جدل المساواة فى الإرث

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الإثنين 9 مايو 2016 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

من محاسن الثورة التونسية أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام المسكوت عنه واللامفكر فيه والعبثى والعجيب والغريب فتجاور ما كان يعد ضمن الثنائيات المتضادة: المقدس مع المدنس والخرافى مع العقلانى والجدى مع الهزلى...التقت الأضداد وفتح باب النقاش حول الهوية ومجلة الأحوال الشخصية والمقدس واللغة ووظيفة المسجد والزكاة والمصارف الإسلامية والكتاتيب القرآنية والجمعيات الخيرية والمثلية والمساواة فى الإرث.

بيد أن المتأمل فى طريقة تفاوض التونسيين حول هذه المواضيع ينتبه إلى أن «الحوار» قلما يدار بطريقة حضارية ورصينة وبروية؛ إن هى إلا مواجهات وصراعات وتوظيف سياسى يخدم مصالح حزبية خاصة ومعارك تنطلق بإحداث الضجيج والنعيق لتصل إلى التكفير والشتم والثلب...ولا تفسر حالات الانفعال والتشنج والرغبة فى استئصال الآخر إلا فى ضوء كيفية تعامل أغلب التونسيين مع الآخر / المختلف / المغاير...إذ يعسر على أبناء المجتمع الواحد إلى حد الآن إدارة التنوع وتدبر الاختلاف ويصعب عليهم التزحزح عن المواقع والقطع مع سياسة «التخندق» وراء الأيديولوجيات.

***

لا شك أن الجمعيات النسوية كانت سباقة منذ سنوات، إلى المطالبة بالمساواة فى الإرث وقد رفعت الصوت عاليا بعد إجراء البحوث الميدانية التى أثبتت أن العمل بالوصية وتقسيم الممتلكات بالتساوى بين الذكور والإناث ممارسة موجودة بالفعل واتسع مداها وقد سبقت التشريعات حتى بات القانون متأخرا وغير متلائم مع الممارسات ومع تصورات الناس. ولا يفهم النضال من أجل المساواة على أنه بدعة تونسية. ففى المغرب احتدم النقاش بين الجمعيات النسوية والأحزاب الإسلامية منذ مدة وهذا يعنى أن وعيا نسائيا ورجاليا قد تشكل وفق مرجعيات متعددة منها ما يستند إلى الاجتهاد الدينى وتطوير القراءات البشرية التى أفضت فى عدة حالات، إلى إيقاف العمل بعدة آيات قرآنية منذ الخليفة عمر بن الخطاب فتعطل الحكم المتعلق بنصيب المؤلفة قلوبهم، وحكم قطع يد السارق والأحكام التى تشمل الرق وغيرها.

لا حديث فى تونس عن تعدد الزوجات ولا عمل فى عديد البلدان الإسلامية بحدود حكم الحرابة أو... وهذا يعنى أن المرجعية القانونية، وإن استندت إلى الشريعة والأعراف، قد راعت روح العصر ونسق التطور والمصالح العامة ثم تعززت هذه المرجعية بالمرجعية الحقوقية الكونية وصارت دلالات المساواة والعدالة والحرية والمسئولية والاختيار... متساوقة مع الأفق المعرفى الجديد حيث تتشابك الاختصاصات والمقاربات والمناهج لتؤدى إلى فهم مختلف وقراءة منفتحة ومرنة تؤمن بالنسبية وتجعل الفرد هدفا.

***

تطرح مسألة المساواة فى الإرث هذا الأسبوع من زاوية سياسية وهذا وجه الطرافة فالمتوقع أن تبادر الجمعيات النسوية بتفعيل هذا المطلب لاسيما بعد صدور الدستور الذى تضمن عدة مواد تقر بالعدالة والمساواة. ولكن النائب بمجلس الشعب مهدى بن غربية قرر أن يطلق مبادرة تشريعية تطالب بسن قانون المساواة فى الإرث بين الجنسين، وهنا مربط الفرس إذ لم تؤخذ هذه المبادرة على أساس أنها تنسجم مع القانون المنظم للعمل داخل المجلس والأدوار الموكولة للنواب؛ بل نُظر إليها على أساس أنها مزلق فهى تحفر جبا للأحزاب فتكون مباركة المساواة فى الإرث محرارا لمعرفة هل أن حزب النهضة قد قام بالمراجعات الضرورة وتماهى مع الصورة التى رسمها لنفسه باعتباره حزبا يمثل «الإسلام المعتدل»، أم أنه لا يملك الشجاعة والإرادة لتبنى هذا المطلب حتى لا يخسر قاعدته؟. وكذا الأمر بالنسبة إلى الجبهة الشعبية التى طالما رفعت شعار العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين فى العمل والصحة... ولكن حينما تعلق الأمر بالإرث تراجعت. وقس على ذلك ما تبقى من حزب النداء وبقية الأحزاب «التقدمية الديمقراطية».

مبادرة المساواة فى الإرث تفضح المتناقضات فى تركيبة الشخصية التونسية والإسلامية عموما، وتكشف النقاب عن مقاصد المدافعين عن الأيديولوجيا الذكورية من الرجال والنساء، وتعرى التوظيف السياسى لمطالب النساء وتُبين مأزق العلماء كالمفتى والداعية... الكل يحتمى بحجج واهية من قبيل: «لا يجوز مخالفة النص القرآنى»... والحال أن آيات كثيرة عطلت... و«ليس الوقت ملائما»... والحال أن صاحب الحق لا يؤجل مطلبه، و«علينا الانكباب على قضايا الإرهاب والبطالة فهى الأهم»... والحال أن المواطنية الكاملة مطلب لا يقل أهمية عن بقية القضايا.

المسار انطلق وما عاد بالإمكان اجترار نفس الخطاب... ودخول النساء معترك المعرفة الدينية يفرض تغيير منطق الاحتجاج فجددوا يرحمكم الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved