كيف تواجه الابتزاز الدينى؟

باسم يوسف
باسم يوسف

آخر تحديث: الثلاثاء 9 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى أمريكا وحتى القرن الثامن عشر كان إذا أشيع عن امرأة أو فتاة أنها ساحرة أو مشعوذة، تخرج القرية كلها لمطاردتها ومحاكمتها. وأمام المحكمة لابد أن تمر الساحرة بالاختبار المقدس الذى يثبت إن كانت مشعوذة أم لا. فكانوا يربطونها بحجر ثقيل ثم يرمون بها فى النهر. فإذا طفت إلى السطح فهى لا شك ساحرة واستخدمت قوى الشر السفلية لإنقاذ نفسها وفى هذه الحالة تثبت عليها التهمة فيقتلونها حرقا بتهمة الشعوذة. أما فى حالة غرقها وهو المتوقع طبعا يدرك أهل القرية أنهم أخطأوا فى حقها ويصلون من أجلها أن يقبلها المسيح ويغفر ذنوبهم وذنوبها.

 

هذا الأسلوب اتبعه كل من سلط نفسه رقيبا على عقائد الناس على مر التاريخ. فعله الإسبان الكاثوليك وقت محاكم التفتيش وفعلته الكنيسة فى اوروبا مع العلماء ومع خصومها السياسيين. بل فعله الامريكان أنفسهم فى الخمسينيات ولكن بإرهاب أيديولوجى وليس عقائدى أثناء الهجمة الشرسة للمكارثية حيث كانت تهمة الشيوعية سيفا مسلطا على أعناق المفكرين والمشاهير فى امريكا.

 

فأفضل طريقة للفوز بأى معركة فكرية أو اجتماعية أو حتى اقتصادية أن تضع خصمك فى خانة المهرطق الكافر العدو لدين الله (أو الخائن المعادى للوطن المحب للشيوعية مثلما حدث فى أمريكا). فبذلك لا تحتاج إلى تقديم أى حلول أو ضمانات حقيقية لمشروعك ولا تحتاج أى مجهود لإثبات نظرياتك. فبالنسبة للعامة أنت كافر ومهرطق ومزدرٍ للأديان. فحتى إن كنت على صواب فلن يستمع اليك أحد.

 

هذا الاسلوب ليس ببعيد عن تاريخنا الاسلامى. فحين ظهر الخوارج وكفروا الجميع بمن فيهم الإمام على، فعلوا ذلك باستخدام كتاب الله. وقاموا بالمذابح والمجازر والفظائع وهم الحافظون لكتاب الله.

 

وبالرغم من ان اسلوبهم وطريقتهم كانت بعيدة كل البعد عن الصواب والدين وحتى عن الممارسة السياسية الصائبة، فان ذلك لم يكن مهما، ماداموا يتلفحون بغطاء دينى ويرددون آيات القرآن ويزايدون على الامام على نفسه. حتى أن الإمام على بعد خطبته فى جمع من الناس إبان الفتنة الكبرى، هتف عليه جمع منهم «الله أكبر» فقال على: «كلمة حق يراد بها باطل» وكانوا هم ممن أجبروا على بقبول خديعة التحكيم بكتاب الله بعد رفعه على أسنة الرماح.

 

ربما تعتقد أن ما أقوله هنا عبارة عن ذكريات من تاريخ سحيق، ولكن يا عزيزى نحن نتعرض لهذا الابتزاز الدينى بشكل يومى.

 

فبعد الثورة وخروج الكثير ممن تكلموا باسم المشروع الاسلامى، كان هؤلاء يسكتون معارضيهم عند الخلاف بعبارات مثل «ماذا رأيتم من الله حتى تكرهوا شريعته؟» أو «ازاى انت معترض على الشريعة؟ كيف تعترض على شرع الله؟» فكان الكثير من الشباب يتردد أمام هذه الاتهامات. فهو فى نفس وضع المتهمات بالشعوذة فإما الغرق أو الحرق. فلا يجرؤ شاب أن ينكر الشريعة الاسلامية فالتكفير والخروج من الملة جاهز واتهامه بأوصاف مثل علمانى كافر ليبرالى فاجر موجود. واذا قبلها فلا معنى لمعارضته للاخوان والسلفيين.

 

ولكنك يا عزيزى الشاب لست مجبرا لقبول هذه الخيارات. فلا السلفيون احتكروا الشريعة ولا الاخوان حراس لها. يجب ان تدرك فى قرارة نفسك ان هذه الاسئلة المصاغة فى صورة اتهامات يجب أن ترتد على سائليها.

 

اسألهم يا من يتشدقون بالشريعة عن إعلامهم الملىء بالخوض فى الأعراض ونشر الأكاذيب والافتراء على الناس. اسألهم عن خطب شيوخهم المليئة بالكراهية والعنصرية والسب واللعن. اسألهم عن انحيازهم للباطل فى كل موقف سياسى بعد الثورة وكيف استأسدوا الآن وقد كانوا كالقطط الأليفة ايام مبارك ولم يتعهدوا بالموت من اجل الشريعة (المستخدمة بصورة مطاطة) الا بعد ان داسوا على جثث الشباب الذيت اتهموهم فى عرضهم ودينهم ووطنيتهم.

 

أى شريعة ونحن نرى الخلاف بين اقطاب التيارات الاسلامية والذى وصل لحد أن كفَّر بعضهم بعضا واتهم بعضهم بعضا بالكذب وعدم الامانة والفساد؟

 

أى شريعة؟ اى نموذج للمشروع الاسلامى تريدون تطبيقه؟ ما هى المواد التى تريدون اضافتها للقانون غير مواد المنع والتضييق؟ فبالنسبة لهم الشريعة تدور حول الكلام فى منع الخمر وتطبيق الحدود وكأننا فى مصر نرى الناس يزنون ويسكرون عيانا بيانا فى عز الظهر.

 

لماذا لا يطبق الاسلاميون الذين وصلوا للحكم والدول الاسلامية التى تساندهم فرض اخراج زكاة الركاز، وهو اخراج عشرين فى المائة من خراج الارض من معادن وبترول وخلافه وتوزع على الفقراء وذلك كفيل بالقضاء على الفقر فى جميع الدول الاسلامية. لكن ذلك غير مهم، فالتركيز على لبس المرأة والخمر والحدود هو بلا شك أهم كثيرا.

 

ثم يأتون بصلفهم وبذاءتهم وكذبهم ونقضهم للعهود ويتكلمون عن الشريعة.

 

عزيزى الشاب لا تدع أحدا يبتزك بآيات من القران يخرجها من سياقها فيجعلك تشعر أن إسلامه أفضل من إسلامك. لا تعط له الفرصة أن يضعك أمام آيات مثل: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» أو «أولئك هم الظالمون» أو «أولئك هم الفاسقون».

 

فلا هم حكموا بما أنزل الله ولا هم أرونا مثالا يحتذى به فى الحوار والحديث والأخلاق. من الآخر كده المفروض ألا يستأمن هؤلاء على تطبيق شريعة لا يفهمونها ولا يعملون بها، ولا يطبقونها على كبرائهم قبل صغارهم.

 

وتذكر أن أشهر من تشدق بهذه الآيات زيد بن حصن الطائى الذى خطب فى الخوارج فى بيته وخرجوا بعدها ليعملوا القتل والتكفير والتعذيب فى خلق الله.

 

حين يأتى أحدهم ويزنقك بمقولة «ماذا رأيت من شريعة الله حتى تكرهه» قل له: للأسف رأيتك ورأيت أخلاقك التى ليس لها علاقة بشريعة الله. نحن لا نكره الله ولا نستطيع، نحن فقط لا نطيقكم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved