فتيات الشوكولاتة والزوجة الغنيمة!!!!

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 8 أكتوبر 2017 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

كلما اشتدت الحملات من أجل مشاركة أوسع للمرأة فى مجتمعاتها، كلما زادت حملات تحويلها أكثر وأكثر إلى جسد ووجه جميل فقط أو حتى إلى دمية بمقاييس خاصة جدا إما عبر رسم صور لنساء أصبحن هن «الرموز» التى يحتذى بها أو حتى عبر نشر ثقافة مستشرسة فى الدفاع عن الاستهلاك ونشر التسطيح للنساء وأدوارهن.. 
***
ففيما كبرت أجيال من النساء فى العالم على صور لنساء رائدت فى مجالات الطب والهندسة والفن والمسرح والغناء الراقى والعمل الاجتماعى والنضال، أصبحت النماذج اليوم هى لنساء الفن الذى هبط هو الآخر ليجارى الانحدار فى كل شىء وخاصة فى مجتمعاتنا العربية.. المطربة ذات الصوت البشع إلا عبر الكثير من التدخل التقنى هى رمز تحتذى به الفتيات اليافعات المقبلات على الحياة بكثير من الشغف والبحث واللاتى ما أن يصلنا مرحلة المراهقة حتى يقعن فريسة لهذه الثقافة والرموز فيتحولن إلى الهوس بالمظهر والبحث عن الجديد فى الموضة والجرى وراء النماذج النسائية فى السينما والفن العربى وهى ليست بمجملها مبهرة فيما تقوم به.. وأخريات تقتنصهن الأمراض النفسية على تنوعاتها انظروا إلى حجم الفتيات المصابات بالاكتئاب أو بأمراض مثل «البوليميا» وغيرها حيث تجوع الفتاة نفسها حتى الموت فى الكثير من الأحيان.. أو لحالات الانتحار التى هى وحسب الأرقام المتواضعة تبدو مخيفة.. 
***
وعلى الجانب الآخر انظروا إلى حجم الفتيات اللاتى يصلنا إلى أعلى درجات التعليم ثم لا يلبثن أن يعدن إلى بذل قصارى جهدهن للحصول على «العريس» الذى يستطيع أن يتحمل نفقات الاستهلاك... تقول تلك الفتاة التى تحمل حزنها فى باطن يدها، إنها ترفض أن تكون الزوجة «الغنيمة» وهى التى تكرس كل حياتها الأولى لتخلق نسخة عن ممثلة أو عارضة أزياء أو مغنية مشهورة بمقاييس وضعت كأساس للنساء الجميلات وبذلك «تصطاد» الرجل الثرى.. 
كيف شوهت النساء ليصبحن واجهات جسد ووجوه حتى أصبح أكثر الأطباء ثراء هم أطباء التجميل وحتى يتجاور الموت والفقر مع البذخ فى الصرف لتحضير الزوجة وحتى أصبحت الشهادات والتعليم هى لاستكمال الصفقة !!!
***
من المحزن أنه كلما تقدمت الحركات من أجل نيل المرأة لحقوقها كاملة، كلما زادت الحركات المناوئة لخلق نماذج مسخ لنساء من «الشوكولاته» الفاخرة صالحات للأكل وربما للإنجاب وفاترينات المجتمعات المزيفة.. ونكبت الشابات العربيات بمثل هذه الثقافة التى تضاعف من حجم الاضطهاد الواقع على النساء والتهميش، فعندما توضع القوالب الجاهزة وعندما تختلط ثقافة الاستهلاك والمال والثراء بأى ثمن مع تشويه للعادات والتقاليد أو التمسك ببعض البالى والمتخلف منها، إضافة إلى تفسيرات للدين لا وجود لها إلا بفكر الكثير من رجال الدين أشباه الجهلة والذين يصبغون الدين بألوانهم الفكرية الجاهلية.. كل ذلك لا يمكنه أن ينتج جيلا من النساء الواعيات بأدوارهن الماضيات فى بناء مجتمعات أكثر انفتاحا على الكون وأكثر رسوخا فى الأرض وابتعادا عن المظهر للبحث عن الجوهر.. ماذا حدث لكل تلك النماذج من النساء العربيات اللاتى قدمن التضحيات الكبيرة فى أوقات كانت أكثر صعوبة وظلمة.. اسألوا فتيات الشوكولاتة عن أسماء لنساء كنا سواء فى تاريخهن الدينى (إسلام أو مسيحية أو يهودية) أو تاريخهن الثقافى أو النضالى لتعرفوا كم التشويه والخسائر التى هى أكبر بكثير من خسائر عوائد النفط وانخفاض أسعاره وأعلى كلفة على المجتمعات من انخفاض السياحة وتدهور سعر العملة والغلاء الفاحش المنتشر فى كل بقعة من بلادنا.. 
***
اسألوا عن النساء اليوم وابحثوا عنهن لأن دونهن لا تنمية ولا خطط طويلة أو قصيرة المدى ترسمها ماكنزى بالملايين ثم تتبخر مع أول عاصفة رملية!!!
فى جمهوريات الاستهلاك لا مكان إلا لفتيات الشوكولاتة والزوجة الغنيمة!!!
كاتبة بحرينية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved