كيف نتعلم

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 9 مارس 2019 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

 منذ عدة أسابيع قررت حضور محاضرة تلقيها باحثة في علم الأعصاب (Neuroscience) عن كيفية التعلم، الذي أثار شهيتي لهذه المحاضرة هي أنها لا تأتي من متخصص في علوم التربية أو علم النفس بل من علم الأعصاب أي ما يحدث داخل المخ البشري من عمليات أثناء التعلم، عندما نعلم ماذا يحدث داخل المخ حين نحاول أن نتعلم شيئاً فهذا يساعدنا على استخدام طرق أكثر فعالية في التعليم ... ولكن أي تعليم نتحدث عنه هنا؟

 أول ما يتبادر إلى الذهن حين نسأل كيف نتعلم هو التعليم في قاعة المحاضرات ولكن هذا نوع واحد من التعليم، هناك أنواع أخرى: تعليم نفسك مهارة جديدة أو معلومات جديدة، توصيل العلم للعامة بطريقة أكثر فعالية، تعليم الأهل لأبنائهم، توصيل معلومة لصانع القرار بطريقة جيدة ... إلخ.

دعني ألخص لك بعض النقاط الهامة في تلك المحاضرة ولكني لن أدخل في تفاصيل علمية عن الأعصاب أو تشريح المخ ولكن سأسرد طرق تعليم تساعد على التعلم بطريقة أفضل حسبما يرى علم الأعصاب.

 يمكننا أن نتخيل أننا نمتلك ذاكرتين: واحد قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد، عندما نريد تعلم شئ ما فيجب أن ننقله من الذاكرة القصيرة الأمد للذاكرة الطويلة الأمد لأن القصيرة الأمد لا تحتفظ بالمعلومات كثيراً ولا تحتفظ بمعلومات كثيرة وعندما نواجه شيئاً جديداً فإنه يدخل أولاً في تلك الذاكرة القصيرة، فكيف ننقله للذاكرة الطويلة الأمد؟ هناك أربع طرق لذلك يمكنك استخدامها كلها أو بعضها.

 الطريقة الأولى أنك يجب أن تربط ما تعلمته للتو بما تعرفه من قبل ولقد تحدثنا في مقال سابق عن شئ مشابه عندما قلنا أن العلم كل مترابط ولكل علم تأثيره على العلوم الأخرى ويتأثر بها، هنا أيضاً نفس الشئ عندما تقرأ معلومة تاريخية مثلاً حاول أن تربطها بما تعرفه عن تاريخ تلك الفترة أو تاريخ تلك الأسرة أو الشخص أو البلد كأنك تضع لبنة في بناءك المعرفي  وكلما تعلمت أكثر إرتفاع البناء أكثر.

 الطريقة الثانية هي إعادة مراجعة ما تعرفه على فترات متابعدة، فلا تتعلم شيئاً اليوم وتراجعه في اليوم التالي بل يجب أن تترك فرصة لعقلك ليراجعه في اللاوعي ثم تراجعه أنت بعد أسبوع مثلاً، بعد عدة مرات من المراجعة المتابعدة ستنتقل المعلومات للذاكرة الطويلة الأمد وسترى أنك قادر على استرجاع المعلومات أو المهارة بعد وقت طويل بنفس الكفاءة، وهنا يجب أن نذكِر الطلاب أن تعلُم شيئأ جديداً قبل الإمتحان بوقت قصير لن يجعلك تتعلمه بل يجعلك تحفظه لفترة حتى تضعه على الورق في الإمتحان ثم تخرج خالي الذهن من المعلومات!

 الطريقة الثالثة هي استخدام أمثلة كثيرة عند التعلم، وإن لم تجد أمثلة في البحث أو المعلومة التي تقرأها فحاول أن تأتي أنت بأمثلة من تأليفك، كلما زادت الأمثلة كلما سهل التعلم وكما قيل في المثل العربي "بضرب المثال يتضح المحال"، ويمكنك أن تشرح المعلومة لشخص آخر لا يعرفها وهذا يساعد على تأليف أمثلة لتسهيل التدريس، فقد قيل أنك عندما تدرس شيئاً لشخص آخر فهناك شخصان يتعلمان.

 الطريقة الرابعة هي استخدام عدة وسائل لتوصيل المعلومة مثل القراءة وفيلم تسجيلي مثلاً أو القراءة ثم حضور محاضرة أو حضور محاضرة ثم مناقشة الموضوع مع شخص آخر، يمكنك استخدام هذه الطريقة مع الطريقة الثانية (الاسترجاع) فتقرأ المعلومة ولكن تسترجعها عن طريق إلقاء محاضرة أو شرحها لآخرين.

ما يلفت النظر في تلك المحاضَرة أن المحاضِرة ليست أستاذ في الجامعة ولكنها باحثة ما بعد الدكتوراه (postdoc) أي أنها أصغر سناً من كثير من الأساتذة الحاضرين ولكن في هذا التخصص هي أعلم منهم، في هذه المحاضرة هي الأستاذ والحاضرون هم الطلبة ولا يخجل أستاذ في الستين من العمر من حضور هذه المحاضرة ومثلها الكثير ويسأل ويستفسر مثل أي طالب يريد أن يتعلم، التعلم في أي سن ومن أي شخص يعتبر شرف وليس مهانة، لن ترى أحداً يقول "في سن عيالنا وجاية تعلمنا"، العالم الحقيقي هو من يعيش كطالب ولا يخجل من ذلك، وهنا أوجه كلمة صغيرة لأبنائنا الطلاب: إذا رأيت أستاذك يجلس في محاضرة ويسأل أسئلة وإذا سألته عن شئ وقال لك "لا أعلم" فيجب أن يزيد إحترامك وتقديرك لأخلاقه ... وعلمه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved