ترامب ينتخب داعش فى القدس

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 8 ديسمبر 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

هناك حالة كاملة من «تبادل المنافع» بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وتنظيم داعش وسائر المتطرفين العرب!!.
وضح هذا الأمر تماما فى الوعد الذى قطعه ترامب مساء الأربعاء الماضى، حينما قرر نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس العربية، باعتبارها من وجهة نظره عاصمة لإسرائيل.

أحد أخطر الجوانب الكارثية فى القرار، أنه لا يصب فقط فى مصلحة المتطرفين العنصريين فى الكيان الصهيونى، بل يصب أيضا فى مصلحة داعش والقاعدة وميليشيات الحشد الشعبى و«زينيون» و«فاطميون» وكل التنظيمات المتطرفة سنيا وشيعيا فى المنطقة.

فى اللحظة التى كان ترامب يعلن فيها قراره الصادم، فإنه كان يصوت لمصلحة داعش وكل المتطرفين. هو كان يرسل لهم إشارة خلاصتها «إننى أقدم لكم أفضل هدية، يمكن أن وربما لم تحلموا بها إطلاقا».

قبل قرار ترامب كانت داعش تكاد تلفظ أنفاسها فى المنطقة، بعد أن تعرضت لضربة قاصمة هى والقاعدة وبقية الحركات المتطرفة خصوصا فى العراق وسوريا، كنا نظن أن سياسة ترامب فيما يتعلق بنظرته وسياسته تجاه داعش والمتطرفين تختلف عن السياسة التى كانت سائدة أيام سلفه باراك أوباما.

ترامب نفسه خلال حملته الانتخابية انتقد معالجة إدارة أوباما لداعش. وأيد الضربات الروسية ضد هذه التنظيمات المتطرفة فى سوريا.

قبل ترامب كانت الإدارة الأمريكية لا تحارب داعش فعليا. بل توجه إليها ضربات تليفزيونية، حتى تقوم داعش باستنزاف نظام الأسد فيسقط الاثنان معا. وهناك وقائع لا تقبل الشك مصدرها «الجيش السورى الحر» بأن الجيش الأمريكى تواطأ لمصلحة داعش فى سوريا طوال السنوات الثلاث الماضية.

لكن وبعد نحو عام من حكم ترامب، فإن جوهر هذه السياسة لم يتغير، والقرار الأخير بشأن القدس عمليا يدعم هذه السياسة، التى تشجع التطرف والمتطرفين. 

مع تتابع ردود الفعل على القرار سوف نكتشف أن ترامب نجح فى توحيد كل المتطرفين العرب سنة وشيعة، وما بينهما من منظمات تتاجر بالإسلام. هؤلاء المتطرفون لا توجد لديهم إلا بضاعة الكراهية والبغضاء والحقد والغل وعدم الاعتراف بالآخر، حتى لو كان من بنى جلدتهم، وهى نفس الموجودة بالكامل لدى ترامب وقادة اليمين. 

من دون مجاملة أو مبالغة ــ فإن المتطرفين فى الجانبين هنا وهناك يحتاجون ويكملون بعضهم البعض، فإذا ضعف طرف فإن الطرف الآخر سوف يضعف آليا والعكس صحيح تماما.

حينما يصدر ترامب مثل هذا القرار الأخرق فإنه يعطى المتطرفين العرب كل الحق للادعاء بأنهم يدافعون عن الإسلام ومقدساته.

تخيلوا أحد المتطرفين ارتكب عملا إرهابيا ضد المصالح الأمريكية فى أى مكان بالعالم، غالبية العرب والمسلمين سوف يتعاطفون معه، حتى لو كانوا يختلفون مع كل منطلقاته وأفكاره.

هذا القرار سوف يوفر أرضية خصبة لهذه التنظيمات المتطرفة فى كل مكان، سواء فى تجنيد المزيد من الشباب الصغير أو تنفيذ أعمال تبدأ من المقاومة السلمية والمشروعة ضد كل من يعادى الحقوق العربية، وقد تمتد إلى أعمال عنف وإرهاب مرفوضة قانونيا.

مرة ثانية كتبت أكثر من مرة هنا، إننا لا يمكن أن نلوم ترامب، لأن أفكاره العنصرية والمتطرفة ضد العرب والمسلمين كررها مرارا وتكرارا. 

ولا نلوم إسرائيل لأن مشروعها الاستيطانى العنصرى واضح وضوح الشمس، لكن نلوم أنفسنا وبالتالى فعلى كل من يرى خيرا فى ترامب من العرب والمسلمين أن يفيق قليلا، لأن هذا الشخص يدمر كل شىء فى طريقه. هو أولا لا يحترمنا، وثانيا يهين مقدساتنا وثالثا يدعم إسرائيل بصورة فجة وسافرة، وطالما ضمن أن مصالح بلاده لن تتضرر، فما الذى يمنعه من اتخاذ قرارات عدائية وتنفيذها؟!

هنيئا لداعش والقاعدة والحوثيين وكل المتطرفين فى العالمين العربى والإسلامى. لو كنت مكانهم لقمت بإرسال برقية شكر وتقدير لترامب من سطر واحد هو، «شكرا على هذه الهدية الثمينة، التى أعطتنا قبلة الحياة»!

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved