العداء للإسلام فى العالم الغربى والحوار الفعال بين الحضارات

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الثلاثاء 8 ديسمبر 2009 - 9:56 ص بتوقيت القاهرة

 تابعت باهتمام شديد أنباء الاستفتاء على حظر بناء المآذن فى سويسرا لسببين أساسيين، أولهما دلالة هذا الاستفتاء ليس على الموقف من المآذن فى حد ذاتها، ولكن على موقف الشعب السويسرى من الإسلام،

فالمآذن هى مجرد مظهر لوجود مسلمين يمارسون شعائر دينهم فى ذلك البلد الأوروبى، وثانيهما شخصى محض، فقد قضيت قرابة عشرة أعوام من حياتى فى مدينة جنيف طالبا للعلم، اضطره عدم وجود مصدر دخل له لمزاولة العديد من الأعمال ضمت العمل اليدوى والعمل فى العديد من المنظمات الدولية فى هذه المدينة التى يكاد سكانها الأجانب يفوقون فى عددهم سكانها الذين يحملون الجنسية السويسرية، كما ترددت على هذه المدينة بعد عودتى إلى الوطن سنويا لمدة لا تقل عن أسبوعين كل عام.

ولم أشعر خلال طول إقامتى فيها أو ترددى عليها بتمييز ضدى أو ضد أصدقائى من المصريين والعرب والمسلمين، وكانت لى فيها صداقات عديدة مع سويسريين وسويسريات أعتز بالروابط التى جمعتنى بهم.

وكنت مطمئنا إلى أن أغلبية الشعب السويسرى سترفض هذه المبادرة التى تقدم بها حزب اتحاد الوسط الديمقراطى اليمينى المتطرف وحزب الاتحاد الديمقراطى الفيدرالى، وهو حزب مسيحى محافظ. وكان سبب هذا الاطمئنان هو استطلاعات رأى الناخبين التى جرت قبل التصويت يوم الأحد 29 نوفمبر، والتى توقعت رفض هذه المبادرة بنسبة 53%،

لذلك انزعجت كثيرا عندما أعلنت نتيجة المبادرة وكشفت عن أن 57% من الذين أدلوا بأصواتهم قد وافقوا على حظر بناء المآذن، وهو ما يقتضى تعديل الدستور السويسرى فى المادة 72 التى تؤكد على مسئولية مقاطعات الاتحاد فى تحقيق السلام بين أتباع العقائد المختلفة. وهو ما لا يمكن أن يتم إلا إذا ما تمتعوا جميعا بحرية ممارسة شعائر معتقداتهم كما يرونها.

هل العداء للأقليات فى العالم الغربى يقتصر على المسلمين؟
ولقد دعتنى نتيجة هذه المبادرة إلى التساؤل عما إذا كان ما كشفت عنه هو عداء متأصل ضد المسلمين فى العالم الغربى، وأوروبا خصوصا، أم أنه موقف عام من الأقليات ذات الأصول الأجنبية؟، وهل هذا العداء دائم أم أنه يرتبط بظروف زمنية ومكانية محددة؟. وقادنى التساؤل الأول إلى تذكر أن أقليات عديدة ذات أصول أجنبية لقيت الاضطهاد فى الدول الغربية.

هذا الاضطهاد والعداء عرفه المواطنون الأمريكيون ذوو الأصول اليابانية فى الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية الذين عاشوا فى معسكرات اعتقال طوال فترة مشاركة الولايات المتحدة فى تلك الحرب، كما عرفه مهاجرون من أصول آسيوية، خصوصا من شبه القارة الهندية فى بريطانيا حتى وقت قريب، وعرفه المهاجرون الأفارقة فى فرنسا، والمواطنون الألمان ذوو الأصول التركية، وفى سويسرا ذاتها كانت القضية التى شغل بها حزب اليمين المتطرف الرأى العام السويسرى فى بداية سبعينيات القرن الماضى هى ما رآه من زيادة مفرطة فى عدد العمال الإيطاليين فيها.

ومع ذلك يمكن القول بأن العداء لمعظم هذه الأقليات قد خفتت حدته تدريجيا، ولم يصل الأمر إلى اعتبار ثقافاتهم خطرا على الحضارة الأوروبية أو حتى مصدر تهديد لأمن هذه المجتمعات. ربما لأن بعض هذه الأقليات لا تختلف ثقافيا كثيرا مع المجتمعات التى تعيش فيها مثل الإيطاليين فى سويسرا، أو لأن أفرادها يجاهدون للتشبه بالأوروبيين مثل المهاجرين الأفارقة، أو لأن ثقافة بعض هذه الأقليات هى ثقافة خاصة بهم لا يسعون إلى نشرها فى مجتمعات الهجرة مثل الأقليات التى جاءت من شبه القارة الهندية أو من شرق آسيا.

بل لقد تحولت النظرة السلبية لثقافات بعض أوطان هؤلاء المهاجرين إلى إعجاب وتقدير بل وخشية أحيانا من نتائج النجاح الاقتصادى لهذه الأوطان على رخاء الدول الغربية، ولكن دون خوف من امتداد تأثير هذه الثقافات إلى الثقافة الغربية.

تشخيص مواطن العداء للثقافة الإسلامية
وهكذا يبدو أن العداء للإسلام هو حالة خاصة فى الغرب عموما، مع تفاوت فى حدة هذا العداء. ولكن موضع العداء ليس هو الإسلام بصفة عامة، ولكنه على الأقل فى حدود ما يمكن التيقن منه هو بعض مظاهر وجوده فى المجتمعات الغربية مثل المآذن فى سويسرا وفى عدد آخر من الدول الأوروبية،

وبعض أنماط الملبس والقيم بالغة المحافظة التى يحلو لبعض تيارات الإسلام السياسى أن ترتفع بها إلى مصاف العقائد، مثل ارتداء النساء غطاء للرأس أو نقابا، وانتهاك حق النساء فى المساواة المدنية والسياسية مع الرجال.

ومن ناحية أخرى فإن رفض مظاهر وجود المسلمين الثقافية هو موقف لا تتخذه النخبة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية فى هذه المجتمعات. وفى حالة سويسرا تحديدا فقد وقفت الأغلبية الساحقة من الأحزاب السويسرية والحكومة ومنظمات رجال الأعمال ضد هذه المبادرة،

كما أن المدهش أن هذه المبادرة جرى رفضها فى أربع من المقاطعات السويسرية، وهى تحديدا تلك التى يكثر فيها وجود المسلمين، وهى المقاطعات الثلاث الناطقة بالفرنسية مثل جنيف التى كانت نسبة رفض المبادرة فيها هى 60%، وفو وعاصمتها لوزان، ونيوشاتل، بالإضافة إلى مدينة بازل.

أى إن الذين لا يضيقون بوجود المسلمين هم الذين يعرفونهم بحكم وجودهم معهم فى نفس المقاطعات، والذين يضيقون بوجودهم هم هؤلاء الذين لم يخبروا التعامل معهم لسبب بسيط هو أنه لا يوجد مسلمون كثيرون يعيشون بين ظهرانيهم. كما أن ممثلى العقائد الدينية الرئيسية فى سويسرا من كاثوليكية وبروتستانتية ويهودية وقفوا ضدها.

وسارت مظاهرات فى شوارع بال وزيوريخ احتجاجا على نتيجة المبادرة، وأعلن حزب الخضر السويسرى عزمه على الطعن فى هذه المبادرة أمام القضاء بدعوى تناقضها مع الدستور السويسرى الذى يدعو إلى حرية الاعتقاد. إذا كان ذلك هو موقف غالبية النخبة السياسية والاقتصادية والقيادات الدينية، فلا مفر من الاستنتاج بأن المبادرة المتعصبة وجدت أرضية خصبة بين المواطنين من خارج النخبة الذين تلاعبت بمشاعرهم قوى اليمين المتطرف.

ما هى أسباب هذا العداء للإسلام الثقافى كما تراه أغلبية الناخبين فى هذه المقاطعات السويسرية الاثنتين والعشرين؟
لاشك أن الذى دفع هؤلاء إلى اتخاذ هذا الموقف هو صورة سلبية للإسلام بالغت فى إظهارها قوى اليمين المتطرف، مثل تصوير المآذن كما لو كانت صواريخ موجهة، أو رسم صور منتقبات وهن يغطين العلم السويسرى.

ولكن الأمانة تقتضى الاعتراف بأن سلوك بعض تيارات الإسلام السياسى أسهم فى رسم هذه الصورة، والتى أصبحت تثير قلق كثيرين من المواطنين العاديين فى أوروبا أن يصبح وجود المسلمين بينهم ليس فقط خطرا على استمرار التمسك بقيم أساسية فى ثقافاتهم مثل مكانة المرأة وحرية الاعتقاد، ولكن يصبح مصدرا لتهديد أمنهم الشخصى.

هذه الصورة السلبية هى نتيجة كذلك ليس فقط لما جرى فى الولايات المتحدة فى سبتمبر 2001، ولكنها أيضا تكرست بسبب التفجيرات التى راح ضحيتها مواطنون أبرياء فى باريس ومدريد ولندن، وهى نتيجة لمعاقبة أكثر من أربعين ألف امرأة لارتدائهن البنطلون فى السودان، ولحرمان المرأة من حقوقها المدنية فى معظم دول الخليج ومن حقوقها السياسية فى المملكة العربية السعودية، ولأن الدول الإسلامية فى غالبيتها الساحقة لم تحرز تقدما ذا بال على طريق توفير حياة كريمة لمواطنيها، ولأن الشعوب العربية المسلمة مازالت تعيش فى ظل نظم استبدادية.

ولأن بعض الذين يرفعون راية الإسلام السياسى يصرون على أن يسعوا لتحقيق غاياتهم عن طريق قتال حكوماتهم ومواطنيهم، خصوصا ممن يختلفون معهم فى الرأى أو المذهب أو الطائفة، حتى وهم يؤدون شعائر الدين. وأخيرا لأن أنباء انتهاك حرية العقيدة فى عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، والتى تشمل الحق فى إعلانها وممارستها علنا هى غذاء يومى للإعلام المحلى والإقليمى والدولى.

والهجوم على مسيحيين يؤدون شعائر دينهم فى منزل واحد منهم لصعوبة الحصول على تصريح رسمى ببناء كنيسة، أو مطالبة بهائيين بادعاء انتمائهم إلى واحدة من الديانات السماوية لكى يحصلوا على وثائق رسمية كرقم قومى أو جواز سفر هى نموذج لمثل هذه الانتهاكات فى مصر.

أى حوار للثقافات يمثل مخرجا من حالة العداء للإسلام؟
ولا شك أن حوار الثقافات هو طريق لمكافحة هذه الصورة السلبية عن دين الإسلام لدى بعض تيارات الرأى العام الغربى. ولكن حوار الثقافات المطلوب ليس هو ذلك الذى أصبح يجرى منذ سنوات بين جماعات محدودة من المثقفين ورجال الدين بل ورجال السياسة من المسلمين والمسيحيين فى معظم الحالات، وهو حوار لا طائل منه ولا نفع يرجى سوى إتاحة الفرصة للسفر إلى العواصم الغربية لبعض القيادات الدينية والفكرية فى الدول العربية، والتباهى بأنهم انتصروا للإسلام فى عقر ديار الثقافات الغربية، وانتشار الشعور الكاذب بأن المشاركة فى مثل هذه المجادلات يجعل الدول الإسلامية تقف على قدم المساواة مع الدول الغربية فى مجال واحد على الأقل وهو المجال الثقافى.

الحوار المطلوب هو الذى يعكس ما يتم على أرض الواقع، نتيجة النهوض بأحوال العرب والمسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية. عندما يتمتع المواطنون فى الدول ذات الأغلبية المسلمة بحقوقهم المدنية والسياسية فى ظل حكومات ينتخبونها بحرية، ولا يجدون صعوبة فى الوفاء بحاجاتهم الأساسية،

ولا يواجهون قيودا فى ممارسة حرياتهم الشخصية الأساسية، ويسهمون فى إنتاج المعرفة العلمية ونشرها، عندما يحدث ذلك سوف تتغير صورة العالم عنهم وتتأكد فى أرجائه صورة الإسلام النقية كدين كرم بنى آدم، واختارهم من بين جميع المخلوقات ليحملوا الأمانة السامية فى إعمار الأرض.

مثل هذا الحوار بالعلم وبالعمل هو الذى غير صورة الصين والهند لدى الرأى العام الغربى من مجتمعات تعانى الفقر والجوع والمرض إلى قوى اقتصادية وسياسية بازغة تتنافس مع الدول الغربية ذاتها، وترحب بها هذه الدول فى أرقى المحافل التى ترسم مستقبل العالم.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved