قوانين الأحوال الشخصية.. حقوق منقوصة للنساء

سهام على
سهام على

آخر تحديث: الثلاثاء 9 مارس 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

طالعتنا الصحف خلال شهر فبراير الماضى بقيام الحكومة بتقديم مسودة حول قانون جديد للأحوال الشخصية إلى مجلس النواب، ليكون أحد التشريعات المهمة المتوقع أن ينظرها المجلس النيابى فى الفصل التشريعى الثانى، وذلك بسبب تأثير القانون المباشر على الأسرة المصرية، هذا وقد أتى ذلك التشريع بعد مطالبات واسعة طال أمدها لتنظيم الحقوق داخل قانون الأحوال الشخصية سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الجمعيات والمؤسسات العاملة فى مجال حقوق الأسرة بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص.
ذلك القانون الذى يلعب دورا مهما وشديد الخطورة فى تحديد العلاقات الاجتماعية فى مصر، باعتباره القانون الأشد صلة بالحياة اليومية للمواطنين والمواطنات والأكثر اقترابا وتأثيرا فى الوحدة الأساسية للمجتمع متمثلة فى الأسرة، فهو القانون الذى يحكم شئون الأسرة والعلاقة بين أطرافها، محددا حقوق وواجبات كل من أفرادها وعلاقاتهم ببعضهم البعض، كما يضبط أمور الزواج والطلاق ورعاية الأطفال والأمور المالية سواء أثناء العلاقة الزوجية أو الناتجة عن الطلاق، كما أنه من ناحية أخرى يكشف عن وضع المرأة فى التراتبية الاجتماعية، والتى تمثل أوضاعا شديدة الحساسية، قد تعتبر مؤشرا على مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بها.
***
على الرغم من ذلك إلا أنه بإلقاء الضوء على ما تم نشره عن ملامح مسودة القانون الذى تم التقدم به، للأسف وجدنا به الكثير من المواد التى تجعل النساء فى مرتبة أقل من مرتبة الرجال مفتقرا بذلك إلى مبدأ المواطنة، والذى صدمنا مقارنة بما كان مأمولا لدينا من هذا المشروع وذلك لعدة مواد صادمة داخل المشروع يتمثل أهمها فى:
المادة التى تجيز للولى الحق فى المطالبة قضاء بفسخ عقد النكاح، إذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء، أو من دون مهر المثل بشرط أن يكون ذلك قبل الدخول خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ العلم به أو تاريخ العقد أيهما أقرب.
بالنظر لمفهوم الكفاءة فى اللغة، هى لفظ يعنى المماثلة فى القوة والشرف، وعلى ذلك فإن الكفاءة فى الزواج تعنى أن يكون الزوج مساويا لزوجته، ولما كان مفهوم الكفاءة مفهوما نسبيا، إذا فمن المسئول عن تحديد معيارها وما هو معيار المساواة بين الزوجين، فربما ما تراه الفتاة المقبلة على الزواج من شخص ما، هو عين الكفاءة بالنسبة لها بينما لا يرى وليها ذلك، وماذا لو كانت هذه الفتاة عاقلة بالغة لسن الرشد ولديها من التمييز ما يجعلها هى الأول والأخير فى تحديد مصلحتها، بينما من الممكن أن يكون وليها أقل منها فى التعليم والوعى الثقافى، بل ربما يكون أصغر منها سنا فى بعض الأحيان، للأسف لازال القانون ينظر للمرأة على أنها شىء منقوص لابد من فرض الولاية عليه حتى فى أهم قراراته ألا وهو الزواج.
كما تناول مقترح مشروع القانون شروط إيقاع الطلاق من ناحية الزوج، وذلك بأن يكون الزوج عاقلا مختارا واعيا ما يقول قاصدا النطق بلفظ الطلاق عالما بمعناه وأن يكون الطلاق منجزا، ولم يقصد به اليمين، أو الحمل على فعل شىء أو تركه، كما نصت على عدم وقوع الطلاق بألفاظ الكناية إلا إذا نوى المتكلم بها الطلاق ولا تثبت النية فى هذه الحالة إلا بإقرار المطلق، ويقع الطلاق من العاجز عن الكلام بالكتابة التى يقصد بها إيقاعه، ومن العاجز عن الكلام والكتابة بإشارته المفهمة منه، وحفاظا على الأسرة من التفكك، أكد التشريع بأن الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة، وكذلك المتتابع أو المتعدد فى مجلس واحد، ويرتب الطلاق الشفوى أثرة قانونا حال إقرار الطرفين به أمام جهة رسمية، بالنظر للمادة نجد أنها لم تأت بجديد حيث نصت المادة 3 من القانون رقم 25 لسنة 1929، بأن الطلاق المقترن بعدد لفظا وإشارة لا يقع إلا واحدة كما جاء وفقا للمادة الأولى من ذات القانون أنه يشترط لصحة الطلاق أن يكون الزوج وقت إيقاع الطلاق غير مغيب الوعى، فإذا كان مغيب الوعى وقت إيقاع الطلاق كالسكران، أو كالمريض، فلا يأخذ بالطلاق الذى أوقعه، إذا فما هو الجديد بمقترح المشروع؟ بل على العكس نجد أن المادة أكدت على الطلاق الشفوى وأن آثاره القانونية تنفذ حال إقرار الطرفين به أمام الجهة الرسمية، والسؤال هنا ماذا لو لم يتم الإقرار به من قبل الزوج وماذا لو ألقى الزوج لفظ الطلاق ورحل إلى مكان مجهول وترك المرأة فى موقف قانونى غير معترف به، فلا هى زوجة طبقا للأعراف المجتمعية والآراء الفقهية المختلفة التى تعترف بأن المرأة مطلقة بمجرد إلقاء لفظ الطلاق عليها ولا هى مطلقة طبقا للقانون، فليس من حقها الزواج لمرة أخرى أو حتى لها حقوق المطلقة المالية نظرا لكونها لم يتم طلاقها بشكل رسمى ومن ثم عدم وجود وجه حق لها للمطالبة بتلك الحقوق.. إلخ، لذلك كنا نأمل أن يضع مقترح المشروع حلولا للنساء فى مثل تلك الحالات، كأن يتكلم عن الطلاق بيد المحكمة لكل من الزوج والزوجة وذلك من خلال تقديم طلب للمحكمة يتم فيه إبداء أسباب الطلاق وبعد محاولات الإصلاح عن طريق اللجان المتخصصة، وفى حالة فشلها مع إصرار الزوج على إيقاع الطلاق تقوم المحكمة بإجابة طلبه بطلاق زوجته مع إعطائها جميع الحقوق المترتبة على الطلاق (عدة – متعة – مؤخر صداق) وتحديد نفقة للأطفال إن وجدوا، وذلك توفيرا للجهد الذى تتكبده النساء حتى تحصل على حقوقها أو نفقة لأولادها، وذلك إعمالا لقول الله عز وجل (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) سورة البقرة، الآية 231.
***
كذلك فى المواد الخاصة بإثبات النسب لازال من حق الرجل أن يقر بأبوته لمن يرغب، حتى وإن كان مجهول النسب، بينما لا تستطيع النساء المعتدى عليهن والمغتصبات إثبات نسب أطفالهن إلى آبائهن، ويرجع ذلك إلى التعلل بالحديث الشريف الذى يتكلم عن أن ماء الزنا هدر وأنه لا يثبت من خلاله نسب خاصة إذا كان هناك نزاع على نسب الطفل بين طرفين أحدهم الزوج الشرعى فطبقا للقاعدة الشرعية يكون نسب الطفل للفراش، لكن الوضع هنا مختلف تمام الاختلاف حيث يتطلب الزنا علاقة رضائية بين طرفين، بينما فى الاغتصاب قام طرف بالاعتداء على الطرف الآخر ونتج طفل عن ذلك الاعتداء (الاغتصاب)، وعلى الرغم من وجود الأساليب العلمية الحديثة التى تثبت علاقة النسب بين الطفل والمغتصب لا يتم إلحاق الطفل به ولا يتم إثبات نسبه أو استخراج شهادة ميلاد له، والسؤال الآن لماذا يتم التمسك بالقاعدة الشرعية فى حالة النساء فقط، أليس من الممكن أن يكون مجهول النسب الذى يستطيع الرجل الإقرار ببنوته قد جاء من علاقة زنا أو اغتصاب؟ لكن هذه ليست قضيتنا الآن، حيث أن القضية الأهم هى نسب الأطفال، فمن حق كل طفل إثبات نسبه إلى أبيه كى يستطيع أن ينشأ فى مجتمع آمن له ما له من واجبات وعليه ما عليه من حقوق.
عند إلقاء الضوء على حق الأم فى الولاية على أطفالها سواء أثناء العلاقة الزوجية أو بعد الطلاق، نجد أنها ولاية منقوصة، فأثناء العلاقة الزوجية لا توجد ولاية للنساء على أولادهن سواء تعليمية أو مالية، بينما بعد الطلاق تقتصر ولاية المرأة الحاضنة لأولادها على الولاية التعليمية فقط، حتى تلك الولاية هى ولاية ليست كاملة فيستطيع الأب منازعتها فيها وقتما شاء بدعوى عدم تحقق مصلحة المحضون، بينما لا يوجد لها ثمة ولاية مالية على المحضون فلا تستطيع التعامل مع البنوك بأسمه حتى وإن قامت بفتح حساب له بأحد البنوك ووضعت بهذا الحساب جزء من مالها الخاص باسم المحضون، لا تستطيع التصرف فيه وإنما يكون الأب أو الوصى على المحضون هم فقط من لهم سلطة التصرف فى أموال المحضون، فلازال القانون الحالى أو حتى المشروع المزعوم مناقشته بالبرلمان ينظر للمرأة على أنها وعاء للحمل والإنجاب ثم تربية الصغير بعد الانجاب، ليس لها الحق فى الولاية المالية على المحضون، ولا يخفى علينا أن من حق الأم أن تكون مسئولة مسئولية كاملة فى الولاية على المحضون لما يحققه ذلك من استقرار مادى ونفسى لهما، ولما فيه من حماية لهما من الاستغلال الذى قد يتعرضن له من قبل ضعاف النفوس من الأولياء أو الأوصياء على الطفل.
وأخيرا، عند إلقاء الضوء على رحلة قوانين الأحوال الشخصية منذ إصدارها عام 1920 وحتى يومنا هذا، نجد أن وضع النساء داخل القانون وتعديلاته المختلفة وإن نم عن شىء، إنما ينم عن سعى النساء الدائم من أجل تحقق مطلب واحد، ألا وهو المطالبة بحياة كريمة لهن ولأولادهن سواء أثناء الحياة الزوجية أو بعد الانفصال، إلا أن التعديلات لم تكن منصفة بالقدر الكافى، فكلما أعطت أحد التعديلات حق للنساء، جاءت تعديلات أخرى لتأخذ أمامها عدة حقوق.
لذلك نأمل بإصدار قانون لكل المصريين قائم على مبادئ العدل والمساواة والإنصاف، يحتوى على نظم وآليات تساعد على تحقيق المسئولية المشتركة بين الزوجين بما يحقق المصلحة الفضلى للجميع نساء ورجالا وأطفالا مراعيا وضع النساء داخل تطورات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved