من أولى بالسلاح الأمريكي.. أوكرانيا أم تايوان؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 8 ديسمبر 2022 - 6:15 م بتوقيت القاهرة

تواجه أوكرانيا غزوا روسيا لأراضيها، وتهدد الصين تايوان بغزو شامل لإعادة ضمها إليها، وتشهد واشنطن جدلا متصاعدا حول أهمية أوكرانيا وجزيرة تايوان للمصالح الأمريكية وسط اختلاف كبير حول الطرف الذى يجب أن يكون له أولوية شحن وتسليم الأسلحة الأمريكية الضرورية للدفاع عن سيادته وترابه الوطنى.
ولا تجمع واشنطن بالدولتين أى اتفاقيات دفاع مشتركة، ولا تتمتع أوكرانيا بعضوية حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، ولم تتعهد واشنطن رسميا بالدفاع عن تايوان حال قيام الصين بمحاولة ضمها بالقوة المسلحة.
• • •
مع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا شهرها العاشر دون حسم عسكرى واضح أو نتائج مباشرة على الأرض، تلقت أوكرانيا أسلحة قيمتها أكثر من 22 مليار دولار وافق عليها الكونجرس حتى الآن، ويدرس المشرعون حاليا طلبا من الرئيس جو بايدن للحصول على 38 مليار دولار أخرى لأوكرانيا فى العام المالى الجديد. وشرعت الولايات المتحدة فى التزام طويل الأجل بتزويد أوكرانيا بالأدوات والمعدات التى تحتاجها للدفاع عن سيادتها طالما استمرت روسيا فى عدوانها.
ومع عدم حفاظ أمريكا على قاعدتها الصناعية الضخمة خلال العقود الأخيرة، أشارت صحيفة وول ستريت جورنال قبل أيام إلى أن مبيعات الأسلحة المتراكمة التى لم تصل إلى تايوان قد نمت إلى ما قيمته تقترب من 19 مليار دولار، وأن المسئولين العسكريين الأمريكيين قلقون من أن المطالب على المدى القريب لمساعدة كييف على مواجهة روسيا، تتعارض مع الحاجة طويلة الأجل لردع الصين.
وبعد دخول الحرب الروسية على أوكرانيا شهرها العاشر، يرى عدد من السياسيين الأمريكيين أن تسليح واشنطن أوكرانيا لمواجهة الغزو الروسى تعرقل قدرة الولايات المتحدة على توفير الأسلحة اللازمة لتايوان.
ويؤمن الكثير من النخبة الأمريكية الحاكمة أن هناك تهديدا حقيقيا ومتزايدا من الصين تجاه تايوان، وهو ما يتطلب من واشنطن الإسراع فى تسليم الأسلحة التى تحتاجها تايوان للدفاع عن نفسها.
وفى رسالة لوزير الخارجية الأمريكى، دعا سيناتور الحزب الجمهورى جوش هاولى إدارة الرئيس جو بايدن إلى إعطاء الأولوية لتسليح تايوان لردع أى غزو محتمل من جانب الصين على إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وقال السيناتور «يجب أن نكون واضحين: تايوان أكثر أهمية للمصالح الوطنية الأمريكية من أوكرانيا».
فيخص الخبراء أسلحة محددة مثل صواريخ جافلين المضادة للدبابات، وصواريخ ستينجر المضادة للطائرات، وقاذفة صواريخ هيمارس، على رأس قائمة طويلة من أسلحة تحتاجها تايوان على وجه السرعة.
ويجادل عدد من صقور الحزب الجمهورى، ومن بينهم السيناتور هاولى، بضرورة أن تنفق الدول الأعضاء فى حلف الناتو المزيد من الأموال على ميزانياتها العسكرية، وأن تقدم المزيد من الأسلحة والعتاد لأوكرانيا، على أن تهتم الولايات المتحدة وتركز وتستثمر المزيد من الأموال والقوة العسكرية فى منطقة المحيط الهادئ لمواجهة مخاطر صعود الصين. ويطالب هؤلاء إدارة بايدن بالابتعاد عن التورط فى نزاع لا يخدم المصالح القومية الأمريكية، ويشتت جهود احتواء ومواجهة الصعود الصينى المستمر. كذلك يطالب هؤلاء الصقور بضرورة رفض واشنطن لضم أوكرانيا مستقبلا لحلف الناتو بحجة أن الالتزام العسكرى تجاهها سيؤدى إلى الانتقاص من المنافسة مع الصين، والتورط فى صراع لا عائد من ورائه مع دول متوسطة القدرات مثل روسيا، إلا أنها تمتلك ترسانة نووية ضخمة فى الوقت ذاته.
• • •
فى الوقت الذى تحصل فيه أوكرانيا على السلاح مجانا من الحكومة الأمريكية، لا تكتفى تايوان فقط بدفع مليارات الدولارات مقدما مقابل السلاح الذى تحصل عليه، بل إن أحد أكبر وأهم شركاتها لصناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية الدقيقة «شركة TSMC» قد وضعت حجر الأساس قبل يومين لإنشاء مصنع ضخم فى ولاية أريزونا، حيث يُعد أحد أكبر الاستثمارات الأجنبية فى تاريخ الولايات المتحدة إذ يرفع استثمارات الشركة من 12 مليار دولار إلى 40 مليار دولار.
وتستخدم رقائق أشباه الموصلات فى كل شىء من أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية إلى السيارات وأجهزة الميكروويف وأجهزة الرعاية الصحية. بمجرد افتتاح المصانع، ستنتج رقائق كافية لتلبية الطلب السنوى فى الولايات المتحدة، وهو ما سيخدم مصالح الأمن القومى الأمريكى.
وكانت أزمة انتشار وتفشى فيروس كوفيد 19، قد كشفت اعتماد واشنطن على الصين فى كثير من الصناعات، حيث أدت عمليات الإغلاق إلى نقص عالمى فى الكثير من البضائع وعلى رأسها رقائق التكنولوجيا الفائقة.
• • •
ومع عدم ظهور أى أفق أمام حل سياسى لأزمة الحرب فى أوكرانيا، وتقدير الكثير من الخبراء باستمرارها لشهور وربما سنوات قادمة، يتضاعف القلق من أن عرقلة استراتيجية واشنطن لتسليح تايوان لمساعدتها فى الدفاع عن نفسها ضد غزو محتمل من جانب الصين، فى الوقت الذى تزيد فيه تهديدات الصين وأنشطتها العسكرية قبالة الساحل التايوانى، واختراقها مناطق قريبة من مجالها الجوى عدة مرات.
إن الولايات المتحدة تتبنى «استراتيجية الغموض» إزاء قيامها بعمل عسكرى للدفاع عن تايوان. ويحرم ذلك الموقف المخططين العسكريين الصينيين من إدراك حدود المناورة مع الولايات المتحدة. وقد أجبر الغموض الاستراتيجى بكين على افتراض تدخل واشنطن حال شن هجمات أو محاولة غزو تايوان.
ورغم أن ميزان القوى بمنطقة مضيق تايوان يتغير لصالح الصين، فإن الخبراء يعتقدون أن بكين لا تزال بعيدة عن امتلاك قوات متقدمة تمكنها من النجاح فى الاستيلاء على تايوان.
ويعتقد الأمريكيون أن «الغموض الاستراتيجى» يشكل رادعا ضد أولئك الذين قد يميلون إلى إعلان الاستقلال داخل تايوان، فواشنطن تدعم الحكم الذاتى فقط للجزيرة، ومن المؤكد أن إعلان استقلالها رسميا من شأنه أن يؤدى إلى اندلاع أزمة.
إلا أن هذا الموقف قد يتغير مع خروج الكثير من التقديرات العسكرية الأمريكية التى تشير إلى أن بكين قد تستعد لإعادة تضم تايوان إليها بالقوة فى وقت ما قبل حلول عام 2026.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved