة البلاد من غير الأماكن المصرح بها فإن ثمة قانونا ينظم ذلك وينص على العقوبة على هذه المغادرة، وهو قانون يختلف فى غرضه عن قانون مكافحة الاتجار فى البشر المسنون لغرض حماية المهاجرين من المهرِبين. القانون الجديد ليس ضروريا إذن للمغادرة من غير الأماكن المصرح بها، ونصوصه لا تتناولها على أى حال.

***

مواد التعاريف والموضوع صياغتها جيدة وهى تشبه فى ذلك «قانون مكافحة الاتجار بالبشر» الصادر فى سنة 2010، بل إن كثيرا من المواد فى القانونين متشابهة إن لم تكن متطابقة. وارد أن يصدر قانونان مختلفان بشأن «مكافحة تهريب المهاجرين» و«مكافحة الاتجار بالبشر»، ولكن كان من الممكن أيضا إضافة بعض مواد عن جريمة تهريب المهاجرين ومكافحتها إلى القانون الموجود المعنى بمكافحة الاتجار بالبشر، على أن تعمل لجنة واحدة على متابعة إنفاذهما. المنطق فى ذلك بيِن. تهريب المهاجرين كثيرا ما يؤدى إلى الاتجار بالبشر. الجماعة الإجرامية المنظمة التى تهرب المهاجر من بلده قد تسلِمه بمقابل مادى لجماعة إجرامية أخرى خلال عملية التهريب أو فى بلد المقصد لتدخله إلى إقليمها ثم وربما أيضا لتشغله فى ظروف عمل تتسم بالاستغلال فى الاقتصاد غير المنظم. تعريف جريمة الاتجار بالبشر طويل لا تحتمل المساحة المتاحة للمقال النص عليه كاملا. يكفى الإشارة إلى أنها تشمل كل من يتعامل فى «شخص طبيعى بما فى ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية – إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة...». المهاجر المهرب ضعيف، بين أسباب متعددة، لأنه سلم قيادته للمهرِب، وهو لا يعلم شيئا عن عملية تهريبه، وظروفها خارجة تماما عن إرادته، سواء كان فى عرض البحر أو فى الصحراء أو حتى فى إقليم معمور. لذلك قد يتحول التهريب إلى اتجار، وهو ما يشير إلى تداخل الجريمتين. صحيح أن الاتجار فى البشر أو فى أعضائهم قد يحدث فى داخل الإقليم المصرى وحده، ولكن ذلك يمكن معالجته بإصدار قانون خاص به. وعلى أى حال يستفاد من نص المادة الأولى فى كل من قانونى مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار فى البشر أنهما يعنيان «بالجريمة ذات الطابع عبر الوطنى»، ولا غرابة فى ذلك فهما مستمدان من البروتوكولين ذى الشأن الملحقين باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

***

يبقى موضوع الاعتبارات السياسية المحيطة بعملية صناعة القانون. للموضوع جانبان، الأول هو إقحام «الهجرة غير الشرعية» على عنوانه وعلى اسم اللجنة المعنية بإنفاذه، وهو يوحى بأن الدولة تريد أن تلقى بمسئولية هلاك الضحايا عليهم أنفسهم، باعتبار ارتكابهم لتصرف غير شرعى، على عكس ما يرد فى نص القانون نفسه، وبذلك تعفى نفسها والنظام الاقتصادى والاجتماعى القائم من هذه المسئولية. هذا التفسير أشير إليه من قبل، وهو يجد له سندا فيما قاله كثيرون من أنصار النظام الاقتصادى والاجتماعى بعد حادثة رشيد.

الجانب الثانى يتعلق بمسألة اعتبار القانون من القوانين المكملة للدستور. المادة 121 من الدستور تنص على طبيعة القوانين المكملة للدستور، وهى تعتبرها تلك «المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة فى الدستور». هل ينظم القانون أى انتخابات أو أحزاب أو سلطات؟ هل «مكافحة تهريب المهاجرين ومنع الهجرة غير الشرعية» من الحقوق والحريات الواردة فى الدستور؟ إن كان الأمر، تجاوزا، أمر حق المواطنين فى حماية الدولة لهم، فى هذه الحالة من المهربين ومن «الهجرة غير الشرعية»، فهذا ينطبق مثلا ومن باب أولى على حالة قانون حمائى بامتياز هو قانون العمل الذى يحمى الطرف الأضعف فى علاقات العمل وهو العامل، فهل اعتبر قانون العمل يوما من القوانين المكملة للدستور؟ أغلبية الثلثين كانت منعقدة بالطبع، ولكن المراقب يتساءل إن كان قانون التظاهر، الذى يمس حقا أساسيا من حقوق المواطن قد اعتبر مكملا للدستور عند موافقة مجلس النواب عليه فى هوجة موافقته على مئات القوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية فى غياب السلطة التشريعية. لا يكره أحد أن ترتفع مكانة قانون مكافحة تهريب المهاجرين ولكن الأمر أمر تزود وتصنع لا يطلبه الدستور بل إن فيه خروجا عليه. التزود والتصنع يخصمان من قيمة أى شىء، بما فى ذلك القانون، أى قانون.

***

مع كل ما تقدم، فإن القانون وحده لن يكون مفيدا. المسائل ذات الأصول الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى سياسات من نفس طبيعتها. سياسات اقتصادية واجتماعية وتشغيلية تنتشل مشاريع المهاجرين المهربين وأسرهم من الحرمان هى التى ستحميهم من المهربين والمتجرين بالبشر. إن لم تكن السياسات القائمة ناجحة فعلى الدولة واجب تغييرها.

تهريب المهاجرين عرض لمشكلة اقتصادية واجتماعية عميقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved