أفغانستان تحولت إلى أكبر أزمة إنسانية فى العالم

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الأحد 9 يناير 2022 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة ذا نيويوركير مقالا للكاتبة جان فيرجسن تناول فيه تدهور الأوضاع الإنسانية فى أفغانستان منذ الانسحاب الأمريكى، وزيادة احتمالات أن يعانى معظم سكان أفغانستان من المجاعة والمرض بسبب سوء الأحوال الاقتصادية.. نعرض منه ما يلى.
فى أحد مستشفيات كابول، رقد سبعة عشر طفلا جنبًا إلى جنب على أسرة صغيرة، تتلامس أذرعتهم؛ بعضهم يبكى ويتلوى، والبعض الآخر، شحب لونه. غالبًا ما يكون وزن الأطفال الرضع أقل من أربعة أرطال عند وصولهم إلى وحدة العناية المركزة لحديثى الولادة. تعانى النساء الحوامل فى جميع أنحاء أفغانستان من سوء التغذية، ما يجعلهن يلدن أطفالهن قبل الأوان وغير قادرات على الرضاعة الطبيعية.
يوضع طفلان أو ثلاثة على نفس سرير العناية المركزة، غير النظيف، وبالتالى إما يلتقطون العدوى من بعضهم أو بسبب عدم نظافة المكان.. تقف الأمهات المنهكة بجانب الأسرة تحدقن بعيون واسعة إلى أطفالهن، فحوالى ثلث الأطفال الذين يصلون إلى الوحدة لا ينجون.
بعد شهر من قيام إدارة بايدن بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، كان 17% فقط من أكثر من 2300 عيادة صحية تعمل. يقول الأطباء فى مستشفى كابول إنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ استيلاء طالبان على السلطة، والأدوية شحيحة. تكافح الحكومة الجديدة لإطعام 39 مليون أفغانى، واحتمالية أن يموت طفل أفغانى من الجوع هى الأعلى منذ عشرين عاما. يحتاج نصف سكان أفغانستان إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة، وهو ضِعف الرقم المسجل فى عام 2020. وهناك أكثر من عشرين مليون شخص على شفا المجاعة. يتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أنه بحلول منتصف هذا العام يمكن أن تواجه أفغانستان «الفقر الشامل»؛ حيث يعيش سبعة وتسعون فى المائة من الأفغان تحت خط الفقر المحدد من قبل البنك الدولى والبالغ 1,90 دولار فى اليوم.
نفى قادة طالبان وجود كارثة إنسانية، ورفضهم الاعتراف علنًا بالأزمة المتنامية فى البلاد يؤدى إلى تفاقم أزمة لم يكونوا هم المتسببون فيها. كان أحد أكبر الأخطاء الفادحة فى الجهد الذى قادته الولايات المتحدة على مدى عقدين من الزمن فى أفغانستان هو الفشل فى بناء اقتصاد قائم على الاكتفاء الذاتى، والذى تسبب الآن فى الأزمة الحالية. لا تزال حكومة أفغانستان تعتمد بشكل كبير على المساعدات وغير قادرة على تحقيق عائدات ضريبية كبيرة. مع انهيار الاقتصاد الأفغانى، فإن الإنجازات التى تحققت فى العقدين الماضيين فى مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم آخذة فى الانهيار أيضًا.
•••
مع مواجهة الملايين للمجاعة، يدعو عمال الإغاثة الإنسانية إدارة بايدن إلى الإفراج عن المليارات من أصول الحكومة الأفغانية المجمدة إلى المنظمات الإنسانية. استجابة البيت الأبيض حتى الآن تدريجية؛ فى ديسمبر، سهلت وزارة الخزانة على الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والأفراد إرسال الأموال والإمدادات إلى أفغانستان للمساعدة الإنسانية. فى أكتوبر، قدمت الولايات المتحدة أيضًا 144 مليون دولار إضافية كمساعدات؛ هذا أقل بكثير من المبلغ الذى تسعى الأمم المتحدة جمعه لتفادى حدوث مجاعة فى أفغانستان فى عام 2022.
وفقًا لعمال الإغاثة، يسمح مسئولو طالبان لوكالات الأمم المتحدة بالعمل دون عوائق فى جميع مقاطعات أفغانستان لأول مرة منذ عشرين عامًا. يبدو أنهم قرروا أن عرقلة الجهود الإنسانية يمكن أن تثير غضبًا شديدًا بين الأفغان. فى الوقت نفسه، أقامت حركة طالبان دولة قمعية نفذت أكثر من مائة عملية قتل واختطاف للمسئولين الأفغان السابقين، وفرضت قيودًا شديدة على تعليم الفتيات، وحظرت النساء من العديد من أماكن العمل، وأسكتت الصحفيين المحليين، وضربت المتظاهرات فى الشوارع. تباطأت عمليات الإجلاء لأكثر من ستين ألف مترجم أفغانى وغيرهم عملوا إلى جانب القوات الأمريكية، وتركتهم أمريكا خلفها عند انسحابها الفوضوى. بالمعدل الحالى الذى يتبعه المسئولون الأمريكيون فى فحص المتقدمين وإجلائهم، سيستغرق الأمر شهورا، وربما سنوات، لإجلاء المؤهلين لإعادة التوطين.
اعترف خالد بايندا، الذى شغل منصب وزير المالية بالإنابة قبل سيطرة طالبان، بأن الفساد فى الحكومة الأفغانية ساعد فى تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية. لطالما جادل مسئولو المساعدات من الولايات المتحدة ودول أخرى بأن الفساد فى الحكومة الأفغانية أدى إلى إفساد جهود التنمية. فى عام 2020، صنفت منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد أفغانستان فى المرتبة الخامسة عشرة بين أكثر الدول فسادًا فى العالم. لكن الدول المانحة لأفغانستان التى يزيد عددها عن أربعين دولة خلقت نهجًا مجزأً للتنمية، وغالبًا ما أدت الاعتبارات السياسية داخل أفغانستان إلى تقييد أموال المساعدات لاستخدامها فى مجالات معينة، مثل التعليم. وقال بايندا إن القطاع الخاص نقل أمواله إلى خارج أفغانستان لحفظها بدلا من استثمارها محليا.
فى كابول، أدى تجميد إدارة بايدن لأصول الحكومة الأفغانية إلى منح طالبان انتصارًا، وأعرب الأفغان عن غضبهم من الموقف الأمريكى. فيقول أحد الأفغان «إنهم (أمريكا) يتحدثون عن حقوق الإنسان، وهم أنفسهم ينتهكون قوانين حقوق الإنسان.. لماذا لا يفكّون تجميد الأموال الأفغانية، وهو حق الشعب الأفغاني؟».
أشار محمد صافى، الذى عمل فى وزارة المالية خلال حكومة أفغانستان المدعومة من الولايات المتحدة، إلى أن مجموعات الإغاثة مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة لديها بالفعل أنظمة لتوزيع الأموال مباشرة على الأفغان الأكثر حرمانًا. وقال إن هذا ليس الوقت المناسب لأن ينتظر المجتمع الدولى حتى تتبنى طالبان الحكم الرشيد. فى مدينة هيرات، غرب أفغانستان، تدير منظمة أطباء بلا حدود مركز التغذية العلاجية الوحيد فى مستشفى هيرات الإقليمي؛ يعالج عشرات الأطفال من سوء التغذية ويعمل المركز بما يفوق طاقته.
•••
فى كابول، انتظر العديد من مقاتلى طالبان فى عيادة يديرها الصليب الأحمر قدمت أطرافًا صناعية لجرحى الحرب التى دارت فى البلاد منذ عقود. فى غرفة يتدرب فيها البالغون والأطفال على المشى على أطرافهم الاصطناعية الجديدة، جلس المقاتلون بجانب المرضى المدنيين. يقول الطبيب ألبيرتو كايرو، وهو طبيب إيطالى ساعد فى إدارة العيادة منذ عام 1990، أن المقاتلين من جميع الأطراف يطلبون مساعدته هذه الأيام. ويقول إنه منذ سقوط كابول لم تندلع مشادة واحدة فى غرفة الانتظار المزدحمة بين مقاتلى طالبان وجنود الحكومة السابقين.
يستطرد الطبيب كايرو قائلا إنه يخشى أن يواجه الأفغان المدنيون طقسا شديد البرودة فى الشتاء، بالإضافة إلى المجاعة. منذ الانسحاب الأمريكى، كان المرضى يتوسلون إليه من أجل الطعام والمال، بالإضافة إلى الأطراف الصناعية.. ما لم تتصرف إدارة بايدن وحلفاؤها بشكل حاسم، فإن الإرث الأمريكى الفاشل فى أفغانستان سيتحول من فساد إلى إحداث مجاعة.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved