احزموا حقائبكم.. واهربوا

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 9 أبريل 2020 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع «على الطريق» مقالا للكاتب «نصرى الصايغ»، تحدث فيه عن فشل الدول الكبرى فى مواجهة الجائحة، وأكد أنه بالرغم من تسبب الجائحة فى وقف الانتفاضة اللبنانية إلا أن اللبنانيين سيعودون وبقوة مرعبة.. ونعرض فيما ما يلى.
كم هو مخطئ من يظن نفسه على صواب! كشفت الكورونا حجم الكذب. أظهرت نفاق الكبار وغباء الصغار. فضحت دولا عظمى وأذلت «دولا» ليست دولا. حجم النفاق كان مذهلا. كمية الاستعلاء كانت مقرفة. تواطؤ الدول العظمى كان مذهلا.. لم يكن أحدا صادقا، وكانوا يتصرفون وكأنهم على صواب.
فضحتهم الكورونا. أظهرت هشاشة دول كبرى. التقدم العلمى ضل طريقه. نجح فى تجميع الثروات العاتية. التخطيط الاستراتيجى تناسى الناس الذين يداومون فى حياتهم على العمل والكفاف. أتخمت المؤسسات الصناعية بالأرباح. تفوق رأس المال على السياسة، فساسها. على الحياة فأهملها. على الناس، فهمشها. قلة عظمى حظيت بالأرباح المليارية، وأكثريات منتشرة فى الكرة الأرضية. كانت تعيش كفاف يومها، وقلة كانت تراهن على ربح مضاف. دول كبرى، نصَّبت رأس المال إلها، وألزمت الناس بخدمته. زواج العلم والصناعة والعسكر، دفع إلى أن يكون العالم الذى يضم الناس العاملين، على هامش الحياة.. لقد فضحتهم الكورونا عندما ساوت فى اجتياحاتها بين الجميع. لا أحد محميا أبدا. سقطت دول عظمى فى دوامة الكمامة، فى أرقام الإصابات، فى منع التجول، فى تحرير السماء من الطيران، فى إقفال مؤسسات الإنتاج الفاحش، فى إقفال الأسواق والمعامل والمدارس والجامعات، والأسوأ. حوّلت كورونا الجميع إلى معتقلين مرعوبين فى بيوتهم. لقد تحولت منازلنا إلى معتقلات.

هل كان ممكنا غير ذلك؟
بتواضع نقول، الأوبئة دورية. عرفتها الشعوب فى تاريخها. غيرت دولا وأطاحت بأنظمة وفتكت بشعوب. كان ذلك قبل انتصار العلم، وتحديدا قبل أن يصبح العلم خادما للثكنة العسكرية المسلحة وللمصنع المنتج لبضائع مفيدة قليلا، وترفيهية كثيرا. الإنسان لم يكن مهما. الإنسان المستهلك هو الإنسان الحقيقى.

انتصر المزّيف على الأصيل
ها هو العالم يجثو على قدميه. أسوأ الاستجابات هى الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة. باتت تسلك طريق القراصنة لتفوز بكمامات مطلوبة وضرورية. عار أن تكون أوروبا فى هذه السوية الضحلة من الاستجابة للتحدى. عار أكبر على «أم العالم»، أمريكا. أن تصبح قناصة الكمامات فى المطارات والطائرات. ماذا كانت تفعل؟ أرقام الضحايا فوق المعقول. نتساءل: هذه هى أوروبا؟ أين هى مما كانت عليه قبل الكورونا؟ أين هى أمريكا؟ لقد بدت من خلال أرقامها القياسية، إصابة وموتا، شبيهة بدول متخلفة، موبوءة، ومتروكة لمصيرها.

لا.. الحق ليس على الكورونا. الجائحة ليست مفاجأة. البشرية تعرف أن الأوبئة دائرية المسار. شبه دورية. الفاصل بين وباء وآخر، سنوات. وبين الجائحات عقود. ومع ذلك، الذين يملكون المال. يدخرونه فى المصارف ويتباهون بأن ربع عدد الأثرياء (جماعة فوربس) يملكون من المال أكثر من مما تملكه مليارات بشرية تعيش على فتات العولمة، على صدقات «المنظمات الإنسانية» المشروطة بالتبعية والخضوع.
ليس شماتة بالمرة. إنما بمرارة إنسانية، أن يكون عداد الموت فى الدول الكبرى بهذا السخاء. آلاف مؤلفة مرشحة للموت. أجهزة طبية تخسر فدائييها من الممرضين والممرضات والأطباء بسبب نقص الكمامات، فيما دول فقيرة، مفلسة، استطاعت أن تتجاسر وتقف سدا منيعا فى وجه الكورونا. قد يكون لبنان نموذجا. أقول قد، علما أن سلطته المزمنة، لا زالت تعيش زمن ما قبل الوباء. لم تتغير. لم تتبدل. لم تتعلم. لم تخجل. لم تهتم. كل ما تقوم به، تقليد ونسخ لما كانت ترتكبه قبل الوباء. طبقة، مالية طائفية مصرفية إدارية، تتصرف وكأن لبنان ما زال مزرعتها. وكل ديك على مزبلته الطائفية صيَّاح. التعيينات جرصة. بغاء علنى. دعارة مفضوحة. بلا خجل ولا تستر. على المفضوح: هذه لى وليست لك. وتلك لى وليست لغيرى. وما تبقى تتقاسمه الذئاب. هذا يحصل فى عز الكورونا، ويحصل أيضا إقرار سد بسرى بالملايين… يا للعار!!!
اطمأنت ذئاب لبنان. تظن أن الانتفاضة ماتت أو باتت صدى فقط. غلط. إنهم عائدون. عائدون حتما. سيكونون أقوى. ليس لديهم ما يخسرونه سوى قيودهم. وقيودهم ليست زينة لزنودهم، بل قبضات تقض مضاجع، وتخلع أسوارا وتدك مؤسسات.. اللقمة المذلة التى يوزعونها على قطعانهم، لا تنفع. العوز والبطالة والجوع لن يقود إلى الانتحار، بل إلى كلمة مشتقة من التحرر والانتحار وفهمكم كفاية.. الانتفاضة لم تمت. أنتم سببها. أنتم ديمومتها. لم نجد أوقح من هذه الطغمة، التى، برغم الكورونا، تشلّح الناس ودائعها المصرفية، وتتلاعب بسعر الدولار، ولا تراقب الأسعار، وتشارك فى السوق السوداء، أى تنهب الفقراء علنا، وتحمى الحرامى وتشاركه البغاء المصرفى.

اليوم، حرب على الكورونا.
غدا، عليكم أن تحزموا حقائبكم.
وإذا لم يحدث ذلك، فإن اللبنانيين سيزحفون على بطونهم الخاوية، وعلى لبنان السلام. إن غدا لناظره قريب. وستجد الطغمة المجرمة من يقف معها وخلفها، من خدم الطائفية وزبانيتها. قيل: كلما طالت عصا الراعى، كلما تجمع وتكاثر القطيع.
قطعان الطوائف ألد أعداء الانتفاضة. هذه الطغمة مستعدة أن تمشى على جباهها. إنما إلى متى؟
لذا، لا بد للبنان القديم هذا، أن يموت. سنحتفل بولادته مرة أخرى، دولة مواطن وكرامة ووفاء وعطاء والتزام وعدالة وإلى آخره من فضائل الانتماء والديموقراطية والمساواة والإنسانية.
هذا حلم بعيد.. إننا أكثر الناس تفاؤلا، لأننا نحلم. فلتحيا الأحلام. طبعا الأحلام.
النص الأصلى:
https://bit.ly/2JPYDS4

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved