ما موقف الإخوان المسلمين من التنمية الاقتصادية؟

جلال أمين
جلال أمين

آخر تحديث: السبت 9 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

الخلاف بين المذاهب فى موضوع التنمية الاقتصادية يمكن رده فى النهاية إلى اختلاف فى مسألة واحدة أساسية:

 

«ما هى الطبقة الاجتماعية التى تتعاطف معها؟ الأغنياء أم الفقراء؟ أرباب العمل أم العمال؟». قد يبدو هذا تبسيطا للأمور أكثر من اللازم، ولكن الحقيقة فى رأيى لا تبعد كثيرا عن ذلك. فهكذا يمكن تفسير الخلاف حول الدرجة المطلوبة من تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى حول دور القطاع العام بالمقارنة بدور القطاع الخاص، حول نوع الضرائب التى يستحسن فرضها، وما هى درجة الانفتاح المطلوبة على العالم؟ وما القيود التى يحسن فرضها على هذا الانفتاح وما مدى تشجيعك لرءوس الأموال الأجنبية وما القيود التى ستفرضها عليها؟ وما هو موقعه من مصادر تمويل التنمية: القروض الخارجية أم تعبئة الفائض من الداخل، سواء عن طريق الضرائب أو الملكية العامة؟ وما هو موقعك من المؤسسات المالية الدولية: هل ستقبل كل شروطها أو تحاول التخفيف منها أو ترفضها وتعتمد على نفسك؟ ما موقفك من قانون الإصلاح الزراعى؟ وكذلك موقفك مما إذا كنت على استعداد لقبول معدل منخفض لنمو الناتج القومى مع الاهتمام بإعادة توزيع الدخل، أم تعتبر تعظيم معدل النمو هو الهدف الأسمى الذى يهون فى سبيله أى تدهور فى توزيع الدخل.. إلخ.

 

الخلاف بين المذاهب المتعددة فى موضوع التنمية ليس خلافا حول مسائل فنية (من نوع: هل تخفيض سعر الصرف سيزيد من الخلافات التى يسهل تسويتها وحسمها، فهو خلاف ينبع فى الأصل من اختلاف فى المصالح أو فى المواقف الأخلاقية، بل ومن دوافع نفسية. والناس كثيرا ما يخفون مصالحهم ومواقفهم الأخلاقية ودوافعهم النفسية. قد يتظاهر الجميع بشىء وهم يضمرون عكسه، وقد يتفقون فى الظاهر وهم مختلفون اختلافا شديدا فى الحقيقة. ولهذا يجب ألا ننخدع بما ىقال، وألا نكتفى بالشعارات التى ترفع، بل لابد من الغوص لاكتشاف النية الحقيقية وترجمة الشعارات إلى إجراءات محددة.

 

فمثلا، الجميع يقولون إنهم يريدون «العدالة الاجتماعية». فهل نتوقع من أحد أن يقول إنه يكره العدل؟ ولكن مفهوم العدل عند الغنى أو عند رب العمل، غيره عند الفقير أو عند العمال. وما أكثر ما سمعناه عن نية العمل لصالح «محدودى الدخل»، دون أن يحدث أكثر من محاولة تصبير محدودى الدخل بالفتات، من أجل أن يستمر ذهاب ثمرات التنمية إلى «مرتفعى الدخل». كذلك لا يجب أن تسلم قيادة لكل من يزعم أنه سيطبق «شرع الله»، فما أكثر ما سمعنا استخدام هذا الزعم فى الدفاع عن مصالح الأغنياء، كما استخدم أحيانا فى الدفاع عن مصالح الفقراء. هل تتوقع من أحد أن يقول إنه «لن يطبق شرع الله»؟ ولكن مفهوم «شرع الله» عند الغنى وعند رب العمل قد يختلف عنه عند الفقير أو عند العمال.

 

<<< 

 

فى ضوء ما تقدم دعنا نتساءل: «ما موقف الإخوان المسلمين من قضية التنمية الاقتصادية فى مصر؟» مرة أخرى: يجب ألا ننخدع بالعبارات العامة (من نوع تحقيق العدالة الاجتماعية، أو التقريب بين الطبقات، أو العمل لصالح محدودى الدخل... إلخ). ولا باقتباس نصوص مقدسة من القرآن الكريم أو السنة النبوية للتدليل على الموقف الذى سوف يتخذه الشخص الذى يقوم بهذا الاقتباس. بل يجب أن نحاول اكتشاف الموقف الحقيقى من الشواهد العملية. ومن تلك الشواهد، ليس فقط ما فعله الإخوان المسلمون منذ تسلموا الحكم فى مصر منذ ثمانية أشهر، بل وأيضا الطبقة الاجتماعية التى ينتمى إليها زعماء الإخوان المسلمين، وإلى أى حد تنبئ تصرفاتهم الشخصية عن تعاطفهم مع هذه الطبقة الاجتماعية أو تلك.

 

لن أعلق أهمية كبيرة على عدم قيام حكومة الإخوان باتخاذ إجراء لصالح الفقراء طوال الأشهر الثمانية السابقة، فأنا أدرك أن حالة عدم الاستقرار السياسى وتدهور الأحوال الاقتصادية قد يبرران عدم القيام بعمل مهم من هذا النوع. ولكننا نلاحظ أيضا أن أشياء كان من الممكن القيام بها مما كان يمكن أن يبعث ببعض الطمأنينة فى نفوس الفقراء، ولكنها لم تحدث، وأشياء أخرى كان من الممكن الامتناع عنها ولا تبعث على هذا الاطمئنان، ولكنها حدثت بالفعل.

 

لابد أيضا من الإقرار بأن التعاطف مع الفقراء لا يُستشف من مجرد كونك واحدا منهم، فكم عرف التاريخ من رؤساء أتوا من أصول اجتماعية متواضعة ثم تبنوا سياسات ضد مصلحة الفقراء. والعكس صحيح أيضا، فكم من رؤساء أتوا من أصول عريقة الثراء، خانوا طبقتهم وكرسوا حياتهم لصالح الفقراء. إذن، فبصرف النظر عن الأصول الطبقية لهذا الرئيس أو ذاك، لا أظن أنه كان من الصعب على رئيس مصرى، حتى فى ظروف سياسية غير مستقرة، وفى ظل أزمة اقتصادية حادة، أن يبدأ فى القيام بأشياء تبعث الطمأنينة فى نفوس الفقراء، والثقة بأن النظام الجديد يتعاطف مع قضيتهم، بل ولم يكن من الصعب عمل ما يبدأ فى إحداث بعض التحسن فى أحوالهم، بدلا من التعلل المستمر بأن الظروف الاقتصادية صعبة، أو بأن هذا التحسن يتوقف على عقد قرض مع صندوق النقد الدولى وأن هذا العقد لم يتم بعد... إلخ. ما الذى فعلته حكومة الإخوان مثلا لإصلاح حالة السياحة لتمنع ازدياد أعداد المتبطلين، ولتحقيق استتباب الأمن الذى أدى تدهوره إلى زيادة أحوال الفقراء سوءا؟ ما الذى فعلته فى سبيل استرداد الأموال التى نهبها رجال العهد السابق، بدلا من كل هذه الإجراءات الشكلية والتصريحات المتناقضة التى لا يترتب عليها أى شىء يفيد منه الفقراء؟

 

لم يحدث أى شىء ذو أثر لا لزيادة موارد الدولة وتوجهها لصالح الفئات الأقل دخلا، ولا لتخفيض النفقات التى لا يفيد منها إلا الأغنياء وأصحاب السلطة. عندما ينتقد البعض ما ينفق على حماية الرئيس وهو ذاهب لصلاة الفجر، وكثرة عدد الضباط والجنود الذى يصطفون لحراسته، بينما يستطيع أن يؤدى نفس الصلاة فى جامع قريب أو حتى فى جامع القصر الجمهورى، فلا يكلف ميزانية الدولة كل هذه الأعباء، عندما ينتقد البعض ذلك، فما الفائدة التى تعود من الرد عليهم بالقول بأنهم على الأرجح أشخاص لا يؤدون صلاة الفجر؟ ما دخل صلاة الفجر فيما إذا كانت ستضغط أو لا تضغط النفقات غير الضرورية لإنفاقها فى مجالات ضرورية يفيد منها الفقراء؟

 

أو كيف يشعر الفقراء والمتبطلون من شباب المتعلمين عندما يعرفون أن ابن الرئيس قد تم تعيينه بمرتب باهظ، وهو متخرج حديثا من كلية تخرج منها عشرات الآلاف من أمثاله ولم يحصلوا على أى وظيفة لعدة سنوات مضت؟ وما الذى يمكن أن يستنتجه المرء من ذلك فيما يتعلق بدرجة التعاطف الذى يحمله الرئيس تجاه هذا الجيل البائس من المصريين؟

 

مهما تكرر الكلام عن هدف تحقيق العدالة الاجتماعية أو النهضة بأحوال الفقراء من المصريين، وعن حث الدين على التعاطف مع الفقراء والمساكين، ما الذى يمكن أن يستنتجه المرء عندما يعرف أن مسئولين كبارا فى الحزب الذى ينتمى إليه الرئيس، (ويقال إنهم هم الذين يوجهون ويحددون سياسته) اشتهروا أيضا بأنهم من كبار الأثرياء ورجال الأعمال، ولكنهم لم يشتهروا بإقامتهم مشاريع خيرية ضخمة، كبناء مستشفى مجانى فى حى فقير، أو تمويل جامعة مجانية للنابغين أولاد الفقراء... إلخ).

 

ما الذى يدفع المرء إلى الثقة بأنهم عندما تتاح لهم الفرصة كاملة لخدمة الفقراء سوف يقومون بخدمتهم بالفعل دون أن يسعوا إلى تكوين المزيد من الثروات؟

 

نحن نعرف كثيرين من الاقتصاديين المصريين، من غير المنتمين إلى الإخوان المسلمين، وممن يطلق عليهم اليوم أحيانا وصف الليبراليين أو الداعين للدولة المدنية، فمن انتقدوا بشدة سياسات المؤسسات المالية الدولية فى الدول الفقيرة، وعلى الأخص صندوق النقد الدولى، على أساس أن هذا الصندوق يخدم مصالح الرأسمالية العالمية ولو على حساب فقراء الدول التى يتعامل الصندوق معها. وعلى هذا الأساس رفض هؤلاء الاقتصاديون المصريون عرض القرض المقدم من الصندوق فى الأزمة الاقتصادية الحالية، أو على الأقل توجسوا منه الشر، وطالبوا بإعلان الشروط التى يجرى عليها التفاوض مع الصندوق. فلماذا أحجمت حكومة الإخوان عن إعلان هذه الشروط؟ ولماذا ساروا شوطا بعيدا للوصول إلى الاتفاق مع الصندوق، ولم يصل لنا علم بأن تعثر توقيع عقد القرض كان بسبب رفض حكومة الإخوان لشروط تضر بمصالح الفقراء، بل ظهرت أدلة قوية ترجح الاعتقاد بأن هذا التعثر كان بسبب تردد الصندوق وإحجامه عن تقديم القرض، وليس بسبب تردد الحكومة المصرية أو إحجامها.

 

إننا فى ظل الغياب الكامل لأى شفافية، وفى ظل اعتيادنا على التعارض الصارخ بين ما يقال وبين ما يتم عمله، ليس أمامنا إلا استخدام العقل فى الاستنتاج مما نراه ونسمعه من شواهد. وهذه الشواهد لا تدل إلا على شىء واحد للأسف: وهو أن التعاطف الحقيقى لدى قادة جماعة الإخوان المسلمين، ومن يحكم مصر منهم، ليس مع فقراء المصريين، ومن ثم فإن مذهبهم فى التنمية الاقتصادية ليس من النوع الذى يمكن أن يفيد الفقراء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved