فرصة الفلسطينيين الأخيرة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 9 يونيو 2021 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

وفود وقادة الفصائل الفلسطينية موجودون فى هذه الأيام فى القاهرة، تلبية لدعوة من القيادة المصرية، للاجتماع بعد غد السبت، فى مهمة نأمل أن تقود إلى مصالحة فلسطينية شاملة، وهى ضرورية لا غنى عنها من أجل بدء مفاوضات مع الجانب الإسرائيلى سعيا إلى حل شامل للقضية الفلسطينية.
يفترض أنه لا يوجد عربى عاقل يختلف على إدانة الاحتلال الإسرائيلى المستمر للأراضى الفلسطينية منذ يونيو ١٩٦٧، ولا على إدانة جرائمه المتواصلة بحق الفلسطينيين واللبنانيين، والسوريين.
لكن بنفس المنطق ينبغى أن ندين كل طرف أو شخص أو تنظيم فلسطينى، يكرس الانقسام مقدما هدية مجانية للاحتلال لم يكن يحلم بها.
نعلم أن الانقسام الفلسطينى كان موجودا طوال الوقت، بدرجات متفاوتة ونسبية، لكنه تعمق حينما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة بالقوة القاهرة فى عام ٢٠٠٧، بعد عام فقط من فوزها بغالبية مقاعد المجلس التشريعى، وبعد أن تأكد أن صيغة الحل الجزئى فى أوسلو كرست الاحتلال بدلا من قيام دولة فلسطينية، إضافة إلى عجز الانتفاضة الثانية عن خلخلة الاحتلال.
ومن يومها وإسرائيل هى المستفيد الأساسى من هذا الانقسام، إضافة إلى بعض التنظيمات والقيادات والشخصيات الفلسطينية، التى صارت تعيش وتتعايش على هذا الانقسام.
ولا يمكن إعفاء أكبر فصيلين فلسطينيين وهما «فتح» و«حماس» من المسئولية عن هذه الفرقة، ولا يمكن إعفاء الرئيس محمود عباس «أبومازن» شخصيا وبقية مسئولى السلطة الفلسطينية، كما لا يمكن إعفاء بعض قادة حركة حماس سواء كانوا فى قطاع غزة أو الخارج.
الانقسام صار يمثل شرخا فى الجسد الفلسطينى، لكن بعد العدوان الإسرائيلى الأخير على القدس وقطاع غزة، والمقاومة الباسلة للشعب الفلسطينى فى مواجهة هذا العدوان، عرفنا حقيقة ما تستفيده إسرائيل من الانقسام، وعرفنا أكثر معنى أن يكون هناك موقف فلسطينى موحد فى مواجهة إسرائيل.
حوار الفصائل الفلسطينية يفترض أن يبدأ بعد غد السبت فى القاهرة، والوفود بدأت تصل القاهرة من يوم الثلاثاء الماضى، والمعنى أن هناك أربعة أيام كاملة لـ اللقاءات الثنائية بين الفصائل، أو بين الجانب بالمصرى والفصائل الفلسطينية منفردة أو بصورة جماعية من أجل حل الخلافات أو على الأقل تليينها، وجسر الهوة بين الفصائل المختلفة، خصوصا بين فتح وحماس.
أظن أن الشعب الفلسطينى وغالبية الشعوب العربية، لن تتسامح مع أى طرف فلسطينى يعوق أو يعرقل أو يمنع من تحقيق المصالحة الفلسطينية.
فى الماضى كانت الحجج كثيرة بشأن استمرار الانقسام، لكن الآن فإن ذلك لم يعد مسموحا به، وبصورة واضحة فإن كل شخص أو قيادى أو تنظيم يضع العراقيل أمام المصالحة، فإنه يعمل بصورة واضحة لمصلحة الاحتلال سواء كان يدرك ذلك أو لا يدرك.
نتذكر أن الفصائل اجتمعت فى القاهرة عدة مرات، وبحثوا كل التفاصيل، ثم أصدروا «إعلان القاهرة» للمصالحة، وهناك عواصم ومدن عربية شهدت جولات مماثلة انتهت بإعلانات مماثلة، ومنها اجتماع شهير فى نهاية أحد شهور رمضان فى مكة على ما أظن.
فى أعقاب هذه الاجتماعات والمفاوضات والإعلانات تقفز الطموحات للشعب الفلسطينى إلى عنان السماء، لكن وفجأة تتبخر كل الآمال وتنهار المصالحة بمجرد عودة الفصائل إلى الضفة وغزة، أو إلى بعض العواصم التى تحرك هذا الطرف أو ذاك، إضافة بالطبع إلى العامل الإسرائيلى، الذى لم يخف إطلاقا رغبته فى إفساد أى مصالحة فلسطينية باعتبارها ستجهض مزاعمه بعدم وجود طرف فلسطينى موحد، ولديه الصلاحيات والدعم الشعبى للدخول فى مفاوضات جادة، تقود إلى تسوية عادلة تعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المهدرة.
بداية الحل أن تقتنع السلطة الفلسطينية، والرئيس محمود عباس وكل من يدعمهم، أن الصيغة الراهنة، لم تعد مجدية للفلسطينيين بالمرة، بل تخدم إدامة الاحتلال، وأن تقتنع حركة حماس أن التوافق على إجماع وطنى فلسطينى، أهم كثيرا من الاستماع إلى نصائح بعض العواصم، أو مكتب الإرشاد الدولى.
فى هذه الأيام هناك فرصة ذهبية قد لا تتكرر كثيرا، وهى المقاومة الباسلة للعدوان، والدعم العربى القوى، والتأييد العالمى لحقوق الشعب الفلسطينى، والإدانات المتوالية للبلطجة الإسرائيلية. هناك عامل مهم أيضا وهو «الدور المصرى» الذى عاد ليكون الحاضنة الكبرى للشعب الفلسطينى، من دون أن يخسر علاقته الرسمية بإسرائيل.
يحتاج الفلسطينيون فقط أن يتوحدوا ولا يعقل أن يطالبوا العرب والعالم بدعمهم، فى حين أنهم غير قادرين على مساعدة أنفسهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved