أدركوا اللحظة الفارقـة


تامر موافي

آخر تحديث: الإثنين 9 يوليه 2012 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

أمام الإخوان المسلمين فرصة تاريخية نادرة لن تتكرر أبدا إن هم أضاعوها اليوم. لا يحتاجون لاستغلالها أكثر من أن يحسنوا قراءة الخريطة السياسية والواقع وأوزان القوى المختلفة فى الشارع وفى دهاليز الحكم.

 

لقد فاز مرشحهم (الاحتياطى) فى انتخابات الرئاسة بعد معركة شديدة الصعوبة وبفارق لا يكاد يذكر. هذه أولى الحقائق التى ينبغى أن يحسنوا قراءتها. 48.5% ممن صوتوا فى مرحلة الإعادة أعطوا أصواتهم للمنافس بالرغم من كل عيوبه المعروفة. هؤلاء جميعا صوتوا ضد جماعة الإخوان المسلمين. بعضهم فقط حبا فى شفيق أو بالأحرى حبا فى مصالحهم المرتبطة به وبما يمثله أى نظام مبارك وسياساته وشبكات فساده. ولكن غالبية من صوتوا للفريق شفيق فعلوا ذلك فقط لأنهم يرفضون أن يحكم الإخوان مصر.

 

بالنسبة لهؤلاء الذين صوتوا للدكتور محمد مرسى فإن بعضهم صوت له كممثل للإخوان ومشروعهم. ولكن غالبية من صوتوا له كان بالنسبة لهم الخيار الثانى والاضطرارى. كان تصويت هؤلاء ضد أحمد شفيق وليس لمحمد مرسى. وينبغى تذكر أنهم لا يقلون رفضا لانفراد الإخوان بالحكم ممن صوتوا لشفيق. كل ما هناك أن رفضهم لفوز شفيق بما يمثله من استكمال النظام المباركى الحاكم لجميع مظاهر سيطرته على مؤسسات الحكم.

 

بخلاف هؤلاء الذين خرجوا إلى صناديق الانتخاب هناك كتلة هائلة ممن لهم حق التصويت اختاروا ألا يصوتوا على الإطلاق. أغلبهم ببساطة لا تعنيهم أى انتخابات وليسوا مهتمين بدعم الإخوان أو خذلانهم ولا بالحفاظ على النظام الحاكم أو إسقاطه. ولكن من بين من لم يصوتوا كتلة هى على صغر حجمها مؤثرة فى الشارع الثورى. هذه الكتلة قاطعت الانتخابات لأسباب منها أنهم لا يرون فى الإخوان بديلا مختلفا بحق عن النظام ولا يجدون فى حصولهم على منصب الرئيس تغييرا ذا أثر فى بنية هذا النظام وإنما هو إعادة تنظيم لأوراقه تمهيدا لمرحلة جديدة من حياته يستعيد فيها توازنه ليستمر فى ممارسة سياساته ذاتها التى أفقرت هذا الشعب واستلبت كل حقوقه فى العيش الكريم.

 

●●●

 

فى المقابل لابد أن تجربة الإخوان خلال الشهور الماضية قد أظهرت أن أطراف النظام الحاكم بمفهومه الواسع يرفضون بشدة أن يتركوا للإخوان فرصة السيطرة على مؤسسات الحكم الأساسية. لا يقتصر الأمر على المؤسسة العسكرية التى لا تزال تصر على الاحتفاظ بدور كبير فى إدارة شئون البلاد بل وتسعى إلى التوسع فى هذا الدور والاستقلال به. ولا يقتصر أيضا على البيروقراطية المدنية والسلطة القضائية وإنما يمتد بصورة أوضح إلى الرأسماليين أصحاب المصلحة المباشرة فى الحفاظ على مكتسباتهم التى حققوها من خلال علاقاتهم المتداخلة مع رموز الحكم ومؤسساته.

 

هذه الأطراف قد تتقبل (أو يتقبل بعضها) أن يشارك الإخوان فى السلطة كوسيلة لتجميل النظام بمظاهر تغيير وهمية ولكنها فى نفس الوقت أثبتت أنه فى حال لمست من الإخوان طموحا إلى الانفراد بمؤسسات هامة قادرة على مواجهة ذلك بقوة ومستعدة إلى الذهاب حتى إلى حد التهديد بتجريد الإخوان من كل شىء بل وتهديد وجودهم نفسه!

 

●●●

 

هذا الموقف فى مجمله يترك أمام الإخوان أحد خيارين. الأول وقد يبدو الأسهل هو إبرام صفقة مع أطراف النظام من خلال ممثلهم وهو المجلس العسكرى. فى هذه الصفقة يحصل الإخوان على موطئ قدم لهم فى مؤسسات السلطة ولكن بصلاحيات محدودة ومع فرض كوابح لطموحاتهم المستقبلية تجعلها غير قابلة للتمرير إلا بعد رضا أطراف النظام. نتيجة هذا الخيار هى استمرار النظام القائم بنفس الخطوط العريضة لسياساته وأدواته مع استخدام الوجوه الإخوانية كمظهر يوحى بأن نظام مبارك أو بمعنى أصح الحلقة الثالثة من النظام الذى أقامه ضباط يوليو قد انتهى وأننا اليوم نتعامل مع نظام جديد.

 

هذا الخيار إضافة إلى سهولته المتمثلة فى أنه يتجنب الدخول فى صراع وجود مع أطراف لا يمكن التقليل من قوتها، هو أيضا يتوافق كثيرا مع طبيعة الجماعة الإصلاحية وكذلك مع حقيقة أنه لا يوجد تناقض حقيقى بين الجماعة وبين نظام مبارك من حيث التوجهات العامة، خصوصا فيما يتعلق بالاقتصاد وآليات توزيع الثروة فى المجتمع.

 

ولكن ثمة مشكلتين فى هذا الخيار، الأولى أنه لا ضمانة هناك لأن يكون قبول أطراف النظام بالإخوان كطرف فى السلطة دائما. فى الواقع كان حصول الإخوان على أكثرية فى مجلس الشعب مثلا وبالا عليهم وكان جزء كبير من فشلهم فى استخدام أدوات التشريع والرقابة يعود لتحجيم متعمد لصلاحيات السلطة التشريعية. وهو أمر يتكرر مع الإعلان الدستورى المكمل فيما يخص صلاحيات الرئيس. وكما كان إفشال الإخوان فى العمل من خلال البرلمان سببا فى تآكل شعبيتهم وتمهيدا لحل البرلمان فى النهاية فلا يوجد ضمان لعدم تكرار الأمر ذاته مع مؤسسة الرئاسة خصوصا أنه مع تشكيل جمعية تأسيسية جديدة برعاية المجلس العسكرى لن يكون ثمة ما يضمن أن يشمل الدستور الجديد نصا انتقاليا يتيح للرئيس استكمال فترة رئاسته!

 

المشكلة الثانية والأكثر أهمية فى هذا الخيار هى أنه يتناسى حقيقة هامة، وهى أن الإخوان لم يكونوا ليصلوا إلى المشاركة فى السلطة لولا أن ثورة شعبية قد أطاحت بالرئيس المخلوع وهزت أركان نظامه. وما يبدو جليا أن الإخوان لا يدركونه هو أن الشعوب لا تثور عشوائيا وإنما تنتفض عندما تصل إلى نقطة يصبح فيها تعايشها مع النظام الحاكم أمرا مستحيلا. التغيير الجذرى فى مثل هذه اللحظة التاريخية ليس ترفا أو خيارا وإنما هو ضرورة تحتمها الظروف الموضوعية التى أدت بشعب ما إلى الانفجار.

 

سيجعل منهم جزءا من النظام المرشح للسقوط لاحقا عندما يؤدى استمرار هذه السياسات إلى ثورة جديدة ــ قبول الإخوان بدور المحلل لاستمرار النظام بنفس سياساته التى أدت سابقا بالشعب إلى الثورة.

 

●●●

 

لتجنب هذا المصير لا يوجد أمام الإخوان إلا الخيار الثانى وهو بناء تحالف واسع لابد أن يتوافر له أمران، الأول أن يكون هدفه الواضح هو مواجهة النظام القائم بهدف إسقاطه، والثانى أن يعتمد على التشارك فى السلطة وعدم انفراد أى طرف بها. مثل هذا التحالف ستتوافر له أولا ذات القاعدة التى أتاحت لمرشح الإخوان أن يفوز فى انتخابات الرئاسة وسيضمن له وضوح الهدف أن ينضم إليه هؤلاء الذين قاطعوا الانتخابات من التيار الثورى أما ضمانات عدم إنفراد الإخوان بالحكم فيمكن أن تتيح انضمام بعض من صوتوا لشفيق لمجرد خشيتهم من هذا الانفراد.

 

 

ليس ثمة ما يحتاج الإخوان للتنازل عنه مقارنة بخيار التفاوض مع أطراف النظام. هم يدركون أنه لا سبيل إلى الانفراد بالحكم وليس عليهم إلا جعل هذا معلنا ومحميا بضمانات محددة أولها القبول بانتخابات تشريعية جديدة وبتعديل حقيقى لتشكيل الجمعية التأسيسية. المختلف أنهم سيقبلون بهذا فى إطار توافق مع شركاء وليس إذعانا لإملاءات خصم لا يستطيعون الثقة فى أنه لن تكون له المزيد من الإملاءات طالما سيظل يمتلك أدوات عدة للضغط والترهيب.

 

لا أغفل أن خيارا كهذا ليس سهلا بالنسبة لجماعة تضع الحفاظ على كيانها التنظيمى على رأس أولياتها ومن ثم لا تميل مطلقا إلى الدخول فى صراعات غير مضمونة النتائج، ولكنه فى المقابل يتيح للإخوان فرصة أن يكونوا شركاء فى الثورة وليس مجرد منتفعين بها. هذه لحظة فارقة فى مسار ثورة ستستمر رغم أنف من يواجهها أو من يحاول جعلها مطية لتحقيق طموحاته الضيقة والمحدودة. لن تخسر الثورة إلا بعضا من الوقت إذا ما مرت هذه اللحظة دون أن يدرك أبعادها هذا الطرف أو ذاك وإنما سيكون هؤلاء هم الخاسرون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved