تفكيك الحصار

بسمة عبد العزيز
بسمة عبد العزيز

آخر تحديث: الجمعة 9 يونيو 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

قال بعض الأصدقاء فى جلسة جمعتنا بنهار رمضان: ننتظر الوقوع لكننا لا نقع؛ الفعل نفسه مستمر لا يكُفّ ولا ينتهى، لا نقف على أرجلنا ولا نسقط أرضًا. قلت نحن فى البين بين. قالوا نعمل لكننا لا نرى نتيجة، قلت هو حَرث الماء الذى احترفناه لفترة طويلة. قالوا نحاول النهوض ونصنع أثناء مُحاولاتنا ضجيجًا رهيبًا، لكننا لا نبارح أماكننا، وقلت كأنها الجعجعة بلا طحن؛ مسرحية شكسبير المُلهِمة ومثلنا الشعبيّ القديم.
مَن يشعرون بأنهم محاصرون تعساء جدًا وأغلبنا على هذه الحال، نعانى أعراضًا نفسية مزعجة لا تُعَد ولا تُحصى، يُقعِدنا الإنهاكُ الشديد دون أن نبذل جهدًا حقيقيًا، نمسك فى أيدينا بالراية البيضاء فلا نحن نرفعها مستسلمين ولا نرفضها فننحيها جانبًا، مقررين أن ننكسها إلى الأبد وننطلق، يبدو بعضنا كشعلة لم تحترق تمامًا؛ فلا هى استحالت رمادًا، ولا توهَّجت لتنير الطريق. تغيب الطاقة ومعها القدرة على الفعل ويصبح اليوم كما الأمس والغدّ، لكن أعيننا تظل مفتوحة، ونبضات الأمل فينا ضعيفة لكنها لم تغِب.
***
كيف الهروب مِن الحصار؟ أم أن الحلّ ليس فى الهروب بل فى المواجهة؟ وإذا كان الحلّ فى المواجهة فما الأدوات والوسائل؟ هذه الأسئلة وأخرى استبقيتها فى أوراقى، وجهتها إليّ صديقة عزيزة، تتوسم أننى أملك إجاباتها الشافية والحقّ أننى قد أسعى وأجتهد لكنى لا أحوز الوصفة الكاملة.
انفردت أفكر وبطبيعتى اخترت المواجهة، وحين شردت أبحث عن الوسائل والأدوات، تبيَّنت أن استعادة السيطرة على الحياةِ الشخصية قد تكون بدايةً لاستعادة السيطرة على الوضع العام، وإذا كنا نعجز عن التحكم فيما حولنا فما أطيب أن نجرِّب التحكُّم فى أنفسنا. ثمّة نصائحٌ يُسديها مُتخصصون وأصحابُ خبرة للتغلُّب على حالِ الحصار، وثمّة إشارات قد تبدو بسيطة تافهة وأحيانًا مُضحِكة، مع ذلك يمكن تجربتها لتخطّى العلّة.
***
أولى النصائح؛ الشعور باللحظة والحضور الكامل فيها، نفسًا وجسدًا، بلا سهو ولا شرود. يقولون: خلال تناول الطعام تذوَّق ما تأكل برويّة وتأنٍّ، لا تأكل تأدية لواجب. خلال المشى ولو فى البيت؛ شدّ ظهرَك وافرد أكتافَك وانتبه لخطواتك، لا تحفّ الأرض حَفًّا ولا تزحف ولا تدع المركوب يحتكّ بالسجاد أو أى فرش أو حتى بالبلاط، لا تدعه يجذبك لأسفل ويُشعِرَك بالثِقَل والروتين والبلادة واللا جدوى. حين تتكلم؛ اسمع صوتَك وأنت تتحدث مع الناس، أنصت لنفسك وأحسب كلماتك وانتق الأفضل والأكثر تعبيرًا عن حالك، ليس المطلوب أن تردّ على مُحَدِّثك فى سرعة ولا أن تتخلّص منه ولا أن تستبقيه، المطلوب أن تقول ما ترضى عنه فقط وأن تفصح عما تريد فقط.
النصيحة الثانية تتعلق بالتغلُّب على الخواء. تجنَّب تفريغ عقلك وروحك على الملأ، لا تجعل أفكارك وأحاسيسك مشاعًا فهذا الأمر يتركك أجوف ولن تجد زادًا عند الانفراد بذاتك. الكربُ فى الإحساسِ بالعجز وليس فى العجزِ نفسِه، والمؤلم هو الإحساس بأنك خاوٍ وقد لا يكون إحساسُك فى مَحلّه، فثمّة ما يورثنا فى بعض الأحيان أحاسيسَ زائفة. تجنب هذه الأحاسيس وما يشبهها باتخاذ قرارٍ ثم تنفيذه فورًا، ولو كان صنع أكواب الشاى باللبن لك ولمن يشاركونك المجلس. اتخذ مُبادرة لتغيير وضعٍ مُزمِن؛ أى وضع فى البيت أو العمل أو مكان الدراسة، ولو كان إصلاح مقعد مكسور منذ سنوات، أو إعادة الاتزان للوحة مائلة، أو نقل سلَّة البَصَل مِن المطبخ إلى الشرفة وربما العكس.
***
فى ظلّ الحصار ينتاب الناس شعور بالشلل التام رغم وجودهم وسط ضغوط شديدة قاصمة، تتطلَّب قدرًا من اللياقة النفسية والبدنية للتعامل معها. وضع هدف صغير، مرحليّ، سهل الإنجاز، يقلل فرصة تمكُّن الشلل من الروح، والأهم أنه يعيد الثقة فى القدرة على الفعل.
تتعلق بعض النصائح بالحرص على التزام التفكير المنطقى، والابتعاد عن مصادر ابتزاز المشاعر ومنها ولا شكّ مواقع التواصل الاجتماعية التى تترك مُستخدِمَها وكأنه خرج للتو من حرب ضروس، وأضيف إليها الحملات الإعلانية المُستفزَّة التى تُشعِر مُتابعيها بأنهم كما الفريسة، سواء تلك التى تتعقَّبَهم فى التلفزيون خلال شهر رمضان أو التى تقتحم مجال رؤيتهم فى الشوارع والميادين طوال العام. أخيرًا؛ ترك مساحة للاختلاء بالنفس والتأمل مع تحييد المشاعر السلبية سالفة الذكر.
***
كثيرةٌ هى المُقترحات التى يمكن مِن خلالها تفكيك الحصار النفسيّ المَضروب علينا تدريجيًا، حصاة تلو حصاة. سردت أخفها وألطفها وأيسرها، وكذلك أبعدها عن أمور السياسة وأنفاقها ودهاليزها، وظنّى أن الأهمَّ مِن كتابتها وقراءتها والبحث عن المزيد منها أن نسعى لتجربتها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved