إثيوبيا.. «يوم الحساب»!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 9 أبريل 2021 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة، التى عقدت فى كينشاسا عاصمة الكونغو، يطلق بلا شك العد التنازلى لـ«يوم الحساب» الذى تستحقه إثيوبيا، جراء محاولتها حرمان مصر والسودان من حقهما التاريخى فى مياه نهر النيل، وفرض العطش على شعبيهما.
الجولة الأخيرة من المفاوضات، كانت كاشفة وفاضحة لحجم التعنت والتسويف والمراوغة التى دأبت عليها أديس أبابا منذ الشروع فى بناء السد، ودليلا دامغا على أنها غير راغبة على الإطلاق فى إيجاد حل سلمى للأزمة، أو التقيد بأى اتفاق قانونى ملزم، يحمى مصالح وحقوق دولتى المصب.
بيان الخارجية المصرية الذى صدر عقب فشل المفاوضات يوضح هذا الأمر بجلاء، حيث قال: «رفضت إثيوبيا المقترح الذى قدمه السودان وأيدته مصر، بتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية التى ترأس الاتحاد الإفريقى للتوسط بين الدول الثلاث، ورفضت إثيوبيا كذلك خلال الاجتماع جميع المقترحات والبدائل الأخرى التى طرحتها مصر وأيدتها السودان، من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة فى المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط فى المباحثات والمشاركة فى تسيير المفاوضات، وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.. كما رفضت إثيوبيا مقترحا مصريا تم تقديمه خلال الجلسة الختامية للاجتماع ودعمته السودان بهدف استئناف المفاوضات بقيادة الرئيس الكونغولى وبمشاركة المراقبين وفق الآلية التفاوضية القائمة».
لم يكن أحد يتوقع قيام إثيوبيا بتغيير نهجها المتبع فى التفاوض منذ عشر سنوات، والقائم على التهرب والتسويف والمماطلة، كما أنها لم تخالف ظن الكثيرين فى إصرارها المثير للشكوك والريبة على دفع الأمور نحو حافة الهاوية، وفتح الباب على مصراعيه أمام الاحتكام إلى لغة السلاح والمواجهة، غير مكترثة بالعواقب المدمرة التى ستصيبها، أو بحالة عدم الاستقرار التى ستحدث فى المنطقة بكاملها.
اذا كانت إثيوبيا تدفع الأمور على هذا النحو تجاه الصدام، فلها ما تريد وأكثر، ليس لأننا دعاة حرب وصراع ومواجهات عسكرية، ولكن لأن الأمر يتعلق هنا بكبرياء وكرامة وتاريخ دولة عريقة كمصر، وبمصير شعب صنع على ضفتى النهر المتدفق منذ آلاف السنين، أعظم حضارة عرفتها البشرية، ولا يمكن السماح لأحد بإنهاء أو حصار هذه الحضارة مهما كانت الظروف.
كذلك لا يحق لأى طرف فى العالم، توجيه اللوم لنا على ما قد يحدث فى المستقبل من مواجهات متوقعة، بعد هذا القدر الكبير من المرونة والمسئولية التى اتصف بها المفاوض المصرى على مدى سنوات طويلة، أملا فى التوصل إلى اتفاق مرضٍ حول سد النهضة، يحافظ على حقوقنا التاريخية المشروعة، ولا يحجر على حق أديس أبابا فى التنمية والرخاء.
فى الطريق إلى «يوم الحساب» الذى تستحقه إثيوبيا، والذى نراه قريبا، ينبغى علينا الترفع عن تلك المهاترات العبثية التى تفتت الصفوف، مثل تحميل ثورة يناير مسئولية بناء السد، أو اتهام الدولة بالتراخى فى المفاوضات حتى أصبح هذا السد واقعا على الأرض.
يجب على الجميع الوقوف بقوة خلف الدولة المصرية، التى تخوض بالفعل معركة وجود حقيقية لا مجال فيها للتراجع أو الاستسلام أو حتى التفريط فى قطرة مياه واحدة من حقوقنا فى نهر النيل، وهو ما يتطلب تقوية الجبهة الداخلية، وتنحية أى خلافات سابقة فى الرأى أو الرؤى حول طريقة التعامل مع السد الإثيوبى.
فهذا السد الذى يحرم المصريين من حقهم فى الحياة والتنمية والحضارة، لن يكون أبدا مجالا للفرقة أو موضعا للخلاف وتصفية الحسابات بين أبناء هذا الوطن، مهما اختلفت مشاربهم وخلفياتهم الأيديولوجية، ولكنه يجب أن يكون أداة للاصطفاف ورص الصفوف والتوحد، حتى نتجاوز هذه اللحظة الحرجة والمصيرية فى عمر الوطن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved