المنتدى المصرى الحضرى الأول.. وماذا بعد...؟

عمرو عبدالقوى
عمرو عبدالقوى

آخر تحديث: الثلاثاء 9 يونيو 2015 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

ينظم برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية فى مصر بالتعاون مع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية «المنتدى المصرى الحضرى الأول» خلال الفترة من 14 إلى 16 يونيو لبحث موضوع «أوضاع المدن فى مصر».

وتتلخص أهداف المنتدى، الذى يمثل فرصة للحوار بين المسئولين الحكوميين وصناع القرار من جهة وأكثر من 500 مشارك يمثلون المجتمع المدنى واصحاب المصلحة فى مجال التطوير الحضرى من جهة أخرى، فى تعزيز الحوار والأطر المؤسسية العاملة على التنمية والتطوير الحضريين على المستوى الوطنى من خلال تفاعل اكثر بين الاطراف اصحاب المصلحة. تتبلور نتائج هذا الحوار فى وثيقة تعكس واقع المشكلات والقضايا الحضرية مع توصيات عملية للتطبيق لعرضها فى المنتدى الحضرى العالمى المقرر عقده فى الإكوادور فى يونيو 2016.

وماذا بعد؟! … (وفى قول اخر، وايه يعنى؟!)

أظن هذا هو رد الفعل الاول لغالبية قراء مثل هذه الاخبار، فكم من مؤتمر وحدث نظم لمناقشة مشاكل الواقع الحضرى المصرى، والذى نعانى منه جميعا، ولا نرى منها إلا زيادة فى الزحام والتكدس، ومزيدا من العشوائية فى البناء والتخطيط، وبصفة عامة هبوط مستمر فى جودة الحياة التى يعيشها المواطن المصرى بغض النظر عن مستواه الاجتماعى.

ولكن أليس هدف هذا المنتدى هو الحوار والتواصل الفعال بين اصحاب القرار والمواطنين؟ فلماذا إذا رد الفعل السلبى هذا؟

وماذا بعد؟ رد فعل طبيعى لشخص فقد الثقة فى فعالية المنظومة المنتجة لمثل هذه «الحوارات» لخلق حوار حقيقى أو صادق. فحتى بعد ثورتين نادى فيهما المواطن بحقه فى المشاركة مازلنا نجد أمثلة مستمرة للحوار من طرف واحد مثل:

الحوار حول مصير المبنى المسمى بالحزب الوطنى، والقرار الفوقى الذى اتخذ متجاهلا القانون وأية آراء مجتمعية أو متخصصة حاولت أن تجد منبرا، وهناك المشروع المسمى بالعاصمة الادارية الجديدة الذى نتج عن حوار بين أصحاب القرار وأصحاب المال … فقط.

وأين الحوار على مشاريع مخطط «القاهرة ٢٠٥٠ » الذى تصور البعض أنه سقط مع سقوط جمال مبارك الراعى الرئيسى له، فنجد وزير الاسكان الحالى يصرح فى حديث لجريدة الشروق منذ عدة اشهر بأن مبادئ المشروع مازالت قائمة ويتم تطبيقها بغض النظر عن أى رفض مجتمعى له ظهر مع وبعد الثورة.

•••

أتصور أنه لا داعى للاستمرار فى تعديد الامثلة فلا اظن ان هناك مننا الكثيرين ممن يرون فى «الحوار عن الحوار» من جانب الجهات الرسمية اكثر من «كلام جرائد»، ولكن… وماذا بعد؟
لا بديل فى رأيى عن الحوار. ثورة يناير كانت محاولة للتعبير عن ضرورة هذا الحوار، وعندما حاول الرئيس المنتخب الاول لمصر الرجوع إلى الخلف وغلق ابواب الحوار قام الشعب مرة اخرى لتذكرته بخطئه… فهل نحن متعلمون؟

•••

دعونا نصر على الحوار... وبمناسبة المنتدى الحضرى المصرى الاول دعونا نصر على فتح باب الحوار ولكن ليس فقط على مشكلة حضر مصر ولكن على المشكلة الاشمل وهى جودة الحياة للمواطن المصرى. فالواقع الحضرى عامل واحد من عدة عوامل تؤثر على جودة الحياة للمواطن. العامل الاقتصادى ومستوى الدخل عامل آخر ولكنه ليس الوحيد أو الرئيسى (تابع التوجهات السياسية للدولة). عوامل اخرى مؤثرة تشمل العدالة الاجتماعية، فلا جودة للحياة بدون احساس بالأمان والمساواة والمواطنة. وهناك ايضا الجوانب الاجتماعية مثل التعليم والصحة، ثم هناك العوامل البيئية مثل التلوث والبيئة الحضرية التى نسكنها، فأين الجودة اذا ما انخفضت سرعة الحركة فى الشارع المصرى إلى ثمانية كيلومترات فى الساعة ونازل، فلا نستطيع الوصول من نقطة إلى اخرى فى داخل المدينة فى اقل من ساعة؟ اين جودة الحياة اذا ما كان اكثر من ٦٠٪ من سكان العاصمة الكبرى يعيشون فى مساكن تعترف الدولة بأنها عشوائية تفتقر إلى عناصر الحياة الصحية، وفى بعض الاحيان الامنة ايضا. اما الـ ٤٠٪ الباقون فيعيشون فى مناطق مخططة رسميا لكن تتسم بالعشوائية ايضا فى البناء والارتفاعات والذوق والتعدى على الفراغ العام إلى اخره من مظاهر العشوائية الطاغية على الشارع المصرى. اين جودة الحياة فى مدن يعتبر فيها الرصيف المخصص لحركة المشاة رفاهية لا داعى لها؟

•••

دعونا نصر على فتح الحوار فى حق المواطن المصرى القاطن لمدينة مثل القاهرة فى متنفس طبيعى، وحق فى النيل الذى يقطع منه عشرات الكيلومترات مدينته. قرار هدم مبنى الحزب الوطنى صاحبه اقتراحات حكومية قوية باستغلال الارض لبناء فندق فاخر جديد يستفيد منه السائح الذى يجلب الدولارات لمصر، اما فكرة استغلال الموقع لتوسيع الرقعة الخضراء لوسط القاهرة وخلق همزة وصل بين النيل ووسط المدينة لتحسين جودة الحياة للمواطن فى هذه المنطقة المكتظة يصرف النظر عنه لسذاجته، «انت عارف متر الارض بكام فى هذا المكان؟».

وفى نفس الحوار دعونا نتطرق لرؤية مشروع القاهرة ٢٠٥٠ التى تنادى بإعادة تصميم القاهرة فى صورة دبى، حيث الابراج الشاهقة الانيقة الجالبة للاستثمارات الاجنبية، وبالتالى توضع جميعها على ضفاف النيل لتغلق النيل عليها وتعزل باقى المدينة الفقيرة عنه (أو يفضل نقل هذه الاماكن المكتظة وسكانها بعيدا). انظر «حائط الابراج» الذى بدأ فى رملة بولاق ووصل حاليا إلى ماسبيرو وممتد جنوبا فى اتجاه المعادى. وفى نفس اللقطة انظر إلى تجمع المصريين ليلا على كبارى العاصمة لأنها اصبحت نقاط التواصل الباقية لهم مع النيل.

وطالما الحوار استدرجنا إلى الابراج وعلاقتها بتشكيل الواقع الحضرى الذى نعيشه لا يجب ان يفوتنا ادراج مشروع برج «زايد كريستال سبارك» المزمع انشاؤه فى صحراء مدينة زايد بارتفاع مائتين متر … نعم ٢٠٠ متر. لا يمكننا تفادى ادراج السؤال «لماذا؟» فى الحوار الذى نرمى اليه. ما هى فلسفة صعود برج وحيد فى صحراء اكتوبر الشاسعة بمثل هذا الارتفاع؟ وكيف سيؤثر هذا على باقى المدينة التى لا تتعدى اعلى مبانيها الثلاثين متر وغالبيتها ستة وتسعة امتار فقط. كيف سيؤثر ذلك على جودة الحياة فى هذه المنطقة، وكيف سيؤثر على اسعار الارض حيث خلقنا تناقضا بين متر مربع ارض يسمح له بارتفاع ٢٠٠ متر إلى جانب متر مربع اخر لا يمكننا الارتفاع فيه عن ستة امتار، بماذا سيضيف هذا المشروع إلى جودة الحياة فى مدينة الشيخ زايد والسادس من اكتوبر (التى مازالت تفتقر إلى المواصلات المنتظمة بعد ثلاثين عاما) بخلاف رضاء المستثمر؟

•••

وأخيرا وليس اخرا لا يفوتنا طرح تساؤل عن سبب اتجاه موقع العاصمة الجديدة المزمع انشاؤها (لإخلاء مواقع الوزارات فى وسط القاهرة) إلى الشرق حيث يقطن رأس المال واصحاب الاستثمارات، وتجاهل جذب هذه الاستثمارات اقرب لمنابع الفقر فى الجنوب هو الجزء من الوطن الاكثر احتياجا لجزب استثمارات والى تدخل جاد وجذرى لإنقاذه من مكانته كمكان طارد للسكان والاستثمار؟

•••

هذه التساؤلات ليست بالجديدة بل قديمة جدا وان اختلفت فى تفاصيلها من زمان إلى آخر، ولكنها تظل عالقة لا تجد اجابات مرضية. فهناك على ما يبدو تفاوت عميق بين الرؤية الرسمية لأصحاب القرار والمجتمع المدنى طرفى هذا الحوار فى هذا المنتدى الحضرى، وتتركز هذه الفجوة فى مفهوم الغرض من التنمية. مما لاشك فيه فإن مؤسسات الدولة المصرية تركز كل طاقاتها على اعادة النمو الاقتصادى، فهذا واضح كل الوضوح فى الاستراتيجية الحالية التى تسعى إلى جلب اكبر قدر من الاستثمارات الخارجية الممكنة بكل الوسائل الممكنة. والافتراض وراء هذه الاستراتيجية هو ان النمو الاقتصادى هو الوسيلة لإصلاح حال المواطن المصرى، فهو الذى يمكننا من دعم احتياجاته الاساسية. ولكن كما يوضح لنا عالمنا الجليل الدكتور جلال امين هناك فارق كبير بين النمو الاقتصادى والتنمية المستدامة. النمو الاقتصادى يساهم فى تحسين ارقام الاقتصاد ولكن ليس بالضرورة ينتج عنه تنمية مجتمعية، وقد كانت ارقام مصر الاقتصادية متمثلة فى معدلات النمو واحتياطى النقد الاجنبى محترمة جدا فى عام ٢٠١٠ وفى تزايد ايضا، ومع ذلك لم يمنع ذلك من قيام ثورة شعبية. فرغما عن هذا النمو فى الارقام الا ان جودة حياة المواطن المصرى كانت فى انحدار لانعدام التنمية الحقيقية.

•••

مرة اخرى… وماذا بعد؟

الحوار ضرورى ولا مفر منه، ولكن يجب التوافق اولا على موضوع الحوار واهدافه، فاذا كان هدف الحوار الارتقاء بجودة الحياة لمجتمع يعانى نحو ٤٠٪ منه من قسوة الحياة بالقرب من أو تحت خط الفقر، فلماذا لا نراجع انفسنا فى آليات اشراك فئات هذا المجتمع فى الحوار بصورة حقيقية تتعدى الرمزية الحالية، ولماذا لا نراجع الهدف من الحوار نفسه ومعناه الحقيقى وهل من المناسب أن يدار هذا الحوار فى الفنادق الخمس نجوم والاكتفاء بزيارات سياحية للمناطق المهمشة وقاطنيها محل الحوار؟

الحوار يجب أن يستمر! 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved