عن العرب فى دولهم المتهالكة والمتخاصمة الثروة تأخذ إلى العدو وتبعد الأخوة

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 8 أكتوبر 2019 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

الوطن العربى ينزف أبناءه، لاسيما المؤهلين منهم وأصحاب الاختصاصات العلمية والخبرات الفنية والمعرفة بأسرار التكنولوجيا الحديثة: علماء، أطباء، مهندسون.. إلخ.
الأخطر هو اليأس من الوطن، بدولته وحكوماته المؤتلفة على اختلاف، أو المختلفة على اتفاق ضمنى على استمرار رئيسها وأعضائها فوق مقاعدهم.. حتى لا يأخذها المعارضون.
يتصل بذلك الضيق بالأنظمة الديكتاتورية القائمة التى لا تعترف بالشعب ولا تحترم إرادته وتتخبط فى سياساتها الاقتصادية وفى علاقاتها مع دول العالم بحسب مصالح المسئولين فيها ورغباتهم ومعهم من يعاونهم من المستشارين ورفاق السوء.. خصوصا وأن هذه الأنظمة محصنة بسدود الطائفية والمذهبية والعصبيات اللاغية للديمقراطية.. ومعها حقوق الإنسان.
وبالطبع فإن ذلك يسهل أو يمهد الطريق أمام النفوذ الأجنبى، ويكسر حاجز العداء مع العدو الإسرائيلى، ويضعف الإيمان بالوطن وقدسية أرضه والاستعداد للاستشهاد من أجل حمايته، متى اقتضى الأمر.
لم تعد الأرض العربية وطنا واحدا لأهلها جميعا..
***
لقد تعاظمت مع القطرية الحساسيات الطائفية والمذهبية، وانقسم الشعب فرقا وتمزق أشتاتا، وتغلغل النفوذ الأجنبى واستعاد مكانته المرجعية أيام الاستعمار بالعسكر، وفقد المواطن شعوره بمواطنيته، وهانت عليه كرامة ّأهله وأمته بسبب ضعف دولته وفساد طبقته السياسية وسيادة الرشوة والمحسوبية والتعصب الطائفى واستغلال النفوذ والشفاعات ذات الغرض.
بالمقابل فإن دول النفط والغاز الذى كان دورها هامشيا، وكانت تتجنب الصدام مع حركة التحرر والنهوض القومى، قد تنمرت واستفادت من الفراغ فى مقاعد القيادة الجامعة لتتقدم مسلحة بالذهب الرنان لتشترى من هو مستعد لبيع موقعه وتوقيعه بثلاثين من الفضة.
اختصمت الأنظمة، وانقسمت ليتحكم بها الأغنياء بالنفط والغاز، وهى ثروات لم يتعبوا ولا هم عرقوا من أجل اكتشافها أو من أجل جنى مداخيلها التى تفوق التصور، وجعلتهم سادة أعزاء يفتون ويقررون ويستتبعون الدول الفقيرة وحكامها.. بالثمن.
تفككت مشاعر الوحدة العربية واستقرت فى ذاكرة الماضى وتنامت القطرية والطائفية والمذهبية حتى تبدى أى شعب عربى وكأنه تجمع مؤقت لمجموعة من عناصر مفككة ومتنابذة ومتخاصمة إلى حد العداء مع بعضها كما مع «الإخوة الأعداء».
وكان بديهيا أن يستفيد العدو الإسرائيلى من هذا التفكك العربى ليمد أذرعته المخابراتية، مفيدا من «وحدة الحال» بينه وبين المهيمن الأمريكى الذى يراه قادة العرب، وكثير من غيرهم فى العالم، بأنه سيد الكون والمطاع وأن مشيئته «قرار إلهى» و«أمر لابد أن ينصاعوا له»!
***
هكذا صار للعدو الإسرائيلى «سفارات» فى بعض عواصم الوطن العربي، وصارت عواصم عربية وقادتها من السلاطين والملوك والرؤساء تستقبل رئيس حكومة العدو وتؤخذ الصور مع قادتها بلا حرج، أو خوف من المحاسبة.
ثم توالت الخطوات الانفصالية بعد معاهدات عدم الاعتداء مع عدو الأمة فى ماضيها وحاضرها ومستقبلها.. وأصاب الشلل جامعة الدول العربية، لا سيما بعد تمكن «إمبراطورية قطر» من «طرد» وإفراغ مقعد سوريا منها، تأمينا لجو من الصمت و«حاضر يا أفندم» فى هذه المؤسسة العريقة التى يقال إن الاستعمار البريطانى هو فى الأصل، صاحب الفضل فى إقامتها فى أواسط الأربعينيات.
تم الاحتلال الأمريكى للعراق، بكامله، فى العام 2003، وسائر العرب مشغولون عنه، بل إنهم كانوا فى الحقيقة أقرب إلى هذا الاحتلال وموافقين عليه، بل إن بعضهم كان يسعى فى خدمته.. وللتذكير: فإن عددا من الدول العربية ساهم بكتائب من جيوشه إلى جانب القوات الأمريكية وبذريعة الانتقام صدام حسين واعتداءاته عليها.
ثم رجعت الكتائب العربية واستمر العسكر الأمريكى فى العراق والكويت وسائر أقطار الجزيرة والخليج ليحمى الإخوة العرب من إخوتهم العرب.. باعتباره مرجعية هؤلاء «الإخوة» جميعا.
ثم، بعد حين، وفى العام 2011 تم التواطؤ مع قوى سياسية سورية متطرفة (بينها الإخوان المسلمون وتنظيمات أخرى موالية لتركيا)، وبقايا النفوذ الغربى وشيء من التواطؤ العربى وفساد بعض أجهزة النظام مما أدى إلى تفجير الأوضاع بذرائع مختلفة ومحاولة الضرب على الوتر المذهبى.
وها هى سوريا المنهكة اقتصاديا، والجريحة و«المنبوذة» سياسيا، لا سيما من جانب دول الغاز والنفط، ما زالت بحاجة إلى الدعم العسكرى الروسى ومعه الدعم الإيرانى (بالمال والسلاح ومقاتلى «حزب الله» فى لبنان)..
لقد انفصل الأغنياء عن إخوتهم من الفقراء العرب، وفضلوا أن يدفعوا الجزية مضاعفة للحامى الأمريكى وللعدو الذى أُسقط عنه العداء، إسرائيل، وهربوا بعيدا عن أهلهم منتشين بثرواتهم التى جاءتهم من حيث لا يحتسبون فأغنتهم مما جعلهم يديرون ظهورهم لأبناء عمومتهم وشركاء المصير الفقراء: يقبلونهم عمالا، أما إذا كانوا أطباء ومهندسين وعلماء فلا بد أن يحملوا هوية سيد الكون، الولايات المتحدة الأمريكية، وإلا فليذهبوا إلى مكان آخر.
***
لقد غابت أو غيبت مصر عن دورها القيادى الجامع، فهى كانت دائما أكبر من أن تخاصم، وأرحم من أن تقاطع أشقاءها، وأثيرت عواصف من الخلافات، ودب الشقاق لاسيما بعد محادثات كامب ديفيد والصلح مع العدو الإسرائيلى.
لكن العرب لا يمكن أن يستغنوا عن «مصرهم»، كذلك فإن مصر تخسر الكثير من رصيدها إذا ما ابتعد عنها العرب. والمستقبل أهم من الماضى، وهو كفيل ــ عبر التواصل واستذكار الانتصارات التى حققتها وحدة السلاح والمصالح المشتركة ــ بتصحيح بعض المسارات المختلفة، وإعادة بناء العلاقات على مشاعر الأخوة والمصالح المشتركة التى هى الغاية والمرجعية ومصدر الكلمة الفصل.
أهلى وان جاروا عليّ... فهم أهلي!
***
للمناسبة فقد كانت تلك الساعة الثانية المباركة من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر ومشهد القوات المسلحة المصرية والسورية، تعبر قناة السويس إلى الضفة الثانية وتطهرها من جنود العدو المتحصنين فى خنادق خط بارليف، أو تركت التلال لتصعد إلى بعض قمم جبل الشيخ حيث كان يتحصن عسكر النخبة الإسرائيلية فتقتلع وجوده وتفتح الطريق إلى بحيرة طبريا التى قال الرئيس الراحل حافظ الأسد للرئيس الأمريكى السابق بيل كلنتون فى قمتهما بجنيف: هذه أرضى، ولقد كنت أسبح فى هذه البحيرة وأنا شاب.
وبرغم أن الحرب التى أثبتت جدارة المقاتل العربى وحسن التخطيط وشجاعة المبادرة قد انتهت إلى غير ما أمل الطامحون أى التحرير الكامل والشامل للأرض العربية المحتلة، وإلى افتراق مصر عن سوريا والعديد من الأقطار العربية، وتم نقل جامعة الدول العربية من مقرها التاريخى فى القاهرة إلى تونس.. حتى إذا تمت واقعة اغتيال الرئيس السادات بينما هو يشهد الاحتفال بالنصر على أيدى بعض العسكريين المتطرفين (خالد الإسلامبولى ومن معه)، تم انتخاب رفيقه وشريكه فى قرار الحرب حسنى مبارك، رئيسا للجمهورية.. وهو الذى امتدت ولايته لثلاثين سنة قبل أن تجبره ثورة الربيع، التى ملأت ساحات القاهرة وسائر المدن المصرية بالحشود الغاضبة والمتحسبة للإفقار، ما أجبره على الاستقالة.
***
هذه قراءة سريعة فى بعض أحوال «الأمة العربية الخالدة» التى تكاد الخلافات بين دولها تفرق بينها لأسباب عدة بينها الغنى الفاحش بلا جهد للبعض من ممالكها وإماراتها والفقر فى دول أخرى، وقبل هذا كله وبعده كمون العدو الإسرائيلى فى فلسطين المحتلة كفاصل قاهر لإرادة الأمة، مشرقا ومغربا..
فى انتظار يوم النصر الأكبر!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved