موطنى…. موطنى عندما غنت فلسطين

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 8 نوفمبر 2015 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

تدخل على عاصمة عربية تستقبلك بالدمع الغزير وتجلس على حافة النهر تحكى لك قصص زمن لايزال يعيد تكرار الوجع.. هل رحل المستعمر فعلا؟ أم أنه لايزال باقيا فينا.. وفيما الوجع وزع بالتساوى ربما.. ذاك الوجع الذى يستقر على الوجوه المتعبة مع نهاية يوم شاق يقال إنه يوم عمل فيما يردد العربى هو «أكل عيش».. كيف يمر البحث عن الرزق عبر العديد من الاعمال المجتمعة التى لا تكفى قوت يوم من مستلزمات الحياة اليومية.
ترقص بعض العواصم أو تجرى أو تهرول وحدها. مدن فلسطين وقفت فى السادسة من مساء السبت الماضى لتغنى موطنى ونادت علينا جميعا أن نقف أينما كنا لنغنى موطنى، لنعيد بوصلتنا إلى موقعها بعد أن تمكن بعضهم من اخراجها من أولويات تفاصيل حياتنا اليومية..
***
تسابق الكثيرون لينقشوا كلماتها على مواقع التواصل الاجتماعى حتى نغنيها جميعا ليس لفلسطين فقط بل لكل الأوطان العربية الجريحة..
موطنى .. موطنى
الجلال والجمال والسناء والبهاء
فى رباك فى رباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء
فى هواك فى هواك
هل آراك هل آراك
سالما منعما وغانما مكرما
سالما منعما وغانما مكرما
هل أراك فى علاك
تبلغ السماك تبلغ السماك
موطنى موطنى
وقفوا عند السادسة فى الشوارع المكتظة وعلى المقاهى وفى الغرف المكتظة بالأجساد وعلى سطوح المنازل كرروا موطنى موطنى.. كان النداء قويا لأنها فلسطين نبضنا وقلبنا وجرحنا النازف.. هى التى بقيت تجمعنا رغم عنهم جميعا.. هى التى لا تزال توحدنا فيما افترقنا إلى قبائل وطوائف واعراق، وحدها بقيت فلسطين الصامدة بطفلها الذى تعلم عشق الوطن وحمل حجارته فى يده الصغيرة ووقف أمام دباباتهم وحشودهم ونارهم…
***
فلسطين تنزف والعالم يقاطع ويعلن الموقف تلو الآخر. أما نتنياهو فيغيض العرب بتكرار عبارة الصداقة الجديدة مع بعض الأعراب! ويبتسم عندما لم تعد إسرائيل هى العدو والخطر الأكبر على المنطقة منذ أن زُرِعَت هنا فى فلسطين لتبقى نبتة شيطانية لا تعرف سوى لغة القتل والاعتقال والتعذيب بحق كل من عشق الأرض التى هى فلسطين..
فلسطين تغنى قالوا غنوا لفلسطين فغنى كثير من العرب فى السر وبعضهم فى العلن.. لم تعد فلسطين هى قضيتهم الأولى فقد نجح بعضهم فى اسقاطها من الحسابات المختلطة بكثير من الجهل والمصالح الضيقة وعنجهية المال الذى يشترى كل شىء.. كل شىء وكل شخص وأى شخص.. هنا فقط تختلف الأثمان بين أحدهم والآخر.. هنا فقط يتحول كل عربى إلى مجرد بضاعة قابلة للشراء.
***
غنت الكنائس كلها، عند السادسة، موطنى، وبكت مريم على ما حدث للعرب.. على الدم المختلط بالتراب وعلى الجوع والعطش حتى الموت.. على الأوطان تقسم على مقاس الطائفة والعرق وعلى المدن تزرعها الألغام بدلا من النرجس.. على الأزقة تقسمها الشوادر بين قناص وآخر.. على أخ هنا وآخر هناك كل يرفع البندقية فى وجه الآخر حتى عند الصلاة..
لنكرر غناء «موطنى» ليس فى السادسة من ذاك السبت بل كل يوم حتى نتذكر دوما أن الوطن أغلى من علبة المارلبورو وحزمة الدولارات التى تزداد كلما زاد الدمار والعنف والبشاعة فى القتل والتعذيب.. تحولنا إلى مادة دسمة لنشرات الأخبار وبقيت فلسطين فى ذيلها.. أى فى آخر النشرة لأن العدو أصبح ذاك الأقرب وليس الغازى والقادم من مدن الثلج! ذاك القادم من جهات الكون الأربع ليحل هنا.. يقسم مدننا بسوره العالى ويبنى مستوطناته التى لا يمكن ان تعبر إلا عن شديد الحقد والكراهية.. هى الكراهية متجسدة فى شكل مدن مشوهة.. ينزل الأسماء العربية من القرى والمدن ويضع مكانها أسماء جديدة فيبقى الاسم محفور أكثر فى الذاكرة، مثله مثل ذاك المفتاح الذى يبقى معلق فى الرقبة حتى آخر نفس فى الجد ليحمله الابن من بعده.. مثل النساء يطرزن ملابسهن كما كانت حتى لا تأتى مصممة الأزياء تلك لتسرقه من عين النساء..
***
‫تغنى فلسطين ليغنى العرب فى بغداد ودمشق والقاهرة وتونس والرباط والخرطوم والمنامة والرياض.. ليغنى العرب مع فلسطين التى تنهض دوما لتعلمنا فن حب الوطن.. لأطفال فلسطين الذين يعلموننا معنى العشق للأرض والتمسك بترابه حتى آخر حبة رمل.

كاتبة من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved