خطوات إسرائيلية رسمية لضم الضفة الغربية


دوريات عربية

آخر تحديث: الجمعة 9 يونيو 2023 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة أسواق العرب اللندنية مقالا مترجما للكاتب مايكل سفارد (نُشر بالتزامن مع مجلة فورين بوليسى الأمريكية)، تناول فيه محاولات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بقيادة نتنياهو، ضم الضفة الغربية المحتلة بشكل رسمى، من خلال نقل العديد من السلطات الإدارية فى الضفة من الجيش الإسرائيلى إلى قادة مدنيين ... نعرض من المقال ما يلي.
استهل الكاتب حديثه قائلا: فى 22 نوفمبر 1967، ناقشَ مجلسُ الأمن الدولى قرارا أصبح فى ما بعد أهم توجيه للمجتمع الدولى بشأن الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى منذ خطة تقسيم فلسطين فى 1947. تعلّقَ النقاشُ بنتائج حرب 1967، التى انتصرت خلالها إسرائيل على جيرانها العرب واستولت على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن، وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا.
فى مجلس الأمن، قال وزير الخارجية الإسرائيلى آنذاك أبا إيبان: «سنحترمُ ونُحافظُ بشكلٍ كامل على الوضع المتجسّد فى اتفاقيات وقف إطلاق النار إلى أن تخلفه معاهدات سلام بين إسرائيل والدول العربية لإنهاء حالة الحرب». لم يكن إيبان دقيقا تماما؛ عندما أدلى بتصريحه، كانت إسرائيل طبّقت أصلا من جانبٍ واحدٍ قانونها على القدس الشرقية. وفعلت الشىء نفسه بعد 15 عاما من خلال ضم مرتفعات الجولان رسميا. وعلى مدى نصف القرن الماضى، عمّقَ التوسّعُ الاستيطانى فى الضفة الغربية السيطرة الإسرائيلية وجعل الانسحاب العسكرى يبدو غير مُرَجَّحٍ وصعبا.
يضيف الكاتب: بغضِّ النظر عن الخطاب الدبلوماسى الغامض، خطابَ إيبان حدّدَ موقفَ إسرائيل الرسمى بشأن الضفة الغربية للسنوات الخمسين المقبلة: كان الوضع النهائى للأراضى المحتلة سيتحدّد من خلال محادثات تجرى بوساطة أمريكية. لكن حتى سنوات قليلة مضت، بدأ رئيس الوزراء نتنياهو فى الدفع علانية بسياسة الضمّ من جانبٍ واحد. وكانت المناورة البيروقراطية الأخيرة داخل حكومته اليمينية المتطرفة الحالية قد جعلت الضمَّ رسميا من خلال البدء فى عملية نقلِ العديد من السلطات المُشرِفة على الضفة الغربية من القادة العسكريين إلى القادة المدنيين، فى انتهاكٍ صارخٍ للقانون الدولى.

• • •
بموجب القانون الدولى، تُعتَبَرُ دولةُ الاحتلال سلطة إدارية مؤقتة ــ وليست دولة ذات سيادة ــ للأراضى التى تحتلها. هذا يعنى أنها مُلزَمة بالحفاظ على وضع الإقليم على الحالة التى كان عليها عند الاستيلاء عليه بقدر الإمكان. ولكن إسرائيل فعلت العكس، حيث تصرّفت بصفتها دولة ذات سيادة من خلال تسخيرِ أراضى وموارد الضفة فى خدمة مشروعٍ استيطانى ضخم، معظمه فى شكل مستوطنات إسرائيلية.
قوانين الحرب الدولية، وكذلك النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبران نقل سكان مدنيين لدولة محتلة إلى الأراضى المحتلة جريمةَ حرب. ومن الواضح أن إسرائيل تخطط الآن للتصعيد من خلال المزيد من التوسّع الاستيطانى.
يقول الكاتب: بدأت الفجوة بين كلمات إسرائيل وأفعالها فى الضفة الغربية تتغير فى العام 2017، عندما بدأ مسئولون فى حكومة نتنياهو آنذاك مناقشة خطط ضم المنطقة من جانب واحد. وفى ديسمبر من ذلك العام، مرَّر حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو قرارا يطلب من نوابه فى الكنيست «متابعة» الضم الكامل للضفة الغربية. لكن كان من الواضح لأولئك الذين صوتوا لصالح القرار أنه لا يتمتع إلا بوضع إعلانى ولا يمكن تنفيذه على الفور بسبب الاعتراضات الدولية.
فى الفترة التى سبقت انتخابات إسرائيل لعام 2019 وظهور مشروع الرئيس الأمريكى آنذاك دونالد ترامب «صفقة القرن»، أعلن نتنياهو فى مقابلات إعلامية أنه سيعزز التطبيق «التدريجى» للسيادة الإسرائيلية على الأرض. نتنياهو قال إنه ناقش «الضم بالموافقة» ــ الموافقة الأمريكية ــ مع إدارة ترامب.
كرَّر نتنياهو هذه الرسائل مرات عدة منذ ذلك الحين. الحكومة الجديدة التى شكلها العام الماضى مع أحزاب المستوطنين المتطرفة ذكرت فى بيانها «حق الشعب اليهودى الحصرى على كامل أرض إسرائيل». كما نص اتفاقُ الائتلاف بين الليكود والحزب الصهيونى الدينى المتشدد بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على أنَّ «رئيسَ الوزراء سيعمل على صياغة وتعزيز سياسة تُطبق بموجبها السيادة على يهودا والسامرة (الاسم التوراتى للضفة الغربية)».
• • •
هذه هى الخلفية لقرار حكومة نتنياهو الأخير بتغيير هيكل الحكم الرسمى للضفة الغربية من خلال نقل العديد من السلطات الإدارية من القيادة العسكرية إلى القيادة المدنية. يجب أن تُزيل هذه التحركات أى شكوك متبقية بأن إسرائيل بصدد عملية الضم الكامل للضفة الغربية، بحكم القانون.
فى أواخر فبراير، وقّع سموتريش اتفاقية مع وزير الدفاع يوآف جالانت لنقل عدد من السلطات الحكومية فى الضفة الغربية من القائد العسكرى للمنطقة إلى سموتريتش. وفى حين أن الأخير لم يتلق حقيبة القائد الكاملة، إلا أن النقل ما زال يُغير بشكل كبير هيكل النظام الإسرائيلى فى الضفة الغربية: للمرة الأولى، يوضَع العديد من السلطات الإدارية فى الأراضى المحتلة بين يدى مدنى. وقد عَنت هذه الخطوة أن سموتريش صار حاكما فعليا للضفة الغربية.
علاوة على ذلك، سيكون سموتريش هو المسئول الوحيد عن تصميم الكثير من سياسة الاستيطان الإسرائيلية فى الضفة الغربية. قضايا مثل تخصيص الأراضى والتخطيط والبناء فى معظم المناطق خارج المدن والقرى الفلسطينية؛ تطبيق القانون على البناء غير القانونى من قبل كل من الفلسطينيين والإسرائيليين؛ بنية تحتية؛ تخصيص المياه؛ وأكثر من ذلك بكثير … تقع جميعها الآن ضمن اختصاص سموتريش.
يعمل بعض بنود الاتفاقية على تشويش عملية نقل الصلاحيات من خلال تقديم الحاكم الفعلى باعتباره تابعا لوزير الدفاع. لكن وزير الدفاع سيكون له حق النقض فقط فى الحالات القصوى ــ مثل عمليات الهدم واسعة النطاق فى المناطق الفلسطينية ــ وفى كلتا الحالتين، ستتجاوز هذه القرارات القائد العسكرى. لا يخفى سموتريش حقيقة أنه ينوى توسيع سلطات الحكومة الإسرائيلية لتشمل المستوطنات من خلال تفكيك الإدارة المدنية بالكامل، الأمر الذى من شأنه أن يمنح السلطات الإسرائيلية سلطة مباشرة على الضفة الغربية.
وينص الاتفاق أيضا على أن الحاكمَ الفعلى سيعمل على توسيع النظام القانونى المزدوج فى الضفة الغربية من خلال السماح لتشريع الكنيست بالتطبيق بشكل كامل على المستوطنين الإسرائيليين، بينما يظل الفلسطينيات والفلسطينيون خاضعين للقانون العسكرى. سيتم تكليف المستشارين القانونيين بصياغة أوامر عسكرية من شأنها تطبيق التشريعات الإسرائيلية رسميا على المستوطنين، وهى عملية يُطلَقُ عليها اسم «التوجيه» لأن القانون العسكرى يوجّه قانون الكنيست إلى الأراضى المحتلة.
ينصُّ القانونُ الدولى على أن القوة المحتلة ــ فى هذه الحالة إسرائيل ــ يجب أن تُعزّزَ مصالح الأراضى المحتلة أثناء احتلالها المؤقت. من خلال نقل السلطات الإدارية فى الضفة الغربية من الجيش إلى وزيرٍ إسرائيلى والخدمة المدنية، تتنازل إسرائيل عن هذا الواجب. لأن موظفى الخدمة العامة الإسرائيليين مُلزَمون بتعزيز المصالح الإسرائيلية وحدها.
• • •
يري الكاتب أنَّ صمتَ العالم فى مواجهة هذه التطورات هو تجسيدٌ خطيرٌ بشكلٍ خاص لاستثنائية إسرائيل فى الساحة الدولية. إن لامبالاة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تجاه النظام القانونى الإسرائيلى المُتغير فى الضفة الغربية له عواقب وخيمة على الحياة الواقعية للشعب الفلسطينى تحت الاحتلال. لكن خطأ المجتمع الدولى الفادح ليس بالشىء الجديد. لقد كان سمة ــ وليس خللا ــ للنظام منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلى.
كما يرى أنَّ صمتَ الغرب يقوّضُ أيضا نزاهته ومصداقيته فى حربه ضد التوسع الروسى فى أوكرانيا. والفشل فى تحميل إسرائيل المسئولية لا يُقوِّضُ مصداقية الغرب فحسب، بل له تأثير مزعزع للاستقرار على كامل النظام الدولى. إذ من خلال منح نتنياهو تصريحا مجانيا، يمنح المجتمع الدولى القادة الآخرين ذوى الميول التوسّعية ــ مثل بوتين ــ وصفة لكيفية الاستيلاء على الأراضى بالقوة من دون عواقب.
فَضحُ ضمّ إسرائيل يتطلّب التركيز والنظر والتبصر. هذا ما يفشل المجتمع الدولى فى القيام به، ولهذا السبب لم يؤدّ انتهاك إسرائيل الوقح للقانون الدولى إلى إثارة الغضب الذى يستحقه. تم الاحتفاء بالخطاب الدولى حول ضمّ بوتين أجزاء من أوكرانيا، الذى قوبل بتوبيخ وعقوبات، لكن العالم لا يعرف كيف يتعامل مع تكتيكات نتنياهو.
باختصار، نقلَ حقيبة من وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى سموتريتش يرقى إلى مستوى ضمٍّ قانونى للضفة الغربية ــ وهو خطوة خطيرة نحو ترسيخ الفصل العنصرى داخل الأراضى المحتلة.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved