جدلية وحدة الأمة العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 9 يونيو 2021 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

من الضرورى أن يكون موضوع الشعار الوجودى فى الأيديولوجية القومية العربية واضحا ومقنعا وعميقا ومفصليا إلى أبعد الحدود فى ذهن ووجدان شباب وشابات الأمة العربية. وذلك من أجل أن لا يهتز الالتزام بالنضال من أجله وبه كلما قويت شوكة الأعداء أو ضاعت بوصلة الأمة.
وبالطبع نعنى بذلك مركزية شعار الوحدة العربية: لأمة واحدة ولوطن واحد. هذا الشعار هو إطار كل الشعارات الأخرى، والذى بدونه يضعف أو يتيه كل شعار آخر.
من هنا فإن أعداء هذه الأمة لا يخيفهم ولا يزعجهم الحديث عن أى شعار، إلا شعار الوحدة العربية، فإنهم عند ذاك يهابون ما يمكن أن تكون عليه الأمة الموحدة من إمكانيات هائلة بالغة التأثير على التوازنات العالمية فى شتى المجالات.
لنتصور لو أن هذه الكتلة الجغرافية التى تغطى ثلاثة عشر مليون كلم مربع، ويسكنها ما يقترب من نصف بليون نسمة، وتحتوى على كل أشكال التنوعات والثروات الطبيعية المكملة لبعضها البعض، وتستند إلى تاريخ مشترك ملىء بالإبداعات والإنجازات المادية والمعنوية التراثية المتنوعة الغنية، وفيها إمكانيات بشرية متناغمة هائلة.. لو أنها انتهت إلى نوع من التوحد التكافلى التضامنى، إن لم يكن الاندماجى، فماذا ستكون النتيجة فى مجالات الاقتصاد والأمن والاكتفاءات الذاتية والتغلب على الفقر ودخول عوالم المعرفة والتكنولوجيا الحديثة والتواجد الدولى؟
الملايين من الشعب العربى يعرفون الإجابة بحسهم العفوى وبخبراتهم فى حياة النضال السياسى، لكن هناك أصواتا أقلية وأفرادا ليسوا معنيين بذلك الوهج السياسى والحضارى. كل ما يسمع الإنسان منهم هى أصوات النزاعات العبثية وتراشق الاتهامات الصبيانية. ولأنها أقليات متسلطة أو أفراد مصالح أنانية مجنونة فإنها قادرة على تجييش كل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى الجماهيرية، وعلى استعداد لزج هذا البلد العربى أو ذاك فى زبونية القيام بالوكالة لما تطلبه هذه الجهة الإقليمية أو تلك الجهة الاستعمارية – الصهيونية، وذلك من أجل التآمر على الإخوة أو تأجيج الصراعات والحروب والمماحكات العربية – العربية، والتى بدورها تهيئ الأجواء والنفوس لإضعاف فكر وممارسة التوجه الوحدوى والاكتفاء البليد المضحك بالاهتمام بالجزء العاجز المستباح.
ولأن ذلك المشهد المأساوى قائم، ويتكرر بين الحين والآخر، وتحركه أيادى الخارج كلما احتاجت لإضعاف هذه الأمة، فإن إنهاء الدوامة التى يدور فيها يتطلب الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية معقولة تجعل القرارات القطرية منبثقة عن إرادة الشعوب، وعلى الأقل عن رضى أغلبية مكوناتها. وهكذا فإن الديمقراطية هى مكون أساسى من مكونات الوحدة العربية وفى نفس الوقت وسيلة مفصلية لتحققها. وهنا لابد من التأكيد على أن هلوسة بعض الأنظمة العربية بأنها مسئولة عن تدمير نظام عربى آخر باسم إعلاء شأن ما يعرف بالمعارضة الديمقراطية هى أقصر الطرق لتدمير أمل قيام وحدة عربية.
الديمقراطية فى كل قطر يجب أن تنبع فى الأساس من إرادة ونضال شعب ذلك القطر، وليس من قبل أنظمة حكم عربية غير ديمقراطية فى الأساس وتلعب فى كثير من الأحيان بالنار ولصالح الخارج.
لكن ذلك لا ينفى أهمية النضال القومى الشعبى المتضامن، بل والموحد، كما سنبين فى مقال مستقبلى.
ما يهمنا هو أن يترسخ فى أذهان الجيل العربى الجديد بأن الشعور القومى العروبى هو حراك جدلى، يقوى أحيانا ويضعف أحيانا آخر، فى صيرورته المستمرة التاريخية والمستقبلية. إنه زخم لا يقبل بالسكون والوجود الأسن الراكد، وذلك لأن الأخطار التى تحيط بالأمة، والتى تزداد بين الحين والآخر إلى حدود الكوارث، كما هو الحال فى الحاضر، وبالتالى فإن عليه أن يستجيب لمواجهة تلك التحديات.
ذاك الشعور لن يهدأ إلا فى أحضان وحدة الأمة والوطن، كحتمية وجودية قادرة على إخراج العربى من ألف علة وعلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved