بين حق الإمام وحقوق الأمة فى الإسلام

رجائي عطية
رجائي عطية

آخر تحديث: الأربعاء 9 فبراير 2022 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

هذا الموضوع، يثير ولا يزال يثير جدلا ـ لا سيما ما تثيره الجماعات الغالية المتطرفة، واضعةَّ الإمام الذى تختاره لقيادة جماعتها، فوق القانون، ويشذ البعض ليعتبره ظل الله فى الأرض، يحكم بلسانه، ويعبر تعبيرًا مقدسًا عن الإرادة الإلهية، ومن ثم كان صورة لها نائبًا عنها لا يجوز مساءلته ولا مخالفته ولا مراجعته ولا مناقشته.
وليس هذا صحيحًا، بل هو أبعد ما يكون عن الإسلام، فالإمام فى الإسلام هو وكيل الأمة، فى إقامة نظامها وحدود الله، ولذلك فإن حق الإمام فى التبعية مرادف لحق الأمة ما دام قائمًا بهذا الواجب أى بهذه الأمانة.
وعلى ذلك فوجوب طاعته، هى فيما يدعو إليه لمصلحة الأمة.
وليس له أن يعطل حدود الله، أو أن يقيم حدًّا فى غير موضعه.
وعليه تقع تبعة الأمة فى تقدير مصالحها وضروراتها وما يترتب على ذلك من إجراء الأحكام والتوفيق بينها وبين أحوالها.
وموضع الاجتهاد الذى يطلب إليه فى مسائل التشريع، ما سبق تفصيله من أقوال الفقهاء فى أبواب القياس والاستحسان والاستصلاح وغيرها من أصول استنباط الأحكام من واقع أدلتها التفصيلية، فيما يحيل فيه الأستاذ العقاد ـ إحالة فى موضعها ـ على ما أجمله العالم الفاضل الشيخ عبدالوهاب خلاف فى كتابه عن مصادر التشريع الإسلامى، وأيضًا كتابه فى «أصول الفقه» وهو ما أسلفناه فى تناول كتاب «التفكير فريضة إسلامية» وما أحلت وأحيل عليه من كتابى: «الإسلام يا ناس» (2013).
ويعنى الأستاذ العقاد عناية فى محلها، بوجوب الاجتهاد، وأوله جواز الاجتهاد بل وجوبه وأمثلته كثيرة فيما ثبت من أعمال النبى عليه الصلاة والسلام وأعمال الخلفاء الراشدين، لا سيما الفاروق عمر، فضلا عن الإمام على الذى كان الفاروق يقول عما يفتيه فيه: لولا على لهلك عمر.
ومن اجتهادات عمر مدة خلافته: الإعفاء من العقوبة (استنادًا للضرورة فى عام المجاعة)، وإسقاط سهم المؤلفة قلوبهم، وفرض الخراج، وإنشاؤه من المكافآت والعقوبات ما لم يكن معمولا به قبل خلافته.
وليس صحيحًا ما يظنه البعض أن الفاروق خالف النص فى قضية سهم المؤلفة قلوبهم، وإنما الصحيح أنه اجتهد فى فهم النص وتطبيقه كما ينبغى.
وأنفذ عمر فتوى على رضى الله عنهما حين أفتى بمعاقبة شارب الخمر بعقوبة القاذف، أخذًا بأن المخمور لا يملك لسانه، وأمضى أيضًا كثيرًا من المكافآت على هذا القياس.
ومن اجتهاد عثمان ـ الأمر بكتابة المصحف على حرف واحد منعًا لاختلاف الألسنة فى القراءة.
ويوشك «الإمام علىّ» ــ أن يكون له رأى فى كل معضلة عرضت للخلفاء من قبله، فضلا عن فتاواه فى خلافته، وربما رأى الرأى ثم عدل عنه ثم عدل عن عدوله كما حدث فى فتواه ببيع أمهات البنين، والذى استقر فيه على المنع أخذًا بما اتفق عليه مع عمر.
وقد ساهم أهل الذكر من العلماء فى دعم أسس التشريع واستنبطوا له الضوابط والآداب من كتاب الله وأحاديث الرسول ومأثور السلف الصالح، وخلصت لهم من جهودهم نخبة قيمة من القواعد والشروط يحق أن نسميها «قوانين التقنين».
ومن هذه القواعد ـ تمثيلا لا حصرًا ـ أن اليسر مفضل على الحظر فى أوامر الشرع ونواهيه، وأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، وأن ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن، وأنه «لا يجوز إقامة الحد مع احتمال عدم الفائدة».. أو الضرر من باب أولى، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأنه لا ضرر ولا ضرر، وأن اختيار أخف الضررين مصلحة، وأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وأن الصلح جائز بين المسلمين إلاَّ ما أحل حرامًا أو حرَّم حلالا.
ومن ضوابط التشريع فصل السلطات وفصل عمل الحكم عن عمل التنفيذ، وحق النقض «فيما خالف نص آية أو سنة أو إجماع..».
ومن البداهة أنه ليس للإمام أكثر مما كان للنبى عليه الصلاة والسلام.. فإليه وعنه تحدثت آيات القرآن الكريم فقالت...
«لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىءٌ» (آل عمران 128).
«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ» (الكهف110).
«وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ» (ق45).
وهو عليه الصلاة والسلام كان مأمورًا بمشاورة المسلمين.
«وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ» (آل عمران159).
والمسلمون مأمورون بالمشاورة فيما بينهم..
«وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى 38).
وليس حق الإمام بالبداهة حقًا لشخصه، وإنما بموجب البيعة والأمانة العامة..
ومن تمام التكافل «والتضامن» فى المجتمع الإسلامى ـ أن أمانة «الإمامة» لا تعفى الأمة من واجب النصح له، ولا تحله من واجب الاستماع وخفض الجناح الذى أُمِر به رسول الدعوة عليه الصلاة والسلام.. «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ» (الحجر 88)، «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (الشعراء 215).
وختام القول، أن باب التشريع مفتوح فى كل عصر وكل مجتمع، وأنه يكفل للأمة الإسلامية ما يكفل حق السيادة وزيادة.. ما بقى التشريع مستمدًا من ضمير الإنسان وكلمة الله.
وقد أوقع الجهل ــ أوقع البعض، فى الزعم بأن الإسلام ينطوى على نقائض، وادعى هذه النقائض نقاد أجانب، ومرد هذا الخطأ إما إلى الجهل بالإسلام، أو الجهل باللغة العربية، وهو جهل يؤدى ــ شاءوا أم أبدا ــ إلى خطأ قراءتهم، وخطأ فهمهم لما أولوه تأويلا شاردًا مرده إلى الجهل باللغة المكتوب بها.
من ذلك فيما يقول الأستاذ العقاد فى كتابه الضافى عن حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، كتاب وضعه أحد هؤلاء عن «الشيطان»، جعل يلم فيه بصفة «إبليس» المذكورة فى الإسلام، ويستغرب من الدين أن يقول عن الله إنه أمر الملائكة بالسجود لآدم، مع أنه الدين الذى اشتهر بالتشدد فى إنكار وتكفير كل سجود لغير الله.
ومرجع خطأ الكاتب أنه فهم السجود بمعنى الصلاة دون غيرها من معانى الكلمة فى اللغة العربية، وهى معانٍ معروفة فى اللغة العربية قبل أن يعرف العرب صلاة الإسلام.. ولم يفهم العرب من الكلمة أنها تنصرف إلى العبادة دون غيرها، من ذلك أنهم يقولون: «سجدت عينه» أى أغضت، وأسجد عينه أى غض منها، وسجد أى غض رأسه بالتحية.. ولا تناقض على معنى من هذه المعانى بين السجود لآدم وتوحيد الله. فالسجود هنا هو التعظيم المستفاد من القصة كلها، وهو تعظيم الإنسان على غيره من المخلوقات.. والذى فيه قال القرآن الكريم «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا» (الإسراء 70).
وبعض هؤلاء النقاد يرى أن الإسلام مناقض بطبيعته للعمل والسعى، لأنهم فهموا خطأً أن الإسلام تواكل وتسليم إلى الله بغير حاجة إلى الحول والقوة، لأنه لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وجهل هؤلاء بالفهم أكبر من جهلهم باللغة.. فالإسلام أكثر دين دعا للعمل والسعى، وهو يحرم على المسلم أن يسلم للظلم أو للتحكم، وينهاه أن يستسلم للخيبة وللقسمة الجائرة، أو أن يستسلم لقضاء لا يرضاه ويعلم أن الله لا يرضاه.
وبعضهم رأى أن الإسلام والسلم نقيضان، لأنه فهم كلمة أسلم على أنها من قبيل التسليم فى الحرب أو تحاشيًا وخوفًا من القتال.. وفات هؤلاء أن كلمة «أسلم» فى الحرب مأخوذة من إعطاء اليد أو بسطها للمصافحة، وأن مقصود الكلمة فى الدين أنها استقبال الله والاتجاه إليه، وأن من أسلم وجهه لله فقد استقبل طريقه وأعطاه وجهه.
وقد ورد فى قصة إبراهيم عليه السلام فى سورة البقرة بالقرآن الكريم، قوله عز وجل لنبيه أن أسلم قال أسلمت لرب العالمين..
«وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِى الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» (البقرة 130 ، 131).
‏Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved