ما بعد صفقة القرن الأمريكية ــ الإسرائيلية

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الأحد 9 فبراير 2020 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

أُعلنت صفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية فى مؤتمر صحفى مشترك بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، فى واشنطن يوم الثلاثاء 28 يناير 2020 بعد طول انتظار. وكانت مناسبة إسرائيلية بامتياز ليس فقط بعدد الحاضرين من الإسرائيليين واليهود الأمريكيين، بل ومؤيدى إسرائيل أيضا. وقد غيّب الجانب الفلسطينى، وهو الطرف الرئيسى، عن الصفقة طوال الوقت سواء فى مراحل صياغتها وإعدادها أو عند إعلانها. بل أكثر من ذلك فقد عمدت السياسة الأمريكية إلى اتخاذ كل ما هو مستفز ومعاد للفلسطينيين لإبعادهم، ابتداء من الاعتراف بالقدس عاصمة رسمية لإسرائيل، وانسحاب الولايات المتحدة من الأونروا، وإغلاق مكتب الاتصال الفلسطينى فى واشنطن وقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية.
ولم تخرج الصفقة، والتى سُميت بخطة السلام الأمريكية، عما سبق أن أُعلن منها وهو الجانب الاقتصادى والمالى فى الدوحة ــ البحرين، أو الجوانب السياسية الأخرى، بل جاءت أسوأ مما كان متوقعا بعد ما سبق وأكده الرئيس ترامب من أن الصفقة ستكون فى صالح الفلسطينيين، وأنها تقدم حلا كاملا للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن أهم ما يلاحظ على الصفقة:
• إنكار الإدارة الأمريكية لكل ما سبق أن وافقت عليه، أو قدمته من مبادرات ولعل أهمها قرارات مجلس الأمن بالنسبة للقدس وأنها أراضٍ محتلة ومطالبة أعضاء الأمم المتحدة بعدم نقل سفاراتهم من تل أبيب إلى القدس، ومبادرة خارطة الطريق الأمريكية التى أطلقها الرئيس الأمريكى بوش الابن والتى أقرت حل الدولتين ــ أى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وقرار الأمم المتحدة 181 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، وقرار الأمم المتحدة 194 بشأن عودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم هم وأسرهم وأبنائهم وأحفادهم، ورأى المستشار القانونى للخارجية الأمريكية فى عهد الرئيس كارتر بأن إقامة المستوطنات المدنية على الأراضى المحتلة مخالف للقانون الدولى وغير شرعى.
• تنصل إسرائيل من كل ما سبق والتزمت به ابتداء من اشتراط قبول عضويتها فى الأمم المتحدة عام 1949 باعترافها وقبولها قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، وقرار عودة اللاجئين الفلسطينيين، ولم تُقبل عضويتها إلا بعد إعلانها رسميا التزامها بالقرارين. وكذلك عدم التزام إسرائيل برأى المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية فى عهد رئيس الوزراء ليفى شكول من أن إقامة مستوطنات مدنية إسرائيلية على الأراضى المحتلة مخالف للقانون الدولى وغير شرعى. كما لم تلتزم باتفاق أوسلو الذى تضمنه الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد الرئيس كلينتون، ولم تلتزم بخارطة الطريق، وظلت تماطل فى مفاوضات مع الفلسطينيين على مدى 22 سنة استغلتها للتوسع فى المستوطنات وتهويد القدس وتقطيع أوصال الأراضى الفلسطينية المحتلة وحصار الشعب الفلسطينى عسكريا واقتصاديا وسياسيا.
• والأغرب من ذلك كله أن الجانب المالى والاقتصادى فى الصفقة كله عوار، أولا أن من أطلقوا الصفقة لا يتحملون أعباءها المالية بل الدول العربية، وثانيا أن مبلغ الخمسين مليار دولار أمريكى موزع على دول الجوار والفلسطينيين ولا يخص الفلسطينيون منه إلا نحو 28 مليار دولار أمريكى فقط ثمن قضيتهم وأراضيهم وتشريد شعبهم، ولن يقدم المبلغ كله لهم مرة واحدة.
• أن ما يسمى ادعاء دولة فلسطينية هو مجرد اسم بلا مسمى، فلا سيادة لها وهى ليست مسئولة عن أمنها وحدودها وسمائها وأرضها ومياهها الإقليمية ولابد أن تقدم شهادات دورية عن اتباع الحياة الديمقراطية والحريات العامة وفقا للمعايير الأمريكية، وهى دولة منزوعة السلاح، وليس من حقها عقد اتفاقيات مع دول أخرى، وعاصمتها فى ضاحية أبوديس على أطراف القدس الشرقية.
• اشتراط الصفقة إقرار الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، أى أن كل من هو ليس يهوديا فى إسرائيل يعتبر مواطنا من الدرجة الثانية وهذا يمثل سياسة عنصرية ضد فلسطينى 1948 المقيمين فى إسرائيل.

***

لذا فقد كان رد الفعل تجاه خطة السلام الأمريكية (الصفقة) عربيا ودوليا سلبيا للغاية:
• أصدر وزراء الخارجية العرب عقب اجتماعهم فى القاهرة فى 1/2/2020 قرارا برفض صفقة القرن؛ لأن فيها انتهاكا لحقوق الشعب الفلسطينى والقانون الدولى. ورفض التعامل مع هذه الصفقة لمخالفتها لكل الاتفاقات والقوانين والقرارات الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطينى. والتأكيد على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وإعادة التأكيد على اختيار السلام وفقا لمبادرة السلام العربية الصادرة عن القمة العربية فى بيروت 2002.
• تأكيد سكرتير عام الأمم المتحدة على أن حل القضية الفلسطينية هو حل الدولتين وفقا لقرارات المنظمة الدولية والقانون الدولى.
• وأكد وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى بأنهم راضون عن القرار الصادر من الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب والذى رفض خطة السلام الأمريكية وقدم الدعم للتحركات الفلسطينية القادمة الرامية للتصدى للخطة عبر الدعوة لاجتماعات لمنظمة التعاون الإسلامى، والاتحاد الإفريقى، وحركة عدم الانحياز، إضافة إلى طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن فى 11 فبراير 2020.
• وقال أمين عام جامعة الدول العربية إن أساس التفاوض مع إسرائيل المقبول فلسطينيا يشمل تأسيس عمليات السلام والمفاوضات على المرجعيات الدولية وحل الدولتين والانسحاب إلى حدود 1967.
• وقد عقدت منظمة التعاون الإسلامى مؤتمرا طارئا على مستوى وزراء الخارجية فى جدة يوم 3 فبراير 2020 وأكد رفضه لخطة السلام الأمريكية، ورفض التعامل معها لنفس الأسباب التى أدت لرفض وزراء الخارجية العرب للصفقة، كما أكدوا تأييدهم ودعمهم للشعب الفلسطينى وحقه فى إقامة دولته على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
***
وأبعد من ذلك كله فقد شهد شاهد من أهلها وهو الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر ورائد تحقيق السلام بين إسرائيل ومصر، حيث أكد أن خطة الرئيس ترامب للسلام فى الشرق الأوسط تنتهك القانون الدولى بشأن تقرير المصير، وحيازة الأراضى بالقوة، وضم مناطق محتلة، كما أنها تشجع على إنكار الحقوق المتساوية للفلسطينيين فى إسرائيل (يقصد فلسطينى 1948 داخل إسرائيل)، وتقوض فرص السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وستقضى، فى حال تطبيقها، على حل الدولتين.
كما حذر الملك عبدالله الثانى، ملك الأردن، من أنه إذا طبقت خطة السلام التى أعلنها الرئيس الأمريكى ترامب وقامت إسرائيل بضم غور الأردن، فإن هذا يعنى إلغاء اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل.
هذا بينما صرح مسئول أمريكى بأنهم يعلمون أن كل الدول العربية لا تعارض خطة السلام الأمريكية، وأنه بالحوار قد تتغير مواقف دول أخرى.
ولكن إذا كانت صفقة القرن قد سرعت عقد اجتماع مشترك بين فتح وحماس والحديث عن استكمال المصالحة الوطنية الفلسطينية، فإن التحدى كبير للغاية ويتطلب مساندة قوية وفعالة من الدول العربية والإفريقية والإسلامية وعدم الانحياز، ودعم الفلسطينيين ماليا واقتصاديا وثقافيا لمنحهم قدرة على الصمود فى وجه تحديات المرحلة القادمة، ومن المهم للغاية العودة إلى اللجنة الرباعية، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، وتنشيط دور روسيا التى اتخذت موقفا هادئا من صفقة القرن أثناء زيارة نتنياهو لموسكو عقب إعلان الصفقة مباشرة إلا أنها أعلنت فيما بعد رفضها لها، والهدف من حشد كل ذلك ألا تمضى إسرائيل فى استكمال تطبيق ما تبقى من صفقة القرن متجاهلة كل الرفض والاعتراضات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved