متطلبات اتحاد دول مجلس التعاون

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 8 ديسمبر 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

توجد فى الوقت الحاضر حراكات ومناقشات كثيرة لمختلف مؤسسات وتجمعات المجتمع المدنى فى دول مجلس التعاون الخليجى، وذلك بشأن ضرورة قيام وحدة بين هذه الدول.

المنطلقات النظرية لهذا التوجه والمشاعر الشعبية الواسعة التى تسانده لا تختلف عن مثيلتها بالنسبة لوحدة الأمة العربية وتوحيد الأقطار العربية فى كيان قومى واحد. هناك حقائق التاريخ الواحد المشترك، والثقافة الواحدة، والخروج من ضعف التمُزق وتدخُلات الخارج، ومواجهة الأعداء المشتركين، والتخلُص من التخلُف الحضارى التاريخى من أجل الانخراط الندى الفاعل فى حضارة العصر الذى نعيش. وبالتالى فوحدة دول الخليج هى قضية وجودية بامتياز، كما هو الحال بالنسبة للوحدة القومية العروبية الأم.

وهو ما سيعنى أيضا أن وحدة دول مجلس التعاون هى جزء من وخطوة واحدة من مسيرة أمة العرب نحو وحدة وطنها العربى الكبير. إذ تبنَى وجهة النظر هذه سيبعده عن الانغلاق على نفسه، كما يريد له البعض، وسيبقيه معنيا وفاعلا ومتناغما مع ما يجرى فى كل الأرض العربية.

من هنا فإن أى تعثُر فى الاتحاد العربى المغاربى سيقلقه، وأى ضعف فى اقتصاد مصر سيوجعه، وأية محاولات لتمزيق أقطار من مثل العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا سيحاربها كما لو كانت محاولات لتمزيق دوله، وأى تعايش من أى نوع كان مع الوجود الصهيونى فى فلسطين العربية هو من الخطوط الحمر والفضائح الأخلاقية القومية. وهذا الاتحاد، المستقوى بأمته العربية والمستظل بجناح وطنه العربى الكبير، سيسعى لأن تكون ثرواته البترولية لا لمواطنيه فقط وإنما أيضا للمساهمة فى تنمية مجتمعات العرب وذلك من منطلق الأخوة أولا، ومن منطلق المصير المشترك ثانيا، وثالثا من منطلق أن القصر الذى تحيط به أكواخ الحاجة والفاقة هو فى خطر مادى وقحط روحى.
بدون تلك الصورة البهية الإنسانية الملتزمة قوميا سيكون الاتحاد المنشود اتحاد يباب موغل فى أنانيته فقير فى انطلاقات ضميره.

هذا ما يرجوه الكثيرون من مثل هذا الاتحاد على المستوى القومى. لكن هناك ما يرجوه الكثيرون على مستوى المجلس وهو فى طريقه لاتحاد دوله.

***

فأولا لا يحتاج المجلس أن يبدأ من الصفر. فهناك دروس كثيرة يمكن أن يستفيد منها ويأخذ بها فى العديد من الاتحادات، الاتحاد الماليزى أو الأوروبى أو السويسرى على سبيل المثال. ثمُ هناك بعض محاولات الاتحادات الثنائية العربية التى تعثرت والتى يمكن الاستفادة منها لتجنُب عوامل إخفاقاتها السابقة.

ولا توجد ضرورة للدخول فى نقاشات حول اسم أو نوع الاتحاد. فسواء أكان كونفيدراليا أو فيدراليا أو اندماجيا أو غيره من المسميات، فإن المهم ليس الاسم وإنما المحتوى ومدى الصلابة وتجنب أسباب الانتكاسات.

وعليه، فثانيا فإن التدرُج فى التوجه نحو الاتحاد مقبول، بل ومستحب، لكن بشرط أن تكون الخطوات تراكمية والأولويات واضحة والمظهريات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع نادرة.

ضمن هذا المنظور التدريجى يستغرب الناس من البطيء الشديد فى خطوات الوحدة الاقتصادية والتى توقفت العديد من القرارات بشأنها. ويتساءل الكثيرون عن السبب فى عدم الانتقال إلى توحيد أنظمة التعليم وخدماتها وأنظمة الصحة وخدماتها وأنظمة العمل وخدماتها وأنظمة الإسكان وخدماتها فى دول مجلس التعاون، وذلك من أجل تحقق المواطنة الخليجية العربية المشتركة بالنسبة لتلك الحقول والبدئ بالاعتماد على النفس بدلا مما تمليه إرادات الخارج.

وثالثا فإن السؤال الأكبر يتعلق بموضوع السياسة، وهو موضوع كبير ومحورى. فالاختلافات فى السياسات الخارجية، التى تؤدى إلى مماحكات وعداوات بين دول المجلس، لا تخفى على أحد. من أمثلة ذلك التعامل مع العدو الصهيونى، والتعامل مع موضوع الساعة، أى التعامل مع الحركات الجهادية التكفيرية العنفية التى أدخلت بلاد العرب جميعها فى جحيم الدمار المادى والمعنوى، والتعامل مع القوى الإقليمية الإسلامية، والتعامل مع الصراعات العولمية فيما بين الدول الكبرى، وغيرها الكثير الكثير.

***

وهنا يطرح السؤال: هل يمكن لأى اتحاد، من أى نوع كان، أن يقوم إذا تمسكت أجزاؤه بمبدأ السيادة الوطنية الكاملة، كما تفعل بعض دول المجلس؟

ورابعا، فإن الكثيرين لا يعتقدون بضرورة التمسك بمبدأ الوحدة بين دول المجلس الست. وهم يرون فى أية وحدة جزئية انتصارا لوحدة الدول الست النهائية، بل لوحدة الأمة النهائية. وإذا كانت بعض الدول مترددة أولها منطق خاص بها فإن ذلك يجب ألا يعنى تأخير موضوع حياتى ووجودى بالغ الأهمية للحاضر وللمستقبل، خصوصا فى هذه الأجواء العاصفة التى تدمر أرض العرب.

وخامسا، وأخيرا، فإن أى نوع من الاتحاد لا يأخذ بعين الاعتبار إشراك مواطنى دول المجلس ومؤسسات مجتمعاتهم المدنية فى اتخاذ القرار، وفى وضع التصورات والأهداف المستقبلية، وفى المشاركة فى خطوات التنفيذ، ضمن تصورات ديمقراطية سياسية واقتصادية عادلة.. فإنه، أى الاتحاد، سيكون مشروعا فوقيا معرضا للفشل.

***

فالاتحاد الناجح يجب أن يكون من أجل الناس وبالناس فى المقام الأول.

يستطيع قادة مجلس التعاون أن يعقدوا المؤتمرات وينشغلوا باتخاذ القرارات المؤقتة بشأن قضايا مؤقته، لكنهم سيكتشفوا فى النهاية بأن حل مشاكل الحاضر والانتقال إلى مستقبل حضارى أفضل يكمن فى هذا المشروع، فى هذا المطلب العروبى الوحدوى لملايين المواطنين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved