إثيوبيا.. دخول «التاريخ» وخروج من «الجغرافيا»

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 8 نوفمبر 2021 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

كل الأحلام ــ أو بالأحرى الأوهام ــ التى داعبت خيال آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، بأن تصبح بلاده إمبراطورية كبرى تهيمن ــ لأول مرة فى التاريخ ــ على كل دول شرق إفريقيا وعلى رأسها مصر والسودان من خلال سد النهضة، أصبحت الآن كوابيس مفزعة تهدد إثيوبيا نفسها بـ«الخروج من الجغرافيا» والتفتت إلى دويلات وقوميات متصارعة!
ففى خلال الأسابيع القليلة الماضية، أصبح المشروع السياسى الإمبراطورى للنظام الإثيوبى فى مهب الريح، بعد أن لقى هزائم عسكرية متتالية على يد مقاتلى جبهة تحرير التيجراى، رغم تفوق الجيش الحكومى فى العدد والعتاد، وقد تواكب هذا مع نجاح الجبهة فى إبرام تحالف عسكرى مع جبهة تحرير الأورومو ذات الثقل العسكرى وسبع مجموعات عسكرية هامشية أخرى، تم الإعلان عنه منذ عدة أيام فى أمريكا، وهو ما قد يشير إلى رغبة واشنطن فى التخلص من آبى أحمد الذى ارتكبت قواته جرائم حرب مروعة ضد سكان التيجراى لا تتحملها بالتأكيد المعايير الغربية لحقوق الإنسان، وقد تكون هناك أيضا أهداف أمريكية غير معلنة بتقسيم إثيوبيا نفسها إلى عدة دول قومية مستقلة طبقا للعرقيات الكبرى فى البلاد.
كان باستطاعة آبى أحمد أن يجنب بلاده هذه الحرب الدموية والتى دفع ثمنها الأكبر ملايين المدنيين ما بين مواجهة أشباح المجاعات والنزوح من مناطقهم وتعرض الآلاف منهم لخطر القتل، لو أنه استجاب لمطالب حكومة التيجراى بإجراء الانتخابات التشريعية فى منطقتهم فى موعدها، لكنه اختار طريق التصعيد وفرض الأمر الواقع عليهم ــ تماما كما يحاول أن يفعل معنا فى سد النهضة ــ حتى وصلت الأمور إلى درجة الغليان، واضطر مقاتلو التيجراى إلى اللجوء للسلاح لطرد حامية عسكرية تابعة للجيش الفيدرالى من أراضيهم، وتهديدهم باللجوء لحق تقرير المصير والانفصال عن الدولة طبقا للدستور، فشن آبى أحمد عليهم حربا بربرية شعواء استخدم فيها القوة المفرطة بداية من القصف الجوى ضد المدنيين، ونهاية بالاعتداءات الجنسية الممنهجة ضد نساء التيجراى، لكنه خسر أمامهم المعركة تلو الأخرى، وفقد البلدة بعد الأخرى، حتى وصلت الأمور لدرجة أن مقاتلى التيجراى وحلفاءهم من الأورومو يؤكدون أنهم لن يوقفوا الحرب قبل دخولهم أديس أبابا، وإسقاط نظام آبى أحمد.
طبقا لموازين القوى الراهنة فى الداخل الإثيوبى بتفاعلاتها الدولية والإقليمية، أصبحت التضحية برأس آبى أحمد هى الضمانة الوحيدة لوقف الحرب الأهلية الطاحنة فى إثيوبيا، وهو ما يدركه الرجل جيدا والذى أصبحت كل رهاناته الوحيدة هى تجييش الحياة السياسية فى بلاده، ومطالبة شباب أديس أبابا بحمل السلاح للدفاع عن بلدهم والحفاظ على وحدة ترابه، وهى دعاوى زائفة يريد من خلالها مواصلة هذه الحرب، حتى يضمن الحفاظ على كرسيه لأطول فترة ممكنة!
كل هذه الأوضاع الملتهبة فى إثيوبيا سيكون لها تأثيرات استراتيجية مهمة على أمننا القومى فى مصر، وبالتحديد فيما يخص مياه النيل وسد النهضة، فنجاة آبى أحمد من هذه المحنة واستمراره فى الحكم سيعنى بالتأكيد المزيد من التشدد مع مصر فى ملف المياه، وسقوطه لن يعنى أيضا عدم تشدد من يخلفه، وهو وضع يجعلنا نراهن على المجهول، بكل ما قد يحمله لنا من مفاجآت قد لا تكون سارة أو مريحة، كما يظن البعض فى مصر!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved