هل من حرب باردة جديدة؟!

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 8 نوفمبر 2021 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

يبدو أن منطقة المحيطين الهادئ والهندى فى طريقها للتحول إلى مركز الثقل الرئيسى فى الصراع الدولى الجديد ضمن مثلث القوى الأمريكى الصينى الروسى، وخاصة بين القوتين الاقتصاديتين الأولتين فى العالم الولايات المتحدة والصين الشعبية. يأتى ذلك بعد نهاية ما عرف «بلحظة أحادية القوة» الأمريكية غداة نهاية الحرب الباردة، وبعد دخول العالم فى مرحلة «ما بعد، بعد الحرب الباردة» التى تشهد تبلور نظامًا دوليا جديدا لم تستقر بعد قواعده ومعالمه.
من أهم عناصر تبلور هذا النظام ما يشهده العالم من استراتيجية صينية عالمية ناشطة ذات بعدين مترابطين اقتصادى وسياسى تحت عنوان حزام واحد طريق واحد. من أولى نتائج هذا التحول إلغاء أستراليا لعقد شراء غواصات من فرنسا لمصلحة شراء غواصات أمريكية، وما تركه ذلك من توتر فى العلاقات الفرنسية مع كل من «الحليف الاستراتيجى الغربى» الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك مع أستراليا. وقد تبع ذلك قيام الاتحاد الأوروبى بطلب تقديم اعتذار من طرف أستراليا عشية انطلاق المحادثات التجارية بين الطرفين. وصدرت تصريحات من مسئولين أوروبيين من عدة دول، منها فرنسا بالطبع، حول أن واشنطن تولى أولوية لتحالف أنجلوساكسونى (أستراليا وبريطانيا) على حساب حلفها مع أوروبا.
خطوتان قامت بهما واشنطن عبرتا من جهة وكرستا من جهة أخرى هذا التوجه الاستراتيجى الجديد. أولا، الإعلان عن ولادة اتفاقية تعاون أمنى استراتيجى ثلاثى يضم إلى جانب الولايات المتحدة كلا من بريطانيا وأستراليا عرفت باسم AUKUS. والمثير للاهتمام أن هذه الاتفاقية أعلن عنها فى اليوم ذاته الذى أعلن فيه الاتحاد الأوروبى عن بلورة استراتيجية تتعلق «بالمحيطين» شاملة فى أطرافها ومواضيعها. وجاءت الصين الشعبية ضمن هذه الأطراف المدعوة للتعاون فى إطار هذه الاستراتيجية ولكن فى مجالات معينة، وليس فى جميع المجالات. الخطوة أو المبادرة الثانية التى جاءت من واشنطن تقوم على نوع من الحوار التعاونى الاستراتيجى بين كل من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند وعرفت بمجموعةQUAD، وهو صيغة من التحالف الرباعى يقوم على «حوار أمنى» فى مواجهة الصين الشعبية.
فالولايات المتحدة تريد من الحليف الأوروبى أن يكون معها فى استراتيجيتها لاحتواء الصين الشعبية فى منطقة المحيطين، فيما أنه رغم اختلاف المواقف الأوروبية من العلاقات مع الصين الشعبية، وذلك حسب مصالح كل دولة، يبقى هنالك موقف أوروبى عام فى حده الأدنى يفضل تلافى استراتيجية الاحتواء الحاملة للتوتر وإمكانية المواجهة مع الصين الشعبية واللجوء لسياسة تقوم على تخفيض التوتر الاستراتيجى مع الصين الشعبية. هذه السياسة الأمريكية الناشطة من حيث الأولويات والتى تقوم على أولوية احتواء الصين الشعيبة كانت من العوامل المشجعة لتعزيز التعاون العسكرى والأمنى بين الصين الشعبية وروسيا التى تنظر بقلق أيضا إلى السياسة الأمريكية فى «المحيطين». وجاءت «القمة الهاتفية»، إذا صح وصفها بهذا الشكل، بين الرئيسين الأمريكى والصينى فى مطلع شهر سبتمبر والتى استغرقت حوالى التسعين دقيقة لتعمل على منع تحول المنافسة الشديدة بين الطرفين إلى نزاع مفتوح كما وصفها أحدهم.
البعض يتحدث، كما تساءلنا فى البداية، عن احتمال تبلور نظام حرب باردة جديدة على الصعيد العالمى. ولكن لا يوجد انقسام أيديولوجى حاد يطغى على العلاقات بين مختلف القوى الكبرى كما كان الوضع عليه خلال نظام الحرب الباردة فى الماضى، يكون عنصرا أساسيا فى رسم التحالفات وصياغة الأحلاف، بل ما هو حاصل هو «لعبة» تنافس استراتيجى و«حروب نفوذ» بصيغ وعناوين ومصالح متقاطعة حينا ومختلفة أحيانا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved