مذكرات محمد سلماوى

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 8 ديسمبر 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

«يوما أو بعض يوم».. هو عنوان الجزء الأول من مذكرات الكاتب والمسرحى القدير، ورئيس اتحاد كتاب مصر السابق، الأستاذ محمد سلماوى، والتى احتفل بإطلاقها فى تجمع باهر، حضره العشرات من الشخصيات العامة والكتاب والمثقفين، الثلاثاء الماضى.

وهذا الكتاب من أمتع الكتب التى قرأتها أخيرًا؛ ففضلا على المتعة المتحصلة من قراءته كنص، هو فى الأساس مذكرات رائعة شديدة القيمة والأهمية لأسباب:

ــ مهمة بما تضمنته من سرد تاريخى، امتزج فيه الذاتى بالموضوعى، خلال الفترة التى تدور فيها أحداث المذكرات (1945 ــ 1981)؛ أى تقريبًا الثلث الأوسط من القرن العشرين، بكل ما شهدته مصر من أحداث وتحولات عاصفة.

ــ مُهمة بما عَرَضت له من تحليل اجتماعى ثقافى فائق الدقة والنصوع لطبقة اجتماعية «أصيلة» ومحورية فى تركيبة المجتمع المصرى؛ هى طبقة كبار العائلات المصرية، من أصحاب الأراضى والأطيان أو ما يطلق عليها طبقة «الأعيان».. 

ــ مهمة بالإضاءات القوية الكاشفة التى ألقاها سلماوى على هذه الطبقة التى تكاد لا تظهر تقريبا فى أيٍّ من كتب السيرة والمذكرات التى اضطلع بكتابتها مثقفون ومبدعون ومفكرون (لا أذكر أننى قرأت شيئا شبيها أو يتناول ذات الطبقة من قبل).. 
فأغلب ما تضمنته كتب السيرة الذاتية والمذكرات لأفراد ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة (الفلاحين والأفندية)، وهذه فيما أرى زاوية مهمة لقراءة التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الطبقة المهمة فى المجتمع المصرى؛ فضلا على براعة سلماوى فى رسم جدارية هائلة تضم حشدا من الشخوص والعائلات وعلاقات المصاهرة والنسب والشراكة الاقتصادية، فضلا على العلاقات الإنسانية.. وكلها عامرة بالتفاصيل الإنسانية المؤثرة.. 

ــ مهمة بما تميزت به من عرض لوحات وصور اجتماعية سياسية ثقافية غاية فى الأهمية، وتكشف عن طرائق عيش وأنماط سلوك وتربية وتكوين ثقافى وفنى وإنسانى مميز لقطاع مهم من المصريين فى الفترة ما قبل 52.. كانت هذه الطبقة إحدى دعائم المجتمع المصرى الأصيلة قبل 52 قبل أن تطالها يد التأميم والمصادرة فتتعرض لضربات قاصمة وتتفتت رءوس أموالها مما انعكس على قوة الاقتصاد المصرى.

ــ التفاصيل التى يوردها سلماوى عن أسرته وسيرة أبيه وجده، والحضور اللافت للمرأة فى هذه السيرة: جدته أمينة هانم الرشيدى، والدته زينب يوسف شتا، زوجته الفنانة نازلى مدكور، وابنته سارة.. لا أتصور أن تكتمل فسيفساء هذه السيرة ولا جمالها ولا ألقها ولا خصوصيتها إلا بحضور هذه النماذج القوية المتوهجة والأدوار الإنسانية والاجتماعية والثقافية التى مارسناها.

ــ وكم كنت أتمنى أن يستفيض محمد سلماوى فى الحديث عن الفترة المهمة التى قضاها طالبًا فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، تتلمذ خلالها على يد أستاذه الأول والأكبر رشاد رشدى.. الفترة من 62 ــ 66 خصبة وغنية بالكثير من التفاصيل والأحداث التى تظهر فى عدد من السير والكتابات السردية لجيل سلماوى (مثلا محمد برادة فى «مثل صيف لن يتكرر»، وراجع سيرة محمد عنانى «واحات العمر»، وسيرة محمد جابر الأنصارى.. وآخرين).
كل هؤلاء أبدوا عناية كبيرة فى تسجيل أحداث وتفاصيل تلك الفترة (قبل نكسة 67 مباشرة).. بعد انتهائى من قراءة الفصل المعنون بـ (قصة إحسان، وقصيدة كيبلنج، ومنديل رشاد رشدى!) وجدتنى أتساءل عن طبيعة وشكل العلاقة بين هؤلاء ممن تتلمذوا على يد رشاد رشدى وحملوا لواء مدرسة النقد الجديد فى النقد العربى المعاصر (محمد عنانى، سمير سرحان، عبدالعزيز حمودة، فائق متى إسحاق، ماهر شفيق فريد، ومحمد سلماوى).. عن التفاصيل الإنسانية التى ربطت بينهم أو فرقت، طبيعة التكوين الدراسى والفكرى والثقافى الذى كان يتوفر لطلاب الجامعة فى تلك الفترة الخصبة المتوهجة.. إلخ

ــ أفضل تلخيص قرأته لأفكار مدرسة النقد الجديد (واحدة من تيارات النقد الأدبى المهمة والمؤثرة فى منتصف القرن العشرين) فى الفصل ذاته الذى كتبه بعنوان (قصة إحسان، وقصيدة كيبلنج، ومنديل رشاد رشدى!) وفى أقل من صفحتين.. تلخيص ناصع، مركز، بديع وواف! أعجبنى جدا جدا (كنت من المولعين بدراسة وتتبع أفكار وتفاصيل هذه المدرسة وأنا فى الكلية).
إن هذه مجرد ملاحظات سريعة على كتاب مهم يعرض لفترة مهمة من تاريخنا المعاصر، وسيثير من اهتمام الناس وفضولهم الكثير الفترة القادمة..

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved