التراث العربى المسيحى

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 8 أكتوبر 2019 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

شاركت يوم الإثنين فى احتفالية تخريج الدفعة الثالثة من دارسى دبلوم التراث العربى المسيحى، الذى تنظمه كلية اللاهوت الانجيلية. مناسبة لطيفة، عكست التنوع المصرى. الدارسون مسلمون ومسيحيون، نساء ورجال، من بينهم يمنية وسودانى، وهكذا الأساتذة متنوعون فى النوع والدين والمذهب أيضا، والجمهور فى قاعة الاحتفال متنوعون، ومن بينهم مشايخ أجلاء، وقساوسة، ومحجبات، وهو مشهد نتمنى أن نرى مصر عليه.
التراث العربى المسيحى، وعلاقة المسيحيين بالعروبة، مسألة دائما محل دراسة، كنيسة العرب، التى لها حضورها فى محيطها الجغرافى، ويسجل التاريخ، والواقع أن المسيحيين العرب لهم مشاركات قيمة فى مختلف مناحى الحياة المهنية، الثقافية، السياسية، والاجتماعية، التعليمية، فى وجودهم تأكيد على تنوع هذه المنطقة، التى شهدت الأديان الإبراهيمية، وغيابهم مقلق لأنه يُظهر المسلمين ــ وهم الأغلبية العددية ــ بمظهر من لا يستطيع أن يعيش مع الآخر، وهو أمر يكذبه التاريخ، لكن تحديات الواقع، والهجرات المسيحية المتوالية خاصة من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين جاءت بمثابة جرس انذار. المسألة ليست متعلقة بالدين، بقدر ما هى تعبير عن تراث وذاكرة. عندما نشطت التنظيمات الإرهابية فى الأعوام الماضية، وتمكنت فى العديد من المناطق، اعتدت على التراث المسيحى، مثلما اعتدت على التراث الإسلامى، دمرت كنائس، مثلما دمرت أضرحة، واعتدت على مكتبات ومراكز ثقافية، وطالت بإجرامها الأقليات على اختلاف ثقافاتها، منها الأقلية اليزيدية مثلا. إذن كان أحد الأهداف المحركة للإرهاب طمس الذاكرة، ومحو التراث، حتى يتسنى لهم بناء مجتمع على تصورات معادية للحضارة والإنسانية، دفع كل مواطن عربى ثمنها، ولم يقتصر تحمل فاتورة المأساة على المسيحيين أو الأقليات العرقية فقط.
من هنا فإن أى مبادرة تهدف إلى تعميق المعرفة بالتراث المسيحى العربى، هى فى الحقيقة دفاع عن حق هذه المنطقة من العالم فى التنوع، والحفاظ على تراثها المشترك، وبناء جسور حوار وتفاهم بين أبناء أوطانها المختلفين فى المعتقد الدينى، وبناء المشتركات، وأى تساهل أو رضوخ لمحاولات تخريب الذاكرة المشتركة سوف يجرف المجتمع بعيدا من قيمه الاساسية، ويلقى به فى متاهة غياب المعنى.
دبلوم التراث العربى المسيحى خطوة مهمة للحفاظ على الذاكرة المشتركة، وايجاد مساحات ثقافية للتفاعل والحوار والتعاون بعيدا عن الصور النمطية الخاطئة، والأفكار المتوارثة التى لا تعبر عن حقيقة الواقع فى أحيان كثيرة، قدر ما تجسد توهمات، وضيق أفق، وعدم رغبة فى بناء الأوطان على أساس من المواطنة والتسامح.
دلالة أن يدرس مسيحى التراث الإسلامى، ويدرس مسلم التراث المسيحى، ايجابية لأنها تقود إلى المعرفة المتبادلة، وتأكيد على المصير المشترك فى وطن متعدد. تقدير لكل من أسهم فى دبلوم التراث العربى المسيحى وهم كثر، ولكن أخص الدكتور وجيه يوسف الذى كان حجر الزاوية فى المشروع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved