غش تجاري فاضح

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 9 مارس 2023 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

فى إطار الاستعداد لشهر رمضان، يشرف البعض على إعداد موائد الرحمن، فيقوم بتجميع مبالغ من أهل الخير، والنزول لأسواق الجملة لشراء هذه السلعة أو تلك. وقد كان هناك نصيب لدراسة هذا الموضوع، والاقتراب منه عن كثب.
فالملاحظة بالمشاركة هى إحدى وسائل البحث العلمى، وفيها يقوم الباحث الاجتماعى بالنزول إلى الشارع، والانغماس بين مجتمع بحثه، فيتعامل وكأنه واحد منهم، دون أن يخدعهم بتصوير غير مصرح مثلا.
أول أمس قررت النزول إلى حى زينهم بالقاهرة، وهى منطقة المجزر القديم، قبل أن ينتقل المجزر الآلى إلى حى البساتين. ومنطقة زينهم هى منطقة اللحوم المستوردة على مستوى الجمهورية، بلا منازع. فى تلك المنطقة يباع بشكل واسع اللحم البرازيلى، والسودانى، وبشكل أقل اللحوم الهندية، لكونها لحوم جاموس، فى بلد يقدس البقر ولا يذبحه، وهى على أى حال لحوم لا يستسيغها الكثير.
عبوات اللحوم فى وجهك أينما كنت فى هذا الحى. هناك أسعار للجملة وأسعار القطاعى. تباع اللحوم البرازيلى بسعر الجملة بـ ١٨٠ج، والسودانى بـ١٩٥ج، والدهون بنحو 100ج للكيلو. حتى الآن لا يبدو الأمر غريبا، لكن عند دخول المحلات، والشراء كتاجر جملة أو كصاحب محل كبابجى أو مطعم، تبدو المعاملة مختلفة، فأنت الآن كشفت بموجب طلبك عن هويتك، بأنك ابن كار مع البائع، فينقلك من محل القطاعى إلى الورشة المجاورة، وهى ورشة بالمعنى الحرفى للكلمة، إذ بها مفارم ضخمة، وأوانٍ يستحيل وصف حجمها إلا برؤيتها، إذ يسع أصغرها ٥٠ كجم ويصل أكبرها لسعة ٣٠٠ كجم من اللحوم.
يبدأ التعامل بإظهار الود المتبادل، المرفق بنصائح من قبل البائع لو أن المشترى مثلى رجل مستجد. كشفت هويتى بأنى أخدم ضيوف الرحمن فى موائد الإفطار. فيدرك البائع للوهلة الأولى أنى أريد شيئا جيدا وليس مغشوشا، لكنه يستمر فى النصائح العجيبة. تداخلت وحرصت على المرور مع العمال فى أركان المحل ليس فقط أثناء إعداد طلبى بل وأيضا طلبات غيرى من الزبائن وهم أصحاب محلات كبيرة.
النصيحة الأولى ماذا تريد؟ كفتة، حواوشى، سجق (سوسيس)، برجر، لحم معكرونة. كل صنف من هذه الأصناف، له خلطة.
وبناء على معرفة غرض الاستخدام كانت النصيحة الثانية، طالما تريد ٤٠٠ وجبة بها كفتة لأربعة أيام، وللمائدة وليس لغرض تجارى، فأنت تحتاج نحو ٦٠ ك برازيلى، والقليل جدا من الدهون كمكسب طعم، مع إضافة البصل والبرغل والصويا. طبعا المشترى حر أن يحضر خلطته بنفسه، ويقدمها لعامل المفرمة، لكننا لم نفعل، مع هذا المحل، إذ اقتصر دورنا على رفض الإضافات ومكسبات الألوان الاصطناعية من المحل، الذى يقوم أيضا بالتيسير على الزبون (غشاش اللحم) بالمشاركة معه فى الغش بوجود قسم خاص بالمحل لتصنيع البرجر والسجق فى صورته الأولية بفرم اللحوم مع كم دهون كبير.
النصيحة الثالثة للعامل هى أنك لو كنت صاحب مطعم فإن نسبة الدهون يجب أن تزيد. فمثلا الحواوشى هو أعلى نسبة، فالربع على الأكثر لحم مستورد والباقى دهون، ويسميها البائع السرر والبوش، والأولى دهون الضأن والثانية دهون الأبقار، ويملك البائع منها أطنانا تضاهى اللحوم. وهناك مفروم المعكرونة وهو أقل نسبة للدهون، وبين هذا وذاك يأتى البرجر والسجق.
نأتى للنصيحة الرابعة التى جاءت من السؤال: لماذا هناك مفروم فاتح وآخر مفروم جيد وغامق؟ الإجابة أنه ليس جيدا على الإطلاق، إذ إن هناك ٣ أنواع من مكسبات اللون، البنجر الأحمر وهو قليل الاستخدام، والفلفل الأحمر البلدى (وليس المستورد) لأنه الرخيص، وهو متوسط الاستخدام، أما مكسب اللون الشائع فهو بودرة صناعى أو بودرة دم الغزال.
النصيحة الخامسة، ما هى أكثر الخلطات طلبا؟ الإجابة هى خلطة الكفتة فى بعض محلات الكباب والفنادق وبها الشغت المفروم (السرر مع البوش)، والفلفل الأحمر، والبصل والبرغل والصويا، أما اللحم فهو برازيلى ولا يتعدى فى تلك الخلطة نسبة 30%، وهو ما يقدم فى المحلات مشويا بثمن يتجاوز 350ج للكيلو كما يقول العامل الذى يبيعه هنا بسعر 100ج فقط للكيلو!!.
وهكذا، كانت التجربة فريدة. وكان مدعاة للدهشة ففيها غش تجارى لا نظير له فى مصنعات اللحوم، الأمر يحتاج إلى وقفة مع التوعية بعدم شراء اللحوم المفرومة إلا بفرمها أمام الزبون دون إضافات حتى لو كانت إضافات غير مضرة، لأن غرضها الغش والإرباح السريع. مع ضرورة تفعيل القوانين المتصلة بالغش، والتى تصل إلى السجن إضافة للغرامات، مع إضافة عقوبة عدم مزاولة النشاط كلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved