إريتريا تؤجج الحرب فى تيجراى.. ورئيسها يعطى دروسًا فى السلطوية

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الثلاثاء 9 مارس 2021 - 8:27 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب أليكس دى وال تناول فيه قيام القوات الإريترية برئاسة الرئيس الإريترى أسياس أفورقى بارتكاب فظائع وجرائم حرب فى إقليم تيجراى انتقاما من الجبهة ورغبة فى إضعاف شعب تيجراى حتى لا يستطيعوا النهوض مرة أخرى... نعرض منه ما يلى:

بعد أشهر من الحرب الدموية فى تيجراى، وهو إقليم فى إثيوبيا يطالب بحق تقرير المصير، كثفت الولايات المتحدة ضغوطها لإنهاء الأعمال العدائية، وحماية المدنيين، وتسهيل إجراء تحقيق مستقل فى الجرائم التى ارتكبت، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى السكان. فى مكالمة مع رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد فى 2 مارس، كرر وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين دعوته بالانسحاب الفورى للقوات الإريترية التى تقاتل فى صفوف القوات الإثيوبية لسحق قوات التمرد فى تيجراى. هذه النقطة الأخيرة تمثل مطلبا أساسيا، لأن معظم الجرائم التى ارتكبت فى تيجراى، والتى وثقها الصحفيون وجماعات حقوق الإنسان، نفذتها القوات الإريترية.
الجرائم مستمرة... ففى 1 مارس، وصف الباحث مولوجيتا جبريهيوت، فى مكالمة هاتفية نادرة من موقعه فى الجبال، كيف قامت القوات الإريترية بتدمير القرى، وقطع بساتين المانجو، وتدمير أنظمة الرى، وذبح العشرات من الأطفال وكبار السن فى مدينة سامرى وقرى جيبيت وأديبا وتسيادا سارى فى الأيام الأخيرة. أشار جبريهيوت فى مكالمته أن «المجاعة قادمة» وأن العمل الآن ضرورى لوقف ارتكاب المزيد من الجرائم ومنع حدوث كارثة إنسانية.
***
يحكم الرئيس الإريترى أسياس أفورقى دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، وبلغ الناتج المحلى الإجمالى 2 مليار دولار لعام 2018. لكن جيش البلاد ضخم يبلغ عدده 200 ألف شخص، معظمهم التحق بالخدمة الوطنية الإجبارية غير محددة المدة عند بلوغهم سن السادسة عشرة. لا تنشر إريتريا ميزانيتها، ولكن يُنفق ما يقدر بنحو 20 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى على الجيش بالإضافة إلى إنفاق مبالغ هائلة لا يكشف عنها على أجهزة الأمن القومى والاستخبارات التابعة لأفورقى.
وضحت عدة تقارير نشرت حديثا ما تستطيع القوات الأمنية والعسكرية الإريترية فعله ونسبت ثلاثة تقارير مختلفة الجرائم الوحشية التى ارتكبت فى حرب تيجراى إلى القوات الإريترية؛ وثقت منظمة العفو الدولية مذبحة نوفمبر 2020 فى كاتدرائية فى أكسوم حيث ذبح فيها مئات المدنيين.. قامت «سى إن إن» بتجميع والتحقيق فى تقارير قتل جماعى فى دير يسمى مريم دينجيلات قتل فيه أكثر من 100 شخص.. وقامت VICE World News بمطابقة صور الأقمار الصناعية للقرى المدمرة مع روايات شهود العيان لمعرفة تفاصيل الفظائع الأخرى.
يستمر القتال وعمليات الحرق والمجاعات. أظهرت صور الأقمار الصناعية ما لا يقل عن 508 مبنى يحترق داخل وحول بلدة جيجيت جنوب تيجراى، بالقرب من المنطقة التى دمرت فيها قوات دفاع تيجراى فرقة مدرعة إثيوبية قبل أسبوعين، وفى مكالمات هاتفية أجراها كاتب المقال مع سكان المنطقة، أفاد سكان تيجراى بأن خمس فرق إريترية ــ نحو عشرة آلاف جندى مع دبابات تدعمها طائرات مقاتلة إثيوبية وإريترية – يقتربوا من المنطقة لتنفيذ ما أسموه عملية «الأرض المحروقة».
عندما سافر آبى أحمد إلى العاصمة الإريترية، أسمرة، فى يوليو 2018 للتوقيع على اتفاق سلام بين البلدين، أمل مواطنو البلدين بأن تدفع هذه الخطوة أفورقى لتسريح جيشه وإعادة توجيه الميزانية الوطنية للإنفاق على الصحة والتعليم والتنمية. ولكن لم يحدث شىء من هذا. من الواضح الآن أن أفورقى رأى فى اتفاق السلام اتفاقا أمنيا مع إثيوبيا للقضاء على قيادة جبهة تحرير تيجراى الشعبية، التى تقود الانتفاضة فى إثيوبيا، وإلحاق ضرر كبير بشعب تيجراى بحيث لا يمكنهم أبدا تحدى أيا من البلدين، إثيوبيا أو أريتريا، مرة أخرى.
***
يعود عداء أفورقى للجبهة الشعبية لتحرير تيجراى إلى الخلاف بينه وبين قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، قادة إثيوبيا آنذاك، والذى أدى إلى حرب حدودية عام 1998 خسرتها إريتريا. لم يقم الجيش الإثيوبى تحت قيادة جبهة تحرير شعب تيجراى باحتلال أسمرة وفرض تغيير النظام، لكنه امتلك القدرة على هذا.
فى أعقاب الهزيمة، طالب الإريتريون بالتغيير... فقامت مجموعة من النشطاء الديمقراطيين بتقديم طلبات من أجل الإصلاح، وحذا حذوهم بعد ذلك 15 من كبار السياسيين الإريتريين المعروفين باسم مجموعة الخمسة عشر «Gــ 15». فى ربيع عام 2001، ازدهرت الصحافة المستقلة، وطالب الإريتريون بتحقيق الحريات التى وعد بها بعد استقلال البلاد قبل ثمانى سنوات والواردة فى الدستور الجديد الذى تم الانتهاء منه فى عام 1997 ولكن لم يتم اعتماده أبدا.
ضمت مجموعة الخمسة عشر أقدم رفقاء السلاح لأفورقى وجميع أبطال الحرب من أجل الاستقلال، بمن فيهم وزراء الخارجية ووزراء الدفاع السابقون وبعض مؤسسى الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا. لذلك شعر أفورقى بأنه محاصر. وفى 18و 19 سبتمبر 2001، ألقى القبض على 11 فردا من مجموعة الـ 15 ولم يتم رؤيتهم أو سماع أخبارهم منذ ذلك الحين. ولم يعد الإريتريون يرون أى شىء من الدستور أو الحريات.. أغلقت جميع وسائل الإعلام المستقلة، وسجن الصحفيون، وقيدت الحريات الدينية، وتم إلزام تاركى المدارس بالخدمة الوطنية الإجبارية فى الجيش.
لصرف الانتباه عن مغامراته العسكرية واستبداده، حاول أفورقى إلقاء اللوم على إثيوبيا فى الأزمات التى تعانى منها إريترياــ وخاصة إلقاء اللوم على جبهة تحرير شعب تيجراى. وقام بدعم أى جماعة معارضة مستعدة لشن حرب ضد إثيوبيا، بما فى ذلك الجهاديون الصوماليون. أثار هذا رد فعل عنيف بقيادة الولايات المتحدة شمل وضع البلاد تحت العقوبات فى عام 2007 قبل رفعها فى عام 2018... أبقى أفورقى شعبه فى حالة طوارئ، وقام بتعليم الإريتريين أن إثيوبيا والعالم بأسره يتآمرون ضدهم.
***
فر الشباب الإريترى إلى الخارج هروبا من الخدمة العسكرية الإجبارية والمشكلات الاقتصادية، وتُعد إريتريا بالنسبة لحجمها من أكبر الدول المولدة للاجئين فى العالم. الضرائب التى فرضت على الإريتريين فى الشتات بالإضافة إلى الإتاوات من تعدين الكوبالت والذهب والبوتاس منعت الدولة من الانهيار إلى أن جاء الصراع فى اليمن ليقدم لها شريان حياة. أصبح ساحل إريتريا المطل على البحر الأحمر فجأة من المواقع الاستراتيجية، وأجر أفورقى الميناء والقاعدة الجوية فى عصب إلى الإمارات العربية المتحدة. لم يجلب ذلك الأموال فحسب، بل أدى أيضا إلى انفتاح سياسى على دول الخليج.
من الجدير بالذكر أنه عندما وقع أفورقى وآبى اتفاق السلام بينهما فى 2018، لم يحضرا قمة الاتحاد الإفريقى ــ على الرغم من أن الاتحاد كان الراعى الرسمى للمعاهدة، وتم توقيعها تحت رعايته فى الجزائر. وبدلا من ذلك، سافروا إلى أبو ظبى ثم إلى جدة مع تهميش الاتحاد.
الأهم من ذلك هو ظهور أفورقى كصانع ملوك فى القرن الأفريقى، فهو قدم لحكام المنطقة؛ أولا نصائح عملية للمحافظة على السلطة ومواجهة الضغط الدولى من أجل التحول إلى الديمقراطية، ثانيا نموذج للتدريب العسكرى يحول طلاب المدارس الثانوية إلى آلات قتال مطيعة.
تعتبر إريتريا الآن الشريك الأول فى الحرب الإثيوبية فى تيجراى، وتفيد التقارير أيضا أن القوات الإريترية تتمركز فى منطقة الفشقة، المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين إثيوبيا والسودان، ما أدى إلى تفاقم الصراع بين البلدين... أفورقى صديق مقرب ومؤيد للرئيس الصومالى محمد عبدالله، المعروف باسم فارماجو. فى فبراير، اشتدت الأزمة السياسية فى الصومال مع انتهاء ولاية فارماجو الرئاسية دون انتخابات أو اتفاق مع المعارضة حول كيفية التعامل مع الفترة الانتقالية. ومع تصميم فارماجو على البقاء فى السلطة، وفى إحدى المرات، أطلقت قواته النار على حشد من المتظاهرين السلميين ما يثير القلق أن القوات الخاصة الصومالية التى تدربت فى إريتريا قد أعيدت جوا إلى مقديشو الشهر الماضى. فما يقوم أفورقى به الآن هو بناء محور استبدادى ثلاثى فى القرن الأفريقى مع آبى وفارماجو كشريكين له.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved