بين وعى الشعب ومسئولية الحكومة!

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 9 مايو 2020 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

بحسب آخر بيان رسمى معلن من وزارة الصحة والسكان المصرية، والذى صدر يوم الجمعة 8 مايو الحالى، فإن إجمالى عدد المصابين بفيروس كورونا فى مصر وصل إلى 8476 حالة، منهم 495 حالة جديدة يوم الجمعة الماضى فقط، وهو رقم كبير ومخيف اخذا فى الاعتبار أنه وفى نفس اليوم كانت الوفيات الجديدة هى 21 حالة ضمن إجمالى عدد وفيات وصل إلى 503 حالات، بينما بلغ عدد الحالات التى تحولت نتائج تحاليلها من إيجابية إلى سلبية 2416 حالة منها 1945 حالة شفيت بشكل تام!
الأرقام على جانب الشفاء والتحول من النتائج الإيجابية إلى النتائج السلبية مطمئنة وتعطينا المزيد من الأمل، بينما ما زالت أعداد الوفيات المستجدة يوميا، وكذلك أعداد الإصابات مقلقة للغاية، فهى تؤشر أننا فى بداية طريق الذروة وهى مرحلة صعبة ترتفع فيها أعداد الإصابات والوفيات بشكل كبير (بلغ فى بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة أكثر من عشرة آلاف حالة يوميا)، قبل أن تبدأ المعدلات فى الانخفاض مجددا وتبدأ إجراءات عودة الحياة إلى طبيعتها وأخذ مجراها الطبيعى.
الأسبوع الماضى وتعليقا على ارتفاع الأعداد والتخوفات من الدخول فى مرحلة الذروة، علق الدكتور حسام حسنى رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا فى مداخلة هاتفية مع برنامج «القاهرة الآن» المذاع على قناة «العربية»، بالقول: «كنا نراهن طوال الفترة الماضية على وعى الشعب بالموقف الراهن والآن نحتاج إلى تعاون وثيق وشديد بين وعى الشعب وقرارات شديدة القوة»، منتقدا بعض السلوكيات العامة غير الواعية بطبيعة وخطورة الوباء فى مصر، مكملا «للأسف وعى الشعب صحيا غير موجود. الشعب استهان بكورونا وكورونا لا يستهان به»!
انتهى كلام المسئول بحسب صياغة الأستاذ محمد الشرقاوى على الموقع الإلكترونى لجريدة «اليوم السابع» والمنشور بتاريخ 2 مايو الجارى! وقد كرر الدكتور حسام كلاما مشابها فى حديثه اللاحق مع برنامج «كل يوم» المذاع على فضائية «إكسترا نيوز» حيث قال بحسب الموقع الإلكترونى لجريدة «الوطن» والمنشور يوم الثلاثاء 5 مايو بحسب صياغة الأستاذ شريف سليمان: «خسرنا الرهان على وعى الشعب»! والحقيقة فهذا الكلام قد تناوله بشكل مشابه تماما السيد وزير الإعلام أسامة هيكل فى مؤتمر صحفى بمقر مجلس الوزراء قبل أيام معدودة، ثم أعاد الدكتور مصطفى مدبولى نفس المعانى فى مؤتمر صحفى بمقر مجلس الوزراء يوم الخميس الماضى، منوها على المجهودات الكبيرة التى بذلتها الدولة ومطالبا المواطن بتحمل مسئوليته موضحا أن السيد وزير الداخلية قد أبلغه أنه فى ليل الأربعاء الماضى فقط تم تحرير 4 آلاف محضر لمخالفى حظر التجوال!
***
الحقيقة إننى لست من هواة رفع كاهل المسئولية تماما من على المواطن وأرى أن الأخير لابد وأن يتحلى بالمسئولية وخصوصا فى مواجهة ظرف طارئ وكبير كالذى نعيش فيه!
كذلك، فلا يمكن أبدا إنكار أن المسئولية تشاركية بين الشعب والدولة، فلا يمكن للدولة وحدها مواجهة آثار الوباء دون تعاون الشعب، وفى هذا السياق فإن «وعى الشعب» بالضرورة محورى فى هذه الظروف الصعبة، وفى الكثير من الولايات الأمريكية والتى، ولتعقيدات قانونية ودستورية، لم يكن من الممكن فرض «حظر التجوال» فتم اللجوء إلى أمر «البقاء فى المنزل» وهو أمر لا توجد عقوبة على مخالفته وأقصى ما تستطيع الشرطة فعله هو «نصيحة المخالفين»، فإن وعى المواطنين بالفعل كان حاسما فى التقليل من آثار الوباء المدمرة وفى بداية الخروج من مرحلة الذروة، ولكن هنا لابد من تسجيل ثلاث ملاحظات ضرورية حتى تكتمل الصورة:
الملاحظة الأولى: أن الرهان على وعى المواطن فى الحالة المصرية لابد أن يتخذ بقدر من الحذر، ففى دولة نعانى فيها من الفقر والجهل باعتراف وإقرار المسئولين أنفسهم، مع وجود مشاكل كبيرة ما زالت لم تحل فى قضية المنظومة التعليمية، وتراكمات فى الممارسات الصحية الخاطئة على مدى عقود، وفى إطار مجال عام منغلق، لا يمكن أبدا الاكتفاء بالرهان على وعى المواطن فى ظرف كهذا ثم الوصول إلى نتيجة متسرعة بأن الرهان قد خاب! قطعا يوجد مواطنون يمكن الرهان على وعيهم فى مصر، ولكن ما تعرض له الوعى العام من تدهور فى عقود لا يمكن توقع إصلاحه فى أيام، وإلا كنا هنا أمام حجج للتهرب من المسئولية وهذا خطير وغير مقبول!
وثانيا، فصحيح أن المواطن مسئول، ولكن هنا المسئولية ليست متساوية بين الشعب والحكومة، فالحقيقة أن المواطن الواعى المسئول ما زال هو أكثر مواطن ملتزم بإجراءات الحظر فى مصر، ولكن غير الواعى وغير المسئول هو من يرتكب المخالفات، وهنا وفى مقابل عدم مسئولية المواطن يأتى دور القانون ودور الحكومة، فمواجهة الاستهتار بإجراءات الحظر والتباعد الاجتماعى هى مسئولية الحكومة، وأدعى أنه حدث قدر كبير من التهاون والمرونة غير المبررة من قبل بعض المسئولين خلال الشهور الثلاثة الماضية، وهذا يقودنا إلى الملاحظة الثالثة وهى دور الدولة وأجهزتها المحورى فى هذا السياق.
فحتى نتمكن من تخطى مرحلة الذروة المتوقعة خلال الأسابيع القليلة القادمة، هناك عدة أجهزة منوط بها العمل بقوة وبحزم خلال هذه الفترة، وهى وزارة الداخلية، ووزارة الصحة، ووزارة الإعلام، ووزارة النقل، وأجهزة الحكم المحلى التنفيذية فضلا عن البرلمان.
***
فيما يتعلق بوزارة الداخلية، فتصورى أن استمرار الوزارة فى تحرير محاضر خرق الحظر هو أمر ضرورى، ولابد من نشرة دورية يومية عن عدد الحالات المخالفة وطبيعة العقوبات التى تعرضوا لها، كذلك فلا يجب أن يتوقف دور الداخلية عند معاقبة مخترقى الحظر، ولكن لابد أيضا من مساهمتها فى إجراءات التباعد الاجتماعى وعدم التجمهر حتى فى غير أوقات الحظر بالتنبيه على المحلات التجارية، سواء كانت كبرى أو شعبية، على طريقة الدخول وعلى عدم جواز وجود غير عدد محدد داخل كل متجر فى نفس الوقت، فلا يتم السماح بدخول زبائن جدد حتى يغادر عدد مماثل من الزبائن هذه المتاجر، والأمر نفسه يسرى على كل أماكن التجمعات المتوسطة والكبرى.
كذلك ورغم دور وزارة الصحة الذى لا يمكن إنكاره وتحملها الكثير خلال الفترة الماضية ومعها كل فرق الأطباء والتمريض، فلابد من تكثيف الحملات التوعوية على مستوى الأقاليم والمحافظات والقرى والنجوع، وكذلك لابد للوزارة أن تدرس ليس فقط إمكانية تحويل بعض الصيادلة إلى القيام بأدوار طبية بشكل مؤقت وهو أمر له سوابق فى دول العالم المتقدمة ومن المهم تطبيقه حتى ولو بشكل مؤقت، ولكن من الممكن أيضا دراسة إمكانية تدريب عدد من المتطوعين بضوابط محددة على مستوى كل المحافظات وخصوصا من الشباب على القيام ببعض الأدوار الطبية المساعدة (على غرار أدوار المسعفين من المتطوعين المدنيين أوقات الحروب)، كذلك فالدور التوعوى لوزارة الإعلام وقيامها بدور المنسق مع وزارات الداخلية والصحة لتطبيق إجراءات الحظر والتباعد الاجتماعى هو أمر لا غنى عنه.
أما عن أجهزة الحكم التنفيذى المحلى فدورها لابد وأن يكون أكبر لتطبيق إجراءات الحظر وضبط المنشآت المخالفة ومساعدة الداخلية فى تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعى، وأخيرا لابد وأن يكون للبرلمان دور كبير فى تقديم التشريعات المساعدة خلال المرحلة القادمة سواء كانت المتعلقة بتدريب الصيادلة للقيام بالأدوار الطبية، أو تدريب المتطوعين من المدنيين للقيام ببعض الأدوار الطبية المساعدة، وهنا أيضا يأتى دور وزارة النقل فى التوجيه بتكثيف رحلات أتوبيسات ووسائل النقل العام وخاصة فى الخطوط التى تشهد ضغطا، والوضع نفسه لابد وأن ينطبق على مرفق مترو الأنفاق.
لا معنى إذا خلال المرحلة الحالية لحديث بعض المسئولين عن تخفيف إجراءات الحظر تحت دعوى الرهان على وعى المواطن! فمسئولية الحكومة أصيلة فى هذه الظروف، وهو أمر أتمنى عدم الاستهانة به كما أتمنى من الحكومة عدم الاستجابة للضغوط التى يمارسها رجال الأعمال وغيرهم لدرجة أن بعضهم يبتز الدولة علنا، ذلك أن الكل يريد عودة الحياة إلى طبيعتها ولكن لن يكون ذلك ممكنا ولا آمنا قبل تخطى مرحلة الذروة المتوقعة!
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر.
الاقتباس
قطعا يوجد مواطنون يمكن الرهان على وعيهم فى مصر، ولكن ما تعرض له الوعى العام من تدهور فى عقود لا يمكن توقع إصلاحه فى أيام..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved