فيلم أمريكى عن معاملة السود فى الولايات المتحدة

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 9 فبراير 2017 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

نص التعديل الدستورى الثالث عشر على إلغاء الرق، والعبودية، واقترح هذا التعديل فى 31 يناير 1865، وتمت المصادقة عليه فى 6 ديسمبر من العام نفسه. وقبل ذلك بعامين كان الرئيس إبراهام لينكولن قد أعلن تحرير العبيد فى الولايات الكونفدرالية، وقد أكمل هذا التعديل عملية إلغاء العبودية فى الولايات المتحدة كلها على المستوى الرسمى.

ومنذ يومين شاهدت فيلما استثنائيا بعنوان (الثالث عشر ــ The 13th) عن أحوال السود الأمريكيين، وخلص الفيلم الوثائقى الذى تم ترشيحه للأوسكار هذا العام، إلى أن التعديل ليس إلا حبرا على ورق فى الواقع وأن العبودية ما زالت منتشرة فى الولايات المتحدة فى صور عدة من أهمها على الإطلاق «السجون الأمريكية».

يُظهر الفيلم حال السجون الأمريكية المكتظة بما يزيد على ربع المساجين على كوكب الأرض، وذلك على الرغم من أن عدد سكانها يقل عن %5 من سكان العالم. ويؤكد الفيلم أن واحدا من بين كل ثلاثة رجال سود يتعرض للسجن فى حياته. ويعرض الفيلم لحقيقة اكتظاظ السجون بأعداد مساوية لأعداد العبيد فى ولايات الجنوب حال بقائهم هناك، وهو ما يزيد على مليونى رجل. ويعرض الفيلم بالتفصيل كيف تضخمت صناعة السجون فى أمريكا وتوحشت وأصبح هناك لها لوبى قوى للغاية بواشنطن يمثل بالأساس الشركات المتعاقدة مع إدارات السجون من أجل توريد ملابس أو غذاء ملايين المسجونين، أو شركات الأمن الخاصة التى توفر الحماية للسجون الفيدرالية. ويربط الفيلم بصورة بديعة ماضى العبودية فى أمريكا بتاريخ حركة الحقوق المدنية وقبلها بمرحلة إلغاء الرق، ثم ينتقل لكيف استعمل رجال الشرطة البيض لصفة الإجرام وإلصاقها بالرجال السود، وكيف زادت أعدد المسجونين من أقل من مائتى ألف شخص عام 1970 لتتخطى اليوم المليونى سجين، نصفهم من السود على الرغم من أن نسبة الرجال السود لا تتعدى 7% من عدد سكان الولايات المتحدة. وينتهى الفيلم على كلمات دونالد ترامب العنصرية والتى يتودد فيها للشرطة ودولة الحزم والقانون متوعدا من يخرج على القواعد الموضوعة، وفى نفس الوقت تبرر نهاية الفيلم ظهور حركة Black Lives Matter هى حركة نشأت فى المجتمع الأمريكى الأفريقى تهدف إلى التخلص من العنف ضد الأشخاص السود.

***

ميراث العبودية فى أمريكا شديد القبح، وعلى الرغم من توقف استيراد العبيد من أفريقيا عام 1806، فإن الأمر تطلب حربا أهلية ضروسا للتغلب على هذا التراث. ولاتزال هناك مظاهر مختلفة من التفرقة غير القانونية، وهى تفرقة بأثر رجعى تتمثل فى عدم الاندماج الكامل للسود بنسب تعكس تعدادهم فى الحياة العامة على الرغم من وجود رئيس أسود سابق بين عامى 2008 ــ 2016. من هنا يصعب القول إن الأمريكى الأسود قد نال كل الحقوق، والفرص المتاحة لنظيره الأبيض بعد، نعم تحسنت ظروف معيشة السود بشكل عام، لكن الفوارق لا تزال قائمة. صحيح أنهم لم يعودوا يمنعون من دخول المطاعم والمسارح ودور السينما، ونعم هناك الكثير من رؤساء الشركات ورؤساء المدن والصحفيين والناجحين فى كل المجالات، إلا أن هناك معضلات تستعصى على الحل أمام ما يقرب من 40 مليون أمريكى أسود من أهمها الفقر إذ يعيش 26% من السود تحت خط الفقر، وتبلغ هذه النسبة 14% على المستوى القومى، ويقصد بالفقر هنا حصول عائلة مكونة من أربعة أفراد على أقل من 24 ألف دولار سنويا. وفى التعليم يتعرض التلاميذ السود فى حالات الإخلال بالنظام لعقوبات أكثر صرامة من نظرائهم البيض، ويجد الكثير من التلاميذ السود أنفسهم فى مدارس ضعيفة التجهيز. وفى مجال الصحة العامة، يبلغ معدل عمر الأمريكى الأسود أقل من نظيره الأبيض بـ6 سنوات. إلا أن أسوأ المعضلات يتمثل فى قطاع العدالة ونظام المحاكم، إذ يتعرض السود أكثر من غيرهم لرقابة الشرطة فى الأماكن العامة، كما أن احتمال الحكم عليهم بالإعدام يبلغ أربعة أضعاف احتمال الحكم على البيض فى الجرائم المشابهة. وهناك الكثير من الأمثلة الدالة على تهميش السود وصعوبة حصولهم كل الحقوق والمزايا التى ينعم بها نظراؤهم البيض.

***

تكرار حوادث المواجهات بين رجال شرطة بيض فى الأغلب الأعم، وبين شباب أسود وما ينتج عنها من أعمال عنف ومواجهات مختلفة سواء كانت الحادثة مقرها مدينة فيرجسون بولاية ميسورى بوسط أمريكا، أو بضاحية ستاتين أيلاند خارج مدينة نيويورك فى الشمال الشرقى على سواحل الأطلنطى، أو فى شرق مدينة لوس أنجلوس فى قلب ولاية كاليفورنيا المطلة على المحيط الهادى، فقط تذكرنا بأن الطريق ما زال طويلا. ويعود طول الطريق لغياب أبسط قواعد «العدالة الاجتماعية» والمتمثلة فى كيفية توزيع الدخل وتخصيص الموارد وإتاحة الفرص وسياسة منصفة للعقاب والثواب. وما نشهده روتينيا من حوادث عنصرية للشرطة البيضاء، وما يتبعها من أعمال عنف ما هو إلا ترجمة دقيقة لما قاله مارتن لوثر كينج، الزعيم التاريخى للسود الأمريكيين من أن «أعمال الشغب هى لغة غير المسموعين». من هنا يصبح كفاح السود وغيرهم من غير المسموعين عملية مستمرة. وليقتدى سود أمريكا وكل المهمشين، بما قاله مارتن لوثر كينج من أنه «ليس هنالك شىء اسمه نضال لأجل حق صغير، أو ظرفى أو مؤقت، بل هنالك النضال الدائم لأجل إنسان، خلقه الله حرا وعليه أن يعيش حرا وكريما».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved