توظيف حزب النهضة لمفهوم «الأمن الروحي»

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 1:06 ص بتوقيت القاهرة

بعد حالات هرج ومرج داخل جامع سيدى اللخمى فى صفاقس دامت أكثر من شهر وأدت إلى إغلاقه تمكنت وزارة الشئون الدينية من إعادة فتح الجامع يوم الجمعة 4 ديسمبر الماضى، وتعيين الشيخ عمر الملولى إماما «مؤقتا» خلفا للإمام رضا الجوادى الذى أعفته الوزارة من مهامه على خلفية «خطابه التكفيرى وتدخله فى الشأن السياسى».
ويقف المتابع للتغطية الإعلامية لاستئناف إقامة الصلاة على توصيف ملفت للانتباه لما حدث إذ لم يعهد التونسيون أن يقال لهم :«فى هدوء تمت صلاة الجمعة» و«أقيمت الصلاة فى ظروف سلمية» و«فى جو سلمى أقيمت الصلاة» و«كانت فرحة المصلين بالصلاة مجددا عظيمة» وبعد الخطاب التكفيرى أضحى «الخطاب الدينى رافدا للتنمية». إن الإلحاح على الهدوء والطابع «السلمى» الذى دارت فيه الصلاة يتعارض مع ما تقوم عليه الصلاة من معانى كالسكينة والخشوع وهدوء النفس وتفرغ الذات للعبادة. كما أن التنصيص على الطابع السلمى يحيل على السجل الحربى. فالسلم هى الوجه الآخر للحرب وما اتفاقيات السلام إلا المرحلة التى تعقب الصراع والتصادم والنزاع.
ولئن قبلت فئة من المصلين بأداء الصلاة مجددا فى الجامع المتنازع على إدارته فإن الأمر أتى بعد مفاوضات طويلة توحى بتدخل حزب النهضة لإيقاف فتيل «الفتنة» بعد إدراك قياديه لخطورة تحريك الشارع فى فترة تمر فيها البلاد بأحداث إرهابية متكررة تهدد أمنها واستقرارها. وهذا الاتفاق الحاصل بين الطرفين يكشف النقاب عن اختلاف الرؤى حول تسيير الجامع. فإذا كانت وزارة الإشراف ومؤيدوها يتبنون رأيا مفاده أن الجامع مرفق عمومى لابد أن يُحيد عن التجاذبات السياسية وأن يكون معبرا عن مدنية الدولة يرى أصحاب الرأى الثانى وأغلبهم من حزب النهضة، أن الجامع لابد أن يستعيد دوره التاريخى ومكانته ووظائفه التقليدية إذ لا مجال لمنع الإمام من التطرق إلى الشأن السياسى وإبداء رأيه فى الخلافات السياسية وتوجيه المسلم إلى ما يتلاءم مع القيم/الأيديولوجيا. وليس يخفى أن اصطفاف قيادى حزب النهضة وراء «الجوادى» ودعوتهم إلى ضرورة أن يختار الجمهور الإمام الذى يرضون عنه، من جهة، وأن تراعى الوزارة أهمية «الأمن الروحى»، من جهة ثانية ينم عن تنازع بين حزبى النداء والنهضة حول إدارة الشأن الدينى بل حول السلطة. فلا أحد ينكر ما يمثله الجامع من أهمية فى نظر النهضة ولا أحد يجهل أن تعبئة الناس للانتخابات (2011 خاصة) تمت فى الفضاءات الدينية وبواسطة الجمعيات الخيرية/المدنية. كما أنه لا يخفى أن «التمدد الإسلامى» حصل بفضل تمكين حكومة الترويكا للقوافل الدعوية من أن تنشط فى المؤسسات التربوية والفضاءات العمومية فضلا عن استقبال الدعاة وتمكينهم من اعتلاء «منابر الخطابة» فى الملاعب والجامعات.
***
ونظرا إلى أن حكومة «الصيد» وضعت خطة لإعادة السيطرة على الجوامع ومراقبة الخطب الدينية ونشاط الأئمة فضلا عن غلق بعض الكتاتيب والجمعيات الخيرية المورطة فى تسفير الشباب إلى مناطق النزاع وجمع الأموال من البلدان «الشقيقة الداعمة للإسلاميين» فإن الخلاف بين النداء والنهضة تحول إلى «صراع» أعدت له الحكومة العدة بتجنيد قوات الأمن لكف «شغب المصلين» وردع الممارسين للعنف. أما حزب النهضة فيبدو أن صقوره جندوا بعض الميليشيات «لغزوة جامع اللخمى» فحالوا دون الإمام وإقامة الصلاة.
وإلى جانب سيطرة المعجم الحربى على خطابات السياسيين وتغطية الإعلاميين للأحداث لاحظنا توظيف حزب النهضة لمصطلح «الأمن الروحى»، وهو مصطلح جديد فى السياق التونسى ولكنه استعمل فى المغرب ليدل على التهديدات التى رصدتها الحكومة والمتمثلة فى الفكر الوهابى والمد الشيعى بيد أن «الأمن الروحى» فى خطاب النهضة دل على عناصر تهديد مختلفة تمس الكيان الروحى والسياسى للحزب، ونعنى بذلك سياسة الحكومة التى تتماهى فى نظر النهضاويين، مع سياسة الأنظمة السابقة وتذكرهم بحملات المطاردة وممارسة التعذيب. وبسبب طغيان بنية الخوف والرغبة فى توظيف المساجد للتعبئة الأيديولوجية والسياسية يستأسد قياديى الحزب من أجل إحكام السيطرة على إدارة المساجد.
ولأننا فى سياق حربى فإن الهدنة مطلوبة ولكن الأزمة لم تنفرج بعد إنما هو الهدوء قبل العاصفة. والسكينة المطلوبة للتدبر فى وضع استراتيجيات بديلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved