إدارة المصالح الاستراتيجية: نظرة أخرى

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 9 يونيو 2014 - 5:20 ص بتوقيت القاهرة

الحيرة نفسها تكررت مرتين فى توقيت متزامن.

فى البند الرابع من عقد شراء دار نشر أوروبية شهيرة لمجموعة جديدة استوقف الذين اطلعوا عليه نص مثير لا يدخل فى أى سياق قانونى أو تجارى يمنع «الإساءة إلى أمن إسرائيل».

الطرف المشترى لا صلة له بأية جهات تهدد إسرائيل وأمنها من قريب أو بعيد فضلا عن أن الدولة العبرية لا تعترضها فى أوضاع الشرق الأوسط وحرائقه أية تهديدات.

كان السؤال: «لماذا؟».. وبدت الإجابة أقرب إلى الإجراءات الاحترازية.

فى التوقيت نفسه فإن صحفيا من نفس الدولة الأوروبية المحورية كتب لأكثر مجلاتها شهرة ونفوذا دوليا عما يجرى فى مصر بعد (٣٠) يونيو بصورة تختلف عن التقارير التى اعتادها زملاؤه لم يجد طريقه للنشر.

كان السؤال مرة أخرى: «لماذا؟».

وافتقدت الإجابة مهنيتها: «لأنه يتعارض مع أمن إسرائيل».

اللوبيات الإسرائيلية أربكتها التحولات المصرية وحكومة «بنيامين نتانياهو» بدت مأزومة بين اعتبارين استراتيجيين.

أولهما أن تسحب المواجهات العنيفة فى سيناء من الجيش المصرى تماسكه وقوته وأن يدخل باستهداف ضباطه وجنوده وروحه المعنوية فى سيناريوهات التفكيك التى نالت من جيوش عربية أخرى.

ثانيهما أن يلحق بأمن إسرائيل أخطارا ليس بوسعها تدارك كلفتها من تنامى نفوذ الجماعات التكفيرية بالقرب من تجمعاتها السكنية.

ما بين الاعتبارين راقبت السياسات الإسرائيلية حركة الأحداث دون تورط علنى ودخلت على ملفاتها الدولية وفق مصالحها الاستراتيجية.

تضاغطت هنا وهناك ومدت جسورها فى اتجاهات متناقضة.

عملت على إضعاف الدور المصرى لكن دون أن تلحق بنفسها أضرارا خطيرة.

وفى لحظة نقل السلطة فى مصر إلى رئيس جديد أرادت أن تسجل حضورها باتصالى تهنئة من رئيسها «شيمون بيريز» ورئيس وزرائها «نتنياهو».

وكان ذلك إحراجا مقصودا واختبارا مبكرا لتوجهات القادم الجديد.

بالنسبة لإسرائيل فإنها تطلب «مبارك جديد» وهذه قضية لا صلة لها بالنوايا المعلنة.

فكيف يدير الرئيس الملف الإسرائيلى؟

السؤال وإجابته أول اختباراته أمام عالمه العربى.

وفى إدارته للمصالح الاستراتيجية المصرية فإنه يجد نفسه أمام تعقيدات لم تعترض أحدا قبله.

أول تحدياته الأمن وأمن مصر فى إقليمها وحرائقه تمتد إلى داخل حدودها.

وثانى تحدياته الاقتصاد واحتمالات تعافيه.. صلاتها وثيقة بتفاعلات الإقليم وحقائقه الجديدة.

فى اقترابه من الملفات الملغمة مخاطر ماثلة وفرص سانحة.

نظرة واحدة على الخريطة تنبئ بتحولات فى موازين القوى والنفوذ وأطراف إقليمية تتأهب لإعادة تعريف أدوارها.

إسرائيل حاضرة لكنها ليست وحدها وتركيا فى المشهد لكن أدوارها تراجعت وقطر تشاكس قبل النهايات المرتقبة وفى المقدمة لاعبان طموحان.

فى الحسابات والرهانات المتصادمة فإن اللاعبين الإيرانى والسعودى فرسى صراع يمتد على الخرائط المأزومة فى سوريا والعراق ولبنان واليمن وعلى شواطئ الخليج ذاته.

فى الأزمة السورية على طرفى نقيض فى اختبارات القوة ولكل منهما معسكره الإقليمى والدولى.

بالنسبة لإيران فالدفاع عن النظام السورى الحالى يدخل فى صلب أمنها القومى وفى قلب مشروعها للتمدد الاستراتيجى فى معادلات المنطقة.

سقوطه يفضى إلى إنكفائها إلى الداخل وتآكل نفوذها الإقليمى وتهديد بنية دولتها، وهذه أمور حياة أو موت.

بالنسبة للسعودية فإنها لا تملك أسبابا مماثلة وبصورة ما فإنها مرشحة لمراجعات جدية فى هذا الملف.

ناهضت «الربيع العربى» لكنها انخرطت فى أكثر مشاهده دموية. دعمت المعارضة تمويلا وتسليحا قبل أن تكتشف مغبة سياستها على مستقبلها. الإدارة الأمريكية فتحت قنوات حوار من خلفها مع إيران ولم تطلعها على أية خطوات مستقبلية وراهنت على صعود جماعة الإخوان المسلمين وإعادة تصميم المنطقة من جديد وتقسيم دولها وأولها الحليف السعودى وبعض سلاحها وصل إلى بعض مناهضيها من الجماعات التكفيرية. وكانت إطاحة الجماعة فى مصر بمثابة طوق إنقاذ للنظم الخليجية كلها. ورغم الموقف الإيرانى الملتبس من التحولات المصرية فإن طهران استفادت من نتائجها، فقد خفت الضغوط العسكرية على حليفها السورى وأخذت نفسا عميقا فى إدارة مصالحها الاستراتيجية.

بالنسبة للأطراف كلها فإن مصر رقم صعب محتملا فى أية ترتيبات وتسويات قادمة.

بقدر ما تبنى من سياسات مستقلة تساعد السوريين على تجاوز محنتهم المروعة فإنها تساعد نفسها على ترميم صورتها فى عالمها العربى واستعادة شىء من أدوارها.

فى العراق فإن اللاعبين الإيرانى والسعودى يتصدران مشاهده. إيران بإمساكها مفاصل السلطة «الشيعية» والسعودية بدعم معارضيها «السنة».

القوة لإيران والإزعاج سعودى والغياب مصرى.

تلخص المشاهد اليومية الدموية فى العراق مأساة دولة تفككت ومجتمع استحال إلى مذاهب وطوائف وميليشيات وبات من أكثر شعوب العالم تعاسة.

وبصورة ما فإن احتمالات التسوية ممكنة لكن فى إطار دولى وإقليمى أوسع.

لا حلحلة للأزمة العراقية بلا حلحلة تسبقها لأزمة المشروع النووى الإيرانى.

فى التسوية المحتملة مع الإدارة الأمريكية تسويات كبرى لملفات ومعضلات فى المنطقة.

السعودية طرف رئيسى وتحتاج لشريك مصرى قوى لبناء شىء من التوازن والنفوذ فى إدارة مصالحها الاستراتيجية وإيران لا مصلحة لها بأى مدى منظور فى مخاصمة نظام مصرى يحظى بثقة شعبه، وهذه مسألة حاسمة للعب أى دور إقليمى مؤثر.

التحالف المصرى الخليجى موضوعه التوازن الإقليمى لا الصدام مع إيران أو أية أطراف أخرى ولغة المصالح المتبادلة العنوان الرئيسى لأية ترتيبات محتملة.

فى السيناريوهات الممكنة فإن الملف اليمنى فوق المائدة، فالسعودية تحتضن النظام وتدعمه وإيران تدعم المعارضة الحوثية وتسلحها ومصر شبه غائبة فى أية حسابات بعد انسحابها المأساوى من معادلات المنطقة بعد توقيع اتفاقيتى «كامب ديفيد» لكن حضورها فى المشهد اليمنى يعيد صياغته.

قبل اليمن فالاختبار الأول لأى تقارب محتمل عنوانه لبنان وموضوعه التوافق الإيرانى السعودى على رئيس جمهورية جديد ينتخب من البرلمان الذى عجز حتى الآن عن حسم الملف رغم مغادرة الرئيس المنتهية ولايته القصر الجمهورى دون أن يحل محله ساكن جديد.

مصر يمكن أن تكتسب دورها من ثقلها المعنوى والثقة العامة فيها وأن تكون جسرا للتفاهم والمشرق العربى كله بدوله وتعقيداته يبدأ تاريخيا الأمن القومى المصرى.

ويلفت الانتباه وسط الصخب المصرى مؤشرات قوية على احتمالات تقارب منظور إيرانى خليجى وصلت ذروتها بزيارة أمير الكويت للعاصمة طهران ودعوة سعودية لوزير الخارجية الإيرانى بزيارة الرياض.

باليقين هناك فرص لإعادة توصيف المصالح الاستراتيجية المصرية وفق قواعد الشراكة وأى كلام آخر فيه جهل فادح بالحقائق الأساسية.

للخليج مصالحه الكبرى فى الاستثمار الاستراتيجى مع الحليف المصرى ومبادرة العاهل السعودى بالدعوة إلى مؤتمر المانحين لمساعدتها على النهوض الاقتصادى من جديد تدخل فى هذا الإطار لا غيره.

باتساع النظرة على نيران المنطقة وتحولاتها فإن مصر إذا ما أدارت مصالحها الاستراتيجية على أسس شراكة حقيقية ولا أقل منها فإنها تضع قدميها ثابتة على الأرض وهى تتطلع لحفظ أمنها وانعاش اقتصادها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved