الغضب وحده لن يعيد القدس!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 8 ديسمبر 2017 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

تعلق وارتباط الشعوب العربية والإسلامية بالقدس المحتلة، دفع الكثيرين من أبنائها خلال الأيام القليلة الماضية، إلى صب جام غضبهم على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بعد قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، بل ان البعض وجه اليه شخصيا وإلى بلاده سيلا من الشتائم والسباب واللعنات على مدى الساعة، وكأننا فوجئنا اليوم فقط بهذا الموقف الأمريكى المتحيز، الذى يدعم سرقة القدس من بين ايادينا إلى الأبد.

تستطيع أنت كعربى ان تريح نفسك وتتخلص من تعذيب ضميرك، بتوجيه هذه الشتائم إلى الولايات المتحدة، بل تستطيع ان تريحها أكثر بالشجب والإدانة والاستنكار لقرار ترامب، وتستطيع ان تريحها أكثر وأكثر بدهس العلم الأمريكى وحرقه على قارعة الطريق.. لكن بعد كل هذا، هل ستعود القدس؟

بالتأكيد لا.. اذن هناك خطأ جوهرى فى هذه المعادلة، ينبغى تداركه قبل فوات الأوان، وهو أنك فكرت وتصرفت كـ«عربى»، وبالتالى فإن ردود أفعالك متوقعة قبل اتخاذها، والمستوى الذى يمكن ان يصل اليه منسوب غضبك معروف سلفا ويمكن السيطرة عليه بقليل من الجهد، ومن ثم فإنه لكى تصبح لأفعالنا قيمة ولغضبنا حساب، فيجب ان نفكر بطريقة أخرى.. كيف؟

يدرك الرئيس الأمريكى أن بلاده فى موقف أقوى، وفى يدها «جميع أوراق اللعبة»، باعتراف العرب أنفسهم منذ زمن طويل، وأن جميع الأنظمة فى المنطقة تتسابق لنيل رضاها حتى تستطيع البقاء على كراسيها، بل ان بعضها يلجأ إلى الولايات المتحدة طلبا للحماية من الشقيق ومن الجار ومن «العدو المحتمل».

لا يشعر ترامب بالقلق من قراره الجائر بحق الفلسطينيين، لان السلاح الذى يقاتل به العرب بعضهم البعض، أو الذى تقمع وتقهر به بعض الأنظمة العربية شعوبها، هو سلاح أمريكى يتهافت العرب والمسلمون على شرائه يوميا بمليارات الدولارات.. فوفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فقد ذكر تقرير لدائرة بحوث الكونجرس الأمريكى، ان الولايات المتحدة حافظت على المركز الأول فى صادرات السلاح للمنطقة عام 2014، وحققت زيادة قدرها 9.5 مليار دولار قياسا بمبيعات العام 2013، حيث وصلت قيمة إجمالى مبيعاتها من السلاح للعام 2014 إلى 36.2 مليار دولار، وفى السنوات التالية زادت معدلات صادرات السلاح الأمريكى إلى المنطقة رغم تراجع عائدات النفط!

أما بالنسبة للتجارة، فإن بيانات مكتب الاحصاءات الامريكية، ذكرت أن حجم تجارة الولايات المتحدة مع الدول العربية والاسلامية الاعضاء فى منظمة التعاون الاسلامى، بلغت خلال العام 2016 نحو 224.5 مليار دولار، حيث استقبلت أسواق الدول العربية والاسلامية بما قيمته 102 مليار دولار، فيما استقبلت السوق الامريكية بما قيمته 122.4 مليار دولار، أى بفائض تجارى لصالح الدول العربية والاسلامية مجتمعة قيمته 20.3 مليار دولار فقط.

وبالنسبة للسندات وأذون الخزانة، فقد كشفت وزارة الخزانة الأمريكية، ان هناك 11 دولة عربية تستثمر 267.6 مليار دولار فى سندات الخزانة الأمريكية، وتأتى على رأسها المملكة العربية السعودية، باستثمارات تبلغ 136.7 مليار دولار، وبنسبة تمثل 51 % من اجمالى الاستثمارات العربية، تليها الإمارات بـ 54.3 مليار دولار، والكويت بـ 38 مليار دولار.

هذه المعطيات جميعا، تدفع ترامب إلى اتخاذ مثل هذا القرار من دون خوف أو تردد، لانه يدرك ان الدول العربية والإسلامية، ليس لديها القدرة على مقاطعة السلاح الأمريكى أو وقف التجارة أو سحب الاستمارات أو التوقف عن شراء المنتجات التى يتم تصنيعها فى الولايات المتحدة. لكن عندما تتغير هذه المعادلة وتستشعر الولايات المتحدة وجود خطورة حقيقية على مصالحها فى المنطقة، وان الأموال وصفقات السلاح والاستثمارات والتعاون العسكرى والاستخبارى مهدد، ستغير من حساباتها وقراراتها فورا.

لا أحد بالتأكيد يقلل من حجم الغضب الشعبى تجاه ما يحدث فى القدس، لكنه سرعان ما سيتلاشى، كما حدث فى مواقف سابقة، وبالتالى ينبغى العمل وفق خطة مدروسة، تشعر أمريكا وغيرها من الدول التى تنحاز للعدو الصهيونى، بان مصالحها ستتضرر بشدة.. وقتها فقط نكون قد وضعنا أنفسنا بالفعل على أول الطريق لاسترجاع القدس.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved