وباء الكورونا واتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: الخميس 9 أبريل 2020 - 11:25 م بتوقيت القاهرة

تستهدف اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية تعزيز التجارة بين الدول الإفريقية، حيث ركزت على خفض التعريفة الجمركية والتدرج فى إزالة الحواجز غير التعريفية وتوحيد قواعد المنشأ فيما بين الدول الأعضاء. كما وافقت الدول الإفريقية ولأول مرة على تحرير التجارة فى الخدمات والسماح لمقدمى الخدمات بالتنافس فى أسواق الدول الأطراف. وكانت الدول على وشك وضع اللمسات الأخيرة لمفاوضاتها والإعلان عن إنفاذ منطقة التجارة الحرة فى مايو 2020، إلاّ أن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن، فجاء وباء الكورونا متحديا ومخربا لأى تقدم. وتم وقف الاجتماعات المجدولة لإنهاء المفاوضات وتمكين الدول المصدقة من جنى ثمار الأفضليات المتاحة بموجب الاتفاقية.
وفى ضوء ضبابية تداعيات الوباء وعدم إمكانية التكهن بأبعاده، فإن الوضع قد يستغرق سنوات قبل أن يقوم لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية قائمة من جديد. فمما لا شك فيه أن الإنجازات التى حققتها اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية حتى الآن يرجع إلى الاجتماعات المكثفة التى عقدتها الدول الإفريقية ووقف هذه الاجتماعات سيكون له آثاره السلبية بعيدة المدى على مواصلة المفاوضات.
***
وعلى الرغم من أن تفاقم الوباء فى الدول الإفريقية ما زال محدودا، فإن الانتشار السريع لفيروس كورونا فى آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية يحذّر من أن المسألة مجرد وقت قبل أن تقع إفريقيا تحت وطأته كاملا. فبينما نحن واثقون من أن الغرب، الذى ينكب علماؤه لإيجاد العلاج المناسب لوباء الكورونا، سيتغلب عليه إن عاجلا أم آجلا، فما نخشاه أكثر ــ وعلى الرغم من أن غالبية الدول الإفريقية ما زالت خارج دائرة الخطر ــ هو ما قد تكون تداعيات هذا الوباء على القارة الإفريقية إذا ما بدأ بالتفشى فيها واستفحاله.
وفى حين ساور الدول الإفريقية الحُظوة حين نجت قبل عقد من الزمان من وطأة الأزمة المالية لمجرد أن القارة كانت أقل اندماجًا فى الأسواق المالية العالمية، فإن وباء الكورونا لا يعرف حدودا ولا يكترث بغنى كان أم فقير أو بمدى اندماج الدول من عدمه فى الاقتصاد العالمى، حيث يمتد كالأخطبوط لينال من دول العالم جميعها وناسها دون رحمة. ولن ينجو أحد منه إن لم يتكاتف العالم وتتضافر الجهود لهزيمته.
والسؤال لما أخشى على قارتنا أكثر من غيرها وأبدو الندم لاحتمال ضياع كثير من الجهد والعمل الدؤوب خلال السنوات الماضية للنهوض بدول القارة وشعوبها، بل ونجاح بعضها فى تحقيق أعلى معدلات نمو على الصعيد العالمى. فإن احتمالات تفشى هذا الوباء على مستوى القارة سيكون مدمرا لكل الجهود، خاصة وأن الكثير من اقتصاديات قارتنا مازالت هشة.

ولما النظرة التشاؤمية؟
لنقل بداءة أن غسل اليدين رفاهية لا يمكن فرضها على هؤلاء الذين يتكبدون العناء للحصول على المياه ويفتقرون إلى المياه النظيفة. وكذا «التباعد الاجتماعى» ليس واقعيًا بالنسبة للمجتمعات المهمشة، التى لا يناسبها العمل من المنازل. فإن بقاء النخبة أو الطبقة الوسطى فى المنزل والعمل باستخدام الإنترنت يختلف تماما عن أوضاع العمال المهاجرين والعمال باليومية. فلا يمكن لهؤلاء تفهم معنى عمليات الإغلاق والابتعاد الاجتماعى التى تحول دون الحصول على قوتهم اليومى. أضف إلى ذلك الأنظمة الصحية الهشة، فإن العديد من الدول فى إفريقيا لديها مساحة محدودة للغاية فى ميزانياتها لزيادة الإنفاق على مجالات الصحة. كما أن الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية يظل الاستثناء وليس القاعدة فى قارتنا. وإن قدرة القارة على اتخاذ إجراءات متواضعة للتعامل مع هذه الكارثة يعوقها عبء الديون، التى تصل تكلفة خدمته وحدها إلى أكثر مما تنفقه عديد من الدول على ميزانية الصحة.
وتعتمد الدول الإفريقية فى معظمها على المساعدات المالية من الدول المتقدمة. فماذا لو تحولت أجزاء من هذا الفائض إلى مواجهة وباء الكورونا وقطع التمويل عن القارة؟ وكيف يتأتى للدول الإفريقية الإنفاق على الصحة والحصول على الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية من الخارج أمام نقص العملة الصعبة وطمس ما يقرب من 10% من الناتج المحلى الإجمالى للقارة، حيث إن قطاعات مثل السياحة والطيران والتجارة متضررة بعد وقف أكبر شركات الطيران فى القارة الإفريقية.
كما أن تعايش أجيال الشعوب الإفريقية جنبًا إلى جنب عبر الحدود يعد معضلة فى حد ذاته أمام حظر الانتقالات وإغلاق الحدود على غرار ما تم بين دول الاتحاد الأوروبى. وأن الإغلاق داخل الدول أدى إلى اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمواطنين فى كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا وغيرها ونزلت قوات الأمن إلى الشوارع لفرض حظر التجوال من الفجر حتى الغسق.
كما أنه ليس لدى السلطات المحلية فى كثير من الدول الإفريقية القدرات المعملية والإكلينيكية للتعرف على الحالات المصابة، فإن تنزانيا مثلا اختبرت 273 فقط من أصل 39000 فرد قادمون من الدول المتضررة، فى حين أن دولًا مثل ألمانيا كانت قادرة على الحفاظ على معدل وفيات منخفض بسبب الاختبارات العامة. وعلى الرغم من أن الحالات المبلغ عنها ما زالت منخفضة نسبيا مقارنة بأوروبا وأمريكا الشمالية، فإن الأمر يختلف كلية فى إفريقيا فى ضوء النظم الصحية الهشة، مما يستدعى بالضرورة التدخل الدولى لمحاربة الفيروس.
وبصفة عامة، سيكون للوباء تأثير اقتصادى سلبى كبير على القارة وتكلفة مباشرة على الاقتصادات الإفريقية ومزيد من الفقر لشعوبها. فإن تعطيل الحياة اليومية لهؤلاء الذين يعيشون تحت حد الفقر أو بأقل الدخول سيؤدى إلى انتشار الجوع والمجاعة. كما ستحد الظروف المالية العالمية الأكثر صرامة من إمكانية الحصول على المساعدات المالية وتراجع مشروعات التنمية والبنية التحتية الضرورية لإنجاح منطقة التجارة الحرة القارية. ويتعين علينا تدارك الوضع قبل تفاقمه إلى نقطة يصعب بعدها ضبطه. كما يتعين على العالم أن يتيقن أنه إذا لم يتم هزيمة الفيروس فى إفريقيا، فإنه سيرتد إلى سائر دول العالم من جديد.

مواجهة التحديات
ولتمكين القارة الإفريقية من التصدى لوباء الكورونا، شارك القادة الأفارقة فى إنشاء صندوق لتوفير الموارد اللازمة لدعم جهود مكافحة تفشى وباء الكورونا، كما كانت مبادرة السيد الرئيس السيسى بالمطالبة بتخفيف أعباء الديون المستحقة على الدول الإفريقية ذات وقع قوى على مجموعة العشرين فى قمتها الاستثنائية الافتراضية، التى دعت إليها السعودية فى أواخر مارس، واسترعاء انتباه قادتها إلى محنة القارة بأن تكلفة خدمة ديون الدول الإفريقية تصل إلى أكثر مما تنفقه على ميزانية الصحة.
واليوم يقع على عاتق مؤسسات التمويل الدولية والدول المانحة القيام بدورها لمنع تفشى الوباء فى إفريقيا إلى نقطة لا رجعة منها. وعلى البنك وصندوق النقد الدوليين أن يتحركا بسرعة والاستمرار فى تقديم التمويل الطارئ والدعم المالى تخفيفا لأعباء الديون كما أنه على وزراء مالية مجموعة العشرين تقديم كل العون لاحتواء الوباء قبل انتشاره. وبينما تتصرف الدول الإفريقية بشكل حاسم لوقف انتشار الفيروس، فإن الاضطراب الاقتصادى وترقب حالة كساد عارمة فى الاقتصادات العالمية والتأثير على أسعار السلع سيسهم فى تضخم المصاعب فى إفريقيا، التى تستدعى تضافر جهود المجتمع الدولى.
وفى النهاية فإن وباء الكورونا اختبار للمجتمع الدولى وما إذا كان قادرا على وضع سياسات متسقة وحاسمة وشاملة ومبتكرة لمحاربة هذا الوباء الذى لا يصون غنى أو فقيرا، شابا أو مُسنا، رجلا أو امرأة، فالجميع مستهدفون ومعرضون للإصابة. وقوة مجتمعاتنا إنما تقاس بقوة أضعفنا. فإن أكثر الاقتصاديات قوة أثبتت ضعفا أمام وباء الكورونا. وعلينا ألاّ نسمح لإفريقيا أن تصبح تحت رحمة وباء الكورونا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved