الوضع داخل إسرائيل أعقد من مسألة تهديد الديمقراطية

تقارير
تقارير

آخر تحديث: الأحد 9 أبريل 2023 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

الاحتجاجات الإسرائيلية الأخيرة بشأن مشروع قانون الإصلاح القضائى، الذى تقدم به نتنياهو وحلفاؤه المتطرفون، توحى بأن إسرائيل كانت دولة ديمقراطية قبل اندلاع هذه المظاهرات، إلا أن الديمقراطية تعنى ضمان الحقوق المتساوية لجميع المواطنات والمواطنين ــ بما فى ذلك الشعب الفلسطينى ــ بغض النظر عن العرق أو القناعات الدينية. فى ضوء ذلك، نشرت بعض مراكز الأبحاث والمواقع تقريرا حول استغلال نتنياهو لتحالفه مع اليمين المتطرف لتقييد صلاحيات المحكمة العليا من جانب، ولتنفيذ تكتيكات اليمين الدينى بحق الشعب الفلسطينى من جانب آخر... نعرض ذلك فيما يلى.

هناك مصلحة ضمنية بين أولئك الذين يفضلون الإبقاء على الفصل العنصرى القائم على السيطرة التمييزية على الشعب الفلسطينى، وبين أولئك الذين يعتزمون استخدام وسائل عنيفة لإنهاء الوجود الفلسطينى كنوع من التطهير الذى تستخدمه الدولة اليهودية، تحقيقا فى النهاية لرؤية إسرائيل باعتبارها متوافقة مع «أرض الميعاد».

سياسيًا، احتاج نتنياهو إلى التحالف مع الصهيونية الدينية لاستعادة السلطة والحصول على دعم لتطبيق مشروع «الإصلاح القضائى» من أجل التهرب من المساءلة الجنائية عن قضايا احتيال وفساد وخيانة. وأيديولوجيا، يبدو أن نتنياهو مرتاح لهذا السيناريو الذى قدمه كل من إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية.

بعبارة أخرى، تحالف نتنياهو مع اليمين الدينى يسمح له بإلقاء اللوم على الأخير فى التجاوزات بحق الشعب الفلسطينى. إلا أنه فى نفس الوقت، يلعب دورًا معتدلا فيما يتعلق بالقتال اليهودى حول الإصلاح القضائى لمنع انقسام الشعب ووقوع حرب أهلية.
• • •

فى ذات السياق، وافقت الحكومة الإسرائيلية، رسميا، فى اجتماعها الأسبوعى، يوم 2 إبريل 2023، على تشكيل قوة الحرس الوطنى، التى اقترحها وزير الأمن القومى، إيتمار بن غفير. وذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى بيان له، أن الحرس الوطنى «سيتعامل مع حالات الطوارئ الوطنية»؛ فى إشارة إلى الأحداث التى صاحبت التوغل العسكرى الإسرائيلى فى قطاع غزة فى مايو 2021، موضحا أنه سيتم تشكيل لجنة لمناقشة اختصاصات الحرس الوطنى ومسئولياته وتسلسل قيادته، وستُقدم التوصيات إلى مجلس الوزراء فى غضون 90 يوما.

وكان بن غفير قد أعلن، فى 29 مارس الماضى، عن خطته لإنشاء قوة جديدة للحرس الوطنى، تكون تحت إشرافه مباشرة، مؤكدا بثقة أن اقتراحه سيتم تمريره، وأن الميزانية التى طلبها لإنشاء هذه القوة ستتم الموافقة عليها.

وفى هذا الصدد، تُرجح العديد من التقديرات أن تشكيل قوة الحرس الوطنى يأتى فى إطار صفقة سياسية بين نتنياهو وبن غفير، حيث إنها كانت ضمن شروط الأخير أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية كى يقبل الانضمام لها، كما أن موافقته الأسبوع قبل الماضى على تأجيل التصويت على التشريعات القضائية ــ ولو مؤقتا ــ جاءت فى مقابل تسريع نتنياهو لخطوات إنشاء هذه القوة الجديدة.
• • •

الحرس الوطنى تعد قوة جديدة بمثابة وحدة مسلحة موازية لقوات الشرطة والجيش، حيث سيتم نشرها فى جميع أنحاء إسرائيل، وستكون مهمتها بشكل رسمى هى مكافحة الإرهاب والجريمة، والمشاركة فى فرض النظام العام، وذلك باستخدام الوسائل التكنولوجية والاستخبارية المناسبة، مع التركيز على التعامل مع الأحداث الطارئة بكثافة وكفاءة عالية.

سوف يعتمد الحرس الوطنى على القوات النظامية، فضلا عن الفرق التكتيكية، وقوات الاحتياط والمتطوعين. وسيتم منح عناصره نفس صلاحيات ضباط الشرطة، وسيخضعون لإشراف وزارة الأمن القومى، وسيكون للوزير بن غفير السلطة المباشرة على تلك القوة.
• • •

تركّزت الانتقادات الموجهة لإنشاء قوة الحرس الوطنى فى ثلاثة محاور رئيسية، كالتالى:

1) خطورة فصل الحرس الوطنى عن الشرطة الإسرائيلية: بالرغم من اتفاق خبراء الأمن الإسرائيليين على أهمية قوة الحرس الوطنى فى مواجهة التحديات الأمنية التى ظهرت فى المدن المختلطة (التى تحوى سكانا عربا وإسرائيليين)، والتى ظهرت بعد عملية «حارس الأسوار» فى مايو 2021، فإن الانتقاد الرئيسى يتعلق بكيفية فصل هذه القوة عن الشرطة الإسرائيلية، وخضوعها بشكل مباشر للوزير بن غفير. وهنا يُنظر إلى أن إنشاء القوة الجديدة لا يأتى تحت مبررات عملياتية، وإنما كجزء من صفقة سياسية بين نتنياهو وبن غفير، كما أن فصلها تنظيميا عن الشرطة الإسرائيلية سيضر بشكل كبير بالأخيرة، ويُضعِف من قدرتها على تأدية مهامها، وسيخلق عقبات تنظيمية وتشغيلية صعبة.

2) الخلط بين القوة الجديدة وخطط مماثلة سابقة: فى يونيو 2022، فى نهاية عهد رئيس الوزراء الأسبق، نفتالى بينيت، تم الإعلان عن إنشاء وحدة حرس وطنى، وذلك على خلفية عملية «حارس الأسوار»، والتى شهدت اشتباكات عنيفة مكثفة بين «عرب 48» واليهود، ولاسيما فى المدن المختلطة وعلى الطرق الرئيسية فى المناطق المأهولة بالسكان البدو فى النقب. وهذه القوة المُقترحة تأسست كجزء من قوات حرس الحدود، التابعة للشرطة الإسرائيلية، والخاضعة بالتبعية لمُفوِّض الشرطة الإسرائيلية، وكان من المفترض أن تتكون من مجندين وقوات شرطة الحدود المُحترفة، بتعداد يصل إلى حوالى 900 فرد، بجانب 8 آلاف من قوات الاحتياط من شرطة الحدود والمتطوعين، وكان من المفترض أن تتوسع قوة المتطوعين بمقدار 1500 عسكرى آخر بحلول عام 2023.

لم تُنشر تحديثات لاحقة عن وضع تلك القوة، بيد أن تقريرا نُشر فى صحيفة «إسرائيل هيوم»، فى 20 يناير 2023، أوضح أن الخطة الكاملة لإنشاء القوة المُشار إليها قد تم تعليقها بسبب نقص الميزانية، واقتصر الأمر على وحدة صغيرة مُكوّنة من 300 متطوع فقط. ولم يتضح بعد ما هى العلاقة بين قوة بن غفير المُقرر إنشاؤها والخطط السابقة المتعلقة بالقوة القديمة، وهل ستلغى الجديدة نظيرتها السابقة الخاضعة لإمرة مفوّض الشرطة الإسرائيلية، خاصة أن تشكيل القوة القديمة قد نال حينها تأييد المسئولين والخبراء الأمنيين فى تل أبيب.

3) استهداف العرب داخل إسرائيل: وفقا لتصور بن غفير عن قوة الحرس الوطنى، فإنها ستعمل بالأساس فى المدن المختلطة، وضد السكان العرب، وستُستخدم لهدم المنازل التى تأسست دون إذن حكومى، والمقصود هنا منازل العرب، الذين عادة ما يصعب عليهم الحصول على تصاريح البناء الإسرائيلية فى القدس وصحراء النقب. لذا يخشى معارضو إنشاء هذه القوة من استخدامها لاستهداف العرب داخل إسرائيل، ويُنظر إليها فى الأوساط الأمنية أنها ربما تقوم بانتهاكات ضد حقوقهم، وهو ما يُرشِّح تصاعد التوترات بين العرب والإسرائيليين فى الداخل، والتى يمكن أن تمتد إلى الضفة الغربية، لتزيد من تعقيد المشهد الأمنى، وتُهدد بانفجار يخشاه أغلب الإسرائيليين، بل ويحذرون منه.

ويبقى الاستنتاج الأكثر شيوعا بين الأوساط الأمنية الإسرائيلية، هو أن وزير الأمن القومى، بن غفير، يهدف من خلال إنشاء الحرس الوطنى إلى تشكيل قوة خاصة لأهدافه السياسية، وهو ما يُنظر إليه على أنه يمثل تهديدا للديمقراطية، فضلا عن تداعياته غير المحسوبة على منظومة الأمن داخل إسرائيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved